لاتضيعوا فضل العشر الأواخر من رمضان

محليات وبرلمان

4380 مشاهدات 0


 ساعات قليلة تفصلنا عن الأيام العشرة الأواخر من شهر رمضان المبارك، وكان للعشر الأواخر من رمضان عند النبي صلى الله علية وسلم و أصحابه أهمية خاصة ولهم فيها هدى خاص ، فقد كانوا أشد ما يكونون حرصاً فيها على الطاعة والعبادة والقيام والذكر، فمن خصائصها أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يجتهد بالعمل فيها أكثر من غيرها، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يجتهدُ في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره، وفي الصحيحين عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلّم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله، وفي المسند عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة ونوم فإذا كان العشر شمر وشد المئزر.

ومما يدل على فضيلة العشر الأواخر من هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله فيها للصلاة والذكر حرصا على اغتنام هذه الليالي المباركة بما هي جديرة به من العبادة فإنها فرصة العمر وغنيمة لمن وفقه الله عز وجل، فلا ينبغي للمؤمن العاقل أن يفوت هذه الفرصة الثمينة على نفسه وأهله فما هي إلا ليال معدودة ربما يدرك الإنسان فيها نفحة من نفحات المولى فتكون سعادة له في الدنيا والآخرة، وإنه لمن الحرمان العظيم والخسارة الفادحة أن ترى كثيرا من المسلمين يمضون هذه الأوقات الثمينة فيما لا ينفعهم، يسهرون معظم الليل في اللهو الباطل، فإذا جاء وقت القيام ناموا عنه وفوتوا على أنفسهم خيرا كثيرا لعلهم لا يدركونه بعد عامهم هذا أبدا، وهذا من تلاعب الشيطان بهم ومكره بهم وصده إياهم عن سبيل الله وإغوائه لهم، وقال الله تعالى { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ } [الحجر: 42]. والعاقل لا يتخذ الشيطان وليا من دون الله مع علمه بعداوته له فإن ذلكَ مناف للعقل والإِيمان، وقَال الحق تعالى { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا } [الكهف: 50]، وقال تعالى { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } [فاطر: 6].

ومن خصائص هذه العشر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتَكف فيها، والاعتكاف هو لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله عز وجل وهو من السنن الثابتة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } [البقرة: 187]. وقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم واعتكف أصحابه معه وبعده، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان ثم اعتكف العشر الأوسط ثم قال 'إني اعتكف العشر الأول التمس هذه الليلة، ثم أعتكف العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف'. رواه مسلم.

والمقصود بالاعتكاف كما قال فضيلة الشيخ العلامة محمد صالح بن عثيمين رحم الله، هو انقطاع الإِنسان عن الناس ليتفرغ لطاعة الله في مسجد من مساجده طلبا لفضله وثوابه وإدراك ليلة القدر، لقوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَة الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر * تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيَها بِإِذْنِ رَبّـِهم مِّن كُلِّ أَمْر * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) ولذلك ينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر والقراءة والصلاة والعبادة، وأن يتجنب ما لا يعنيه من حديث الدنيا ولا بأس أن يتحدثَ قليلا بحديث مباح مع أهله أو غيرهم لمصلحة، لحديث صفية أم المؤمنين رضي الله عنها قالت ' كان النبي صلى الله عليه وسلّم معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته ثم قمت لأنقلب (أي لأنصرف إلى بيتي ) فقام النبي صلى الله عليه وسلم معي' متفق عليه.

ويحرم على المعتكف الجماع ومقدماته من التقبيلِ واللمسِ لشهوة لقوله تعالى { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } وأما خروجه من المسجد فإن كان ببعض بدنه فلا بأس به لحديث عائشة رضي الله حيث قالت 'كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف فأغسله وأنا حائض، رواه البخاري. وإن كان خروجه بجميع بدنه فهو ثلاثة أقسام:

الأول: الخروج لأمر لا بد منه طبعا أو شرعا كقضاء حاجة البول والغائط والوضوء الواجب والغسل الواجب لجنابة أو غيرها والأكل والشرب فهذا جائز إذا لم يمكن فعله في المسجد فإن أمكن فعله في المسجد فلا، مثل أن يكون في المسجد حمامٌ يمكنه أن يقضي فيه حاجته وأن يغتسل فيه، أو يَكون له من يأتيه بالأكل والشرب فلا يخرج حينئذ لعدم الحاجة إليه.

ثانيا: الخروج لأمر طاعة لا تجب عليه كعيادة مريض وشهود جنازة ونحو ذلك فلايفعله إلا أن يشترط ذلك في ابتداء اعتكافِه مثل أن يكون عنده مريض يحب أن يعوده أو يخشى من موته فيشترط في ابتداء اعتكافه خروجه لذلك فلا بأس به.

ثالثا: الخروج لأمر ينافي الاعتكاف كالخروج للبيع والشراء وجماع أهله ومباشرتهم ونحو ذلك، فلا يفعله لا بشرط ولا بغير شرط، لأنه يناقض الاعتكاف وينافي المقصود منه.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.. اللهم سخر قلوبنا لطاعتك ومرضاتك وأعنا على نفوسنا يا رحمن.. اللهم اجعلنا ممن صام رمضان ايمانا واحتسابا فغفر الله ما تقدم من ذنبه.. اللهم بلغنا ليلة القدر واجعلنا ممن يقيمونها.. اللهم لا تدع لنا يا ربنا في هذه الأيام المباركة ذنبا إلا غفرته.. ولا مريضا إلا شافيته.. ولا ميتا إلا رحمته.. ولا دعاءً إلا استجبته.. ولا تائباً إلا قبلته.. ولا عاريا إلا كسوته.. ولا فقيرا إلا أغنيته.. ولا مؤمنا إلا ثبته.. ولا مؤمنا إلا ثبته.. ولا مؤمنا إلا ثبته.. ولا طالبا إلا وفقته.. ولا عاصيا إلا هديته.. ولا مظلوما إلا نصرته.. ولا عدوا إلا أخذته.. ولا عدوا إلا أهلكته.. ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك فيها رضا ولنا فيها صلاحُ إلا قضيتها ويسرتها برحمتك يا أرحم الراحمين.. يا أرحم الراحمين.. يا أرحم الراحمين.

 

 

الآن - تقرير: خالد العنزي

تعليقات

اكتب تعليقك