هل هناك إعلام فاسد؟

محليات وبرلمان

بين حرية التعبير، وسياسة الشتم والتشهير

7146 مشاهدات 0


رأينا



 يهدف الإعلام إلى:
-المعلومة، الخبر-الحقيقة، الترفيه والفكاهة.
 ما عدا ذلك فهو لا يندرج تحت تعريف الإعلام، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يسمى انتهاج الردح والقدح والشتيمة والشائن من القول- كنهج وليس كحالة شاذة متفرقة هنا أو هناك- نقول بأنه لا يمكن أن يسمى ما اتفق عليه باسم 'ظاهرة الجويهل' إعلاما، بل هو تجن على الإعلام أن يسمى ما يجري على الساحة الإعلامية هذه الأيام إعلاما.
الفاسد والرديء والجيد:
 الفساد عكس النظافة، وهو عكس النزاهة والشفافية في لغة السياسة، لكن البعض ربط الفساد بشكل ينافي الدقة والحقيقة بالإعلام ظلما والإعلام منه بريء، فما يجري فساد هو جزء من الفساد العام، وهو انحدار يعكس انحدار المرحلة وتردي الحالة السياسية الكويتية العامة، وهو أذرع بوسائل إعلامية لمؤسسات وجماعات تعيش على الفساد وتقتات منه، فالفساد انتشر في كل مكان، وصار سمة للحياة العامة بالدولة، بل أصبح من المستحيل أن تنجز أي معاملة عادية في أي مرفق أو وزارة حكومية دون الواسطة أو اللجوء للرشوة بكافة أشكالها.
 يعرف الإعلام الحديث نوعين من الإعلام: جيد ورديء، ويندرج تحت الجيد المفيد والتثقيفي والترفيهي، كما أن الموضوعية سمة أساسية في الجيد من الإعلام حين يبث الخبر ويدعي نشر الحقيقة، فجزء من نشر الحقيقة موضوعيتها، وجزء من انتشار المعلومة وتأثيرها قدرتها على الإحاطة بأطرافها.
 أما الإعلام الرديء فيندرج تحته الكذب والتزوير والانحطاط اللغوي والاستهتار اللغوي وانعدام الذوق العام والشخصانية والبهتان والافتراء، وقد عرف الوسائل الغربية نوعين من الإعلام المرئي الرديء يسمى 'تلفزيون زبالة'- TRASH TV، كما عرفت برامج حوارية أسمتها برامج حوارية زبالية TRASH TALK SHOWS، وفيها يعرض المقدم لأنواع من البشر بسلوكيات شاذة غريبة حتى على المجتمع الغربي نفسه، ويعيش مثل هذه البرامج على شذوذها وانحرافها كي تستطيع جذب المشاهد.
 كما عرف الإعلام الغربي المطبوع نوعين من الصحافة المطبوعة: العريضة BROAD SHEET أو MAINSTREAM والصفراء أو الشعبية الردئية TABLOID. لكنه لم يعرف صحافة فاسدة بمعنى CORRUPT JOURNALISM، علما بأن الفساد داخل صحيفة ما، يتم التعامل معه بمعزل عن الصحافة نفسها.
هل المعروض إعلام؟
 الظاهرة 'الجويهلية' الجديدة التي انتشرت في بعض فضائياتنا وصحفنا هي ظاهرة الشتم والردح والتنكيل بالخصوم لفظا، ونعتهم بأوصاف تتجاوزهم إلى أهلهم وأصلهم وفصلهم، والمستهدف دوما هو معارضي الحكومة: نواب وكتاب وناشطين سياسيين وأكاديميين وغيره.
 وهو نهج مستمر بشكل يومي، وليس غلطة مطبيعة هنا، أو زلة لسان هناك، وهي ليست شخصا منحرف السلوك، وآخر سليط لسان، بل أصبحت ظاهرة لها فريق منظم ينسق منهجه المسموع والمرئي والمقروء ليل نهار، فذاك يشتم على الشاشة، وقلم الكاتب من نفس الفريق يردد صدى تلك الشتيمة في عموده في اليوم الثاني وهكذا. وكل هذا تحت ذريعة الحرية والديمقراطية، وهي منهم براء، وكلما قال العقلاء 'أن هذا ليس ديمقراطية'، سارعوا إلى التبرير الهجومي: هاه! الحين مو عاجبتكم الديمقراطية؟ يوم صارت ضدكم صارت مو عاجبتكم؟
حرية التعبير وحرية الشتم والتشهير:
 والحقيقة أن الدول الديمقراطية المتقدمة قد ميزت بين حرية التعبير وبين أن تشتم وتشهر بالآخرين باسم الحرية، فسنّت قوانين تجرّم خطاب الكراهية، والذي عرفته الموسوعات القانونية على أنه ' أي تعبير يزدري شخصا أو جماعة بسبب بعض مميزاتهم'.
  وتمنع الدول الديمقراطية نشر هذا الخطاب حفاظا على تماسك مجتمعاتها وتعايش فئاته المختلفة، بل إن دولا مثل بريطانيا العريقة بديمقراطيتها منعت دخول أشخاص من أوربا وأمريكا قد يثيرون الكراهية ويتعدون بالشتم لبعض فئات مجتمعها مما قد يحدث قلاقل في المجتمع وما لا تحمد عقباه فيها. بل تمنع بريطانيا وألمانيا ودولا غربية ديمقراطية أن يخوض المتطرفون والأحزاب القومية النازية المتطرفة الانتخابات لأن في خطابهم الانتخابي كراهية من شأنها تقويض أساسات المجتمع في التعايش السلمي بين فئات المجتمع المختلفة (أنظر الروابط:
http://www.alaan.cc/pagedetails.asp?nid=45576&cid=52
و http://www.alaan.cc/pagedetails.asp?nid=60197&cid=46#
وhttp://www.alaan.cc/pagedetails.asp?nid=64179&cid=63
وسنت كلا من الهند وفنلندا وبلجيكا وبريطانيا وفرنسا وكافة دول العالم المتقدمة، قوانين تجرم خطاب الكراهية وتمنع التعدي على أي شخص بسبب لونه أو عرقه أو دينه أو مذهبه أو حتى موطنه الأصلي قبل الحصول على الجنسية البريطانية في حالة المملكة المتحدة، بل قد يؤدي ذلك إلى سجنه، حيث ينص القانون البريطاني على: ' يحظر القانون أي تعبير بالكراهية أو التهديد أو الشتم أو الإهانة  يستهدف شخصا بسبب لون جلده أو عرقه أو جنسيته (بما في ذلك المواطنين البريطانيين) أو قوميته أو موطنه الأصلي أو دينه أو ميوله الجنسية. وتكون العقوبة لخطاب الكراهية الغرامة أو السجن أو كلاهما.
وفي الهند- أكبر ديمقراطية في العالم- ينص القانون على ما يلي: تحظر الهند أي وسيلة من وسائل التعبير التي قد يعتبرها شخص ما مهينة لدينه أو قد تؤدي بأية طريقة كانت إلى الإخلال بالنظام العام.
 هذه نماذج لدول عريقة في الديمقراطية، ولكنها في الوقت نفسه تحرص على تعايش فئات مجتمعها وتمنع التعدي على أي من هذه الفئات، مع تعزيزها وتأكيدها لحرية التعبير والنقد لكل مسئول في عمله، ولأي شخصية عامة شريطة عدم التعدي على حياته الخاصة أو على معتقده وأصله وفصله وجنسه ودينه، وعلى الرغم من ذلك، فإن التاريخ لم يسجل لنا أن حرك أي مسئول كبير في أي دولة ديمقراطية قضايا ضد من انتقده –وإن تجاوز القانون في نقده- إن كان نقده إياه قد تم بالطرق السلمية، لأنه أصبح جزءا من الثقافة الديمقراطية، أن يتحمل المسئول والشخصية العامة أكثر مما يتحمله المواطن العادي.
 ولذلك فإن الحجة التي يدفع بها مثيري الكراهية والتفرقة بين فئات المجتمع، هي واحدة: تبون ديمقراطية؟ هذي الديمقراطية!! والقصد في هذا الخلط المتعمد بين الكراهية والحرية في الرأي، بين حرية التعبير والإسفاف والتمير، أن يصل الناس والغالبية من القلقين والمخلصين لهذا البلد إلى النتيجة ذاتها: يا جماعة ما نبي الديمقراطية اللي وصلتنا لهالمواصيل! وتهيئة الاجواء لإجراءات قمعية شاهدنا بعضها في ضرب النواب وسحل الأساتذة وسجن أصحاب الرأي وغلق القنوات الخارجية والتضييق على الحريات الصحافية والحبل على الجرار وما خفي أعظم.
والنواب أيضا:
 إن الموضوعية تفرض أن نذكر بأن نوابا انتهجوا نهجا لفظيا جديدا على الساحة البرلمانية في الكويت، وأن نذكر بأننا في غطينا هذه الألفاظ ونسبناها لأهلها وأدناها. وسلوك النواب وألفاظهم استخدمها فريق الكراهية والشتم والتشهير كذريعة: هذه بتلك، والسن بالسن! لكن الموضوعية تفرض علينا أيضا أن نبين أن أخطاء النواب المرفوضة هي أخطاء برلمانية، وهي تحدث بين فترة وأخرى، ووليدة اللحظة الغاضبة الخاطئة، أو لحظة الحماسة الخطابية، وليست نهجا يردح ليل نهار ويطل علينا وعلى أطفالنا بقبحه عبر الشاشات والمطبوعات، وأرجو ألا يفهم القاريء الكريم أن هذا محاولة لتبريره، بل على العكس- هو إدانة مبدئية له، لكنها تقييم لوضع الأمور في نصابها الصحيح.
قانون إعلامي وتجريم الكراهية وقيم النواب:
إن ظاهرة القدح والكراهية الجديدة تطل علينا عبر وسائل الإعلام، وفهمها كثيرون على أنها إعلام، وسماها البعض 'إعلام فاسد' وهي تسمية ليست بدقيقة، كما أن البعض يعتقد أن الحصانة البرلمانية تعطيه الحق بشتم الآخرين، وهذا خطأ لا يقل فداحة عن خطاب الكراهية، وعليه فإن التصدي لهذه الظواهر التي تمزق مجتمعنا تفترض الآتي:
-قانون لتجريم خطاب الكراهية يمنع الردح والقدح بأي فرد أو فئة من فئات المجتمع بأي شكل من الأشكال.
-لائحة للقيم البرلمانية يتبناها مجلس الأمة ويفرضها بصرامة على النواب المخالفين لها.
-قانون جديد للإعلام يمنع منعا باتا الحبس لمن يعبر عن رأيه بالوسائل السلمية ضمن القانون، بل ويمنع الحبس 'الاحترازي' لمن وجه له اتهام إعلامي حتى صدور حكم قضائي نهائي بحبسه.
 إن الحكومات في الدول الديمقراطية تقدم النموذج للتصدي للظواهر التي تمزق مجتمعاتها، فتنبذ مثيري الكراهية والشغب، ولا تتعامل مع الفتن ومثيريها، ولا تسهل للنواب كسر القانون، وترعى حرية التعبير وتميز بينها وبين الشتم والتشهير، لكن الانطباع السائد –مع الأسف الشديد- أن الحكومة تقرب مثيري البغضاء والكراهية، وتقترب من إعلام القدح والشتم، وتباعد بينها وبين شعبها بهذا النهج المدمر.

رأينا

رأينا

تعليقات

اكتب تعليقك