نحن نتحاور بطريقة «حوار طرشان».، لأننا نتفاهم بالصراخ والشك فى بعضنا البعض ، وعلينا أن نفيق من الوهم المصطنع بأننا أفضل دولة عربية.. فيصل الرسمان

زاوية الكتاب

كتب 1281 مشاهدات 0


 



حوار الطرشان 
الخصخصة بهدوء 
 
كتب فيصل الرسمان
نحن نشك في بعضنا البعض، ونرتاب من بعضنا البعض، نتصارع بالجدل العقيم، ونتفاهم بالصراخ المزعج، حتى اضحى حوارنا «حوار طرشان».
نعتقد زيفا بأننا ديمقراطيون، ونظن كذبا بأننا أفضل الدول العربية على الاطلاق، ولكن عندما نصحو من هذا الوهم المصطنع، نجد غيرنا قد كشف لنا مدى تخلفنا وتعثرنا وعجزنا الكامل عن اللحاق بالركب.
*ومن القضايا المهمة جدا التي أخذت زخما اعلاميا كبيرا «الخصخصة» فبدلا من ان نناقشها بهدوء وترو، ناقشناها بكثير من العصبية والتشنج، علما بأن هذه القضية تهم الدولة وتهم مواطنيها بشكل اساس، لانها ترسم مستقبل هذا البلد وتحدد مصير ابنائه.
*لذلك اقول بهدوء.....
ان الخصخصة تعني في التعبير الاقتصادي نقل الملكية العامة او اسناد ادارتها الى القطاع الخاص كما انها تستهدف -اي الخصخصة- تسهيل اندماج الدول النامية في الاقتصاد العالمي واعادة هيكلة اقتصادياتها لتتماشى مع نمط وآليات الاقتصاد الحر، واصبحت الخصخصة من البنود الاساسية التي يتبناها كل من البنك والصندوق الدوليين كاحدى المعالجات للاوضاع المالية المتدهورة في الدول النامية.
ومن حيث ان الخصخصة تقلب الدولة من مفهومها التقليدي الى مفهوم جديد مغاير «دولة الشركات» التي تحل محل الدولة، فهذا بالضرورة يعني الانتقاص من سيادة الدول الامر الذي يجعل الدول مترددة على الدوام بالدخول في هذا النظام -الاصلاحي في ظاهرة الاستعماري في جوهره- الا بعد دراسة متأنية جدا وعلى مراحل متباعدة للدخول تدريجيا وبشكل متحفظ عن طريق تجربة بعض القطاعات غير المهمة التي تخضعها لعملية التخصيص لكي يتسنى لها النظر جيدا في مساوئ أو حسنات هذا النظام.
لأن التدرج في اتمام عملية الخصخصة يفضي الى نتائج ايجابية والتسرع يؤدي الى الكثير من الفشل في تحقيق الهدف المعلن، فهذه «بريطانيا» التي يضرب بها المثل في تجربة الخصخصة كانت انتقائية ومتدرجة ولم تتعد عمليات الخصخصة اصابع اليد، في الوقت الذي بيعت فيه كل المؤسسات العامة بلا حدود وفي اي وقت في دول الاتحاد السوفييتي السابق، بينما نجد التجربة الصينية في الخصخصة كانت متدرجة وانتقائية في آن واحد.
فالدول الغنية لاتلجأ الى نظام الخصخصة بشكل متسارع لأن ملاءتها المالية تجعلها قادرة على التفكير بشكل واضح قبل الولوج فيه، اما الدول التي وصل نظامها الى درجة كبيرة من التدهور الامر الذي جعلها غير قادرة عن الوفاء بالتزاماتها، فانها تقوم مضطرة بمقايضة دينها الخارجي بملكية المشروعات الوطنية.
*واذا رجعنا للكويت ونظرنا الى الجدل القائم بين معارض للخصخصة ومؤيد لها، فانني اجد بأن الرأيين على حق، ولابد من الأخذ بوجهة نظرهما.
فأنا برأيي المتواضع أرى بأن نظام الخصخصة فيه من الفوائد الشيء الكثير، فهذا النظام يساعد الدولة على الحد من نفقاتها غير المبررة، اضافة الى ان الملكية الفردية اقدر بكثير من ملكية الدولة فالاولى قادرة على تسيير المرفق الذي تديره بنجاح بعيدا عن البيروقراطية، كما ان هذا النظام يزيد من دخل الافراد، ويقلب المواطنين من مجرد عالة على الدولة الى مواطنين منتجين وعلى قدر كبير من الفعالية.
ومن حيث ان الخصخصة في النهاية لاتعدو كونها «فلسفة اقتصادية» واجتماعية في الوقت ذاته وبالتالي فهي ثقافة، وحتى تسود هذه الثقافة من دون انكار لها فيجب علينا التدرج فيها، تدرجا مبالغا فيه لكي يتقبلها المواطن بصدر رحب.
لاننا في حقيقة الامر وواقعه لسنا مضطرين لهذا الهلع الذي يدفعنا نحو الخصخصة، فالشعب الكويتي بأطفاله وشبابه وكهوله وشيوخه لايتعدى المليون نسمة- علما بأن شركة التلغراف والهاتف الاميركية وصل عدد موظفيها قبل ثلاثين سنة الى مليون وخمسة الاف موظف-فهذا الشعب القليل بعدده مقابل هذه الثروة الضخمة يجعلنا نلزم التأني ونحن نقدم على هذه العملية.
الا أنني استدرك لأقول انه يجب على السلطة التشريعية ان تقر قانون الخصخصة لان فيه مصلحة للكويت من ناحية، وحتى يكون -اي القانون- بمثابة الارضية التي تستند عليه الحكومة وهي تقوم بخصخصة بعض المرافق غير المهمة من ناحية اخرى، كما يجب على السلطتين ان يضعا بعين الاعتبار وهما يقومان باقرار القانون في مداولته الثانية المحافظة على حقوق «الطبقة المتوسطة» عن طريق سن تشريعات تحفظ لهم حقوقهم بالكامل وتبين التزاماتهم بشكل واضح وصريح.
> كما يجب على السلطتين كذلك ان يتجنبوا الآتي..
1 - عدم تخصيص التعليم، لان التعليم حق طبيعي للانسان والحق الطبيعي لايعطى ولايقنن، لانه لصيق به، كما اننا بحاجة للمبدعين الذين ربما يهدينا اياهم «التعليم العام».
2 -عدم تخصيص الصحة، فمن باب وفاء الدولة بالتزاماتها اتجاه الافراد ان تقوم برعايتهم الصحية، فرعاية المواطن التزاما يفرضه الواجب على الدولة، لأن الدولة تنشد افرادا اصحاء يقومون برفعتها في السراء، والدفاع عنها في الضراء.
3 - عدم تخصيص النفط، فهذا النفط هو الثروة الوحيدة والحقيقية، لذا يجب المحافظة عليه والتمسك به، فالدولة قد عانت الكثير من اجل تأميمه، حتى اذا اتى هذا القانون ليعيد بيعه من جديد.
*بقي ان اقول -ان التركيبة السكانية مختلة اختلالا خطيرا، والهرولة نحو الخصخصة سيزيد من اختلال هذه التركيبة، فحتى لانكون غرباء في هذا الوطن، نرجو التريث والتدرج والدراسة المتعمقة، قبل تخصيص اي مرفق من مرافق الدولة....والسلام
 

 

عالم اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك