زايد الزيد يتحسر على الثمانينات أيام رواج الكتب والأبحاث وحينما كان لنائب فذ كحمد الجوعان أبحاث تدرس بالجامعة ، ومشيدا بجهود الجاسم والديين في التأليف

زاوية الكتاب

كتب 996 مشاهدات 0



 

الخلاصة
من المنقذ؟!
زايد الزيد 


حينما كنا طلبة في الجامعة في ثمانينيات القرن الفائت، كنا نقبل بشغف كبير على الكتب والأبحاث التي تعالج أوضاعنا السياسية والاجتماعية والقانونية بل وحتى الادارية التي كنا نعيشها في تلك الفترة، وكان هذا أيضا اهتمام أهل الكويت عامة ممن هم خارج الجامعة من أعضاء مجلس الأمة ووزراء ونقابيين وصحافيين وأعضاء في الجمعيات الأهلية الناشطة وحتى الموظفين العامين.
كان كل كتاب جديد يطبع أو بحث جديد ينشر، تتلاقفه الأيدي بسرعة جنونية، وتدور حوله النقاشات النقدية الموسعة على شكل ندوات أو مقالات في الصحافة المحلية، كان مؤلفو تلك الكتب وناشرو تلك الأبحاث في جلهم هم من أساتذة العلوم السياسية وعلم الاجتماع والقانون، بالاضافة الى بعض السياسيين غير الأكاديميين، فكنت - في تلك الأيام الخوالي - أقرأ بكثرة للدكتور عبدالله النفيسي ود. محمد الرميحي ود. خلدون النقيب والراحل العظيم عثمان عبدالملك الصالح ود. عبدالله العمر ود. أحمد البغدادي ود. غانم النجار، ولا أنسى وأنا طالب في السنة الثانية واذا بأستاذ مادة «الادارة العامة في الكويت» د. فؤاد الفلاح (الله يذكره بالخير) يقرر علينا بحثا للنجم السياسي الصاعد آنذاك النائب السابق الأستاذ حمد الجوعان - شفاه الله- عن مشكلات الجهاز البيروقراطي في الكويت. لقد صدمتني هذه المفاجأة، فهذا النائب الذي انفرد بوصفه أخي وصديقي «وضاح» بـ«الشهيد الحي» والذي كنا نتابع مداخلاته في مجلس الأمة في العام 1985 باعجاب كبير، نكتشف أنا وزملائي أنه متخصص في الادارة العامة، وله أبحاث عديدة يشخص فيها أمراض الادارة الحكومية، لقد كنا ندرس بحثه ونختبر به في الجامعة، بينما عيوننا ترنو الى أدائه الفذ هناك في مجلس الأمة. بل حتى الأساتذة العرب الذين عملوا في جامعة الكويت كانت لهم اسهاماتهم في أحوالنا السياسية والاجتماعية والقانونية، فكتب د. محمد جواد رضا وهو أستاذ عراقي كان يقيم في الكويت أكثر من دراسة اجتماعية عن الكويت، وكتب د. كمال المنوفي ود. عبدالله هدية (الاثنان من مصر وكانا يدرسان في قسم العلوم السياسية) عن الحياة البرلمانية والسياسية في الكويت أكثر من بحث علمي، كما كتب د. يحيى الجمل عن الدستور الكويتي، ما يعكس تفاعلا ايجابيا كبيرا من أساتذة «ذلك الزمان» وسياسييه، مع الأحداث الدائرة آنذاك.
كان التحليل المتعمق، والنقاشات التي تدور حوله، هما العلامة الفارقة في تلك الأيام، فأين نحن اليوم من ذلك النشاط ؟ لماذا تغيب الكتابات الجادة عن أحداثنا وأزماتنا؟ لماذا انصرف أساتذتنا الأفاضل - الذين مررنا بذكرهم أعلاه - عن كتابة المؤلفات المتعمقة في أحوالنا رغم أنهم كانوا روادا في تأسيس الدراسات النقدية الجادة منذ ما يزيد على الربع قرن ؟ لماذا الانقطاع أو الانزواء؟
ووالله لولا مؤلفات الأستاذين أحمد الديين ومحمد عبدالقادر الجاسم في السنوات العشر الآخيرة لقلنا ان الكويت خلت تماما من الدراسات الجادة، بل ان دراسات الديين والجاسم استثناء يؤكد القاعدة، وأكبر دليل على ذلك أن الرجلين قاما بدورهما في الابحار بمشكلاتنا، الا أن المجتمع بمؤسساته وناشطيه بقوا بعيدين عن التفاعل النقدي معهما.
ثم هل يعقل بعد الزيادة العددية الهائلة لدينا في حملة شهادة الدكتوراه في تخصصات العلوم السياسية وعلم الاجتماع والقانون في الألفية الثالثة أن تتراجع حركة نشر الدراسات والكتب ذات العلاقة بأوضاعنا السياسية المتشابكة والتي تحتاج أكثر من أي وقت مضى الى الغوص فيها وتفكيكها؟
والسؤال الأهم: هل يعقل أن ينشغل المجتمع كله بما ورد في مقال صحافي هنا ومقال صحافي هناك؟ ان المقالات الصحافية على أهميتها الا أنها تبقى أداة لمعالجة الأحداث اليومية السريعة، ولاتغني بأي حال عن المؤلفات الجادة والرصينة التي ترمي الى تفكيك عقد الأزمات والمشكلات والقضايا الكبرى.
نحن حتما نعاني من خلل ما في حياتنا، فغياب الكتب والأبحاث عن واقعنا السياسي والاجتماعي والقانوني لهو من تجليات هذا الخلل الجسيم، وليس هو الخلل ذاته، والبحث في هذا الخلل يتطلب مؤلفات كثيرة تفصح لنا عن كنهه.. فهل من منقذ؟

 

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك