علي الذايدي يودع الكتابة الصحفية ويكتب مقاله الأخير بسبب غرامة أخذها من قوت أبنائه ودفعها للداخلية لخزينة وزارة الداخلية بسبب كلمة جاءت في أحد مقالاته!

زاوية الكتاب

كتب 1961 مشاهدات 0





بلا عنوان 
المقال الأخير 
 
كتب علي الذايدي
 
بعد ما يقارب الـ8سنوات من الكتابة الصحفية وبعد أن اقترب سني من الأربعين وسيري طوال هذه الأربعين عاما بجانب الساس –إن لم يكن داخل الساس- لم أتصور يوما أن أتمرمط بين قصر العدل ومجمع المحاكم وإدارة تنفيذ الأحكام جيأة وذهابا ولأيام طويلة وأختم هذا المشوار من المرمطة والبهدلة بدفع 3000 آلاف دينار أخذتها من أفواه أبنائي لكي أدفعها لخزينة وزارة الداخلية بسبب كلمة جاءت في أحد مقالاتي .
كل هذه البهدلة لأن وزارة الداخلية تريد أن تلجم أفواه الكتاب عن النقد ,وبدلا من تقويم وتعديل سلوك بعض منتسبيها قامت مشكورة برفع القضايا على كتاب المقالات على أقل انتقاد يوجه لها.
قد يتساءل سائل عن الكلام الذي تسبب في رفع قضية من الداخلية ضدي,وهل تعلمون ما هو الجرم الذي ارتكبته؟
الحكاية أن احدى الصحف نشرت تحقيقا عن المضايقات التي تتعرض لها الفتيات اللاتي يقدن السيارات عند نقاط التفتيش من قبل بعض رجال الشرطة وهذا التحقيق كان مزودا بالصور وشهادات بعض المواطنات عن المضايقات التي يتعرضن لها وكيفية استغلال بعض أفراد الشرطة لسلطتهم لمحاولة التقرب من الفتيات وفي اليوم التالي كتبت تعليقا بسيطا على الخبر لا يتجاوز السطر الواحد قلت فيه أنه يظهر أن مهمة رجال الأمن في البلد تحولت من تنظيم السير إلى ترقيم قائدات السيارات.
هذا كل ما فعلت فلم أتكلم عن اختلاسات ولم أدع أن قيادات وزارة الداخلية يستغلون مناصبهم لتنفيع أنفسهم وأقاربهم ولم أتحدث عن أي مخالفات كبيرة فذلك التعليق البسيط هو جريمتي الوحيدة.
ومع أن مكتب الشؤون الداخلية في الوزارة يعج بقضايا رفعتها الكثير من المواطنات ضد بعض العسكريين بسبب التحرش، ومع ذلك تصمم الوزارة على أن ما جاء في مقالي هو محض كذب وافتراء وكان الأجدر بها أن تعاقب هذه الفئة من رجال الشرطة ممن يسيئون لرجال الداخلية الأكفاء ,وليس رفع القضايا على من يسلطون الضوء على المخالفات من أجل الانتباه لها وتقويمها.
ومن هنا فقد قررت أن أعتزل الكتابة نهائيا لأنني لا أعرف هامش مخالفتي للقانون عندما أكتب مقالا,فعلى القياس الذي رفعت علي فيه وزارة الداخلية القضية يمكن أن يكون أي مقال أكتبه يشكل جريمة يعاقب عليها القانون، وحيث أنني لا أرغب أن أخوض تجربة المرمطة في قصر العدل مرة أخرى ودفع أموال أبنائي لوزارات الدولة فقد اتخذت هذا القرار .
ومن هنا فأنا أبارك لوزارة الداخلية نجاح مساعيها في وقف&S239; الانتقادات لها ,لا عن طريق الرد على هذه الانتقادات بتصحيحها ولكن مرمطة الكتاب في أروقة المحاكم لأصغر الأسباب.
وقد تقوم أي وزارة برفع القضايا على أي كاتب يقوم بانتقاد قيادي هنا أو قيادي هناك,فليس المقصود هنا وزارة الداخلية فقط,فمن يعلم أي وزارة ستكون موضوع أحد مقالاتي أنا أو غيري، وإذا فتحنا باب رفع القضايا فلكل وزارة جيش من المحامين والقانونيين والمستشارين أما نحن الكتاب الذين لا يعرفنا أحد فليس لنا القدرة على توكيل حتى محام حديث التخرج ما سيجعل أي وزارة ترفع قضية على أي كاتب (غير مسنود) أن تكون الطرف الرابح دوما.
أنا أعلم أن هناك معركة تكسير عظام بين بعض الأطراف ,كما وأعلم أن الصحافة أحد أسلحة هذه المعركة,وأن هناك من يعطي من ماله الخاص لكاتب ما لكي يقوم بالتطرف في سب وشتم خصومة مع تحمل كافة التبعات المالية المترتبة على هذا الأمر,فالمال عند البعض ليس مشكلة مقابل تشويه سمعة خصومه وخلال هذه المعركة يتضرر الكتاب الذين ليس لهم سند ولا ظهر قوي يستندون إليه بمعنى أدق «يروحون بالرجلين» فأنا في هذه المعركة أشبه بثائر بلا قضية فالكتابة بالنسبة لي حب وهوس وأحد وسائل التعبير عن الرأي,الرأي الذي يتعرض لكثير من المضايقات مؤخرا فلم أتصور يوما أن تكون الكتابة الصحفية تجعلني أدوخ السبع دوخات في أروقة المحاكم وأنا الذي لم أدخل مخفرا في حياتي .
لست نادما على هذا القرار بالعكس فقد كنت أفرغ من قراءة كتاب أو رواية كل أسبوع قبل دخولي عالم الكتابة السياسية أما بعد أن بدأت كتابة المقالات فقد انغمست في متابعة أمور البرلمان ومجلس الوزراء وأخبار الندوات السياسية والسياسيين فأهملت القراءة لحساب الكتابة ,أما اليوم فأنا سعيد لعودتي للمكتبة العامة التي افتقدتها كثيرا ,وأنكص على عقبي إلى كتب العقد الفريد والبداية والنهاية وأخبار الأمم والملوك السابقين ونوادر التاريخ مهزوما مدحورا من عالم السياسة الذي لا يصلح لي ولا أصلح له.
 
الوداع..................
 

عالم اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك