ثقافة 'شراء المواقف' النيابية أصبحت حقيقه مسلّم بها عند الحديث عن علاقة الحكومة بالمجلس.. سعد العجمي

زاوية الكتاب

كتب 827 مشاهدات 0



 
 الجريدة
 

  صوتي من أشرف لصوات... ما أبيعه لو بالكتكات
سعد العجمي

إن ثقافة 'شراء المواقف' النيابية أصبحت بمنزلة الحقيقه المسلّم بها عند الحديث عن علاقة الحكومة بالمجلس، أو عند أي استحقاق سياسي يتطلب اتخاذ موقف حاسم، والكارثة الكبرى أنها باتت ثقافة مجتمع لم يعد الخوض فيها محرما أو محرجا من الناحيتين الأدبية والأخلاقية على الأقل.

كم مرشحاً في الانتخابات الماضية شكل نجاحه مفاجأة لأغلب المراقبين؟! أعتقد أنهم كثر خصوصا في الدائرتين الأولى والثانية وبشكل أقل في الدائرة الثالثة، بل إن الأرقام التي حققها بعض النواب الحاليين في تلك الدوائر جاءت مخالفة تماما لقراءات وتوقعات المتابعين.

يكاد الجميع يتفق على أن أطرافاً حكومية عدة وغير حكومية، تدخلت في دعم مرشحين وعملت ضد مرشحين آخرين عبر المال السياسي الذي لم ينتهِ مفعوله بمجرد إعلان النتائح، بل استمر تأثيره وكان الحديث عنه حاضراً في جميع الاستجوابات التي قدمت في هذا الفصل التشريعي.

بعيدا عن صحة هذا الكلام من عدمه، فإن ثقافة 'شراء المواقف' النيابية أصبحت بمنزلة الحقيقه المسلّم بها عند الحديث عن علاقة الحكومة بالمجلس، أو عند أي استحقاق سياسي يتطلب اتخاذ موقف حاسم، والكارثة الكبرى أنها باتت ثقافة مجتمع لم يعد الخوض فيها محرما أو محرجا من الناحيتين الأدبية والأخلاقية على الأقل.

في إحدى المدارس بمنطقة المنقف أجرى قسم الاجتماعيات انتخابات لطلبة الصف الخامس لاختيار أحدهم كي يكون ممثلا للصف أمام إدارة المدرسة، وقبيل التصويت وفي أثناء حصة الرياضة دخل ولي أمر أحد المرشحين وقام بتوزيع 'الكتكات' على طلبة الصف طالبا منهم دعم ابنه، وقال لهم 'إذا صوتوا لابني ونجح سأتكفل لكم برحلة إلى ألعاب مرح لاند في جنوب الصباحية'، بعدها بساعة تقريبا جرى التصويت وفاز ابنه بفارق كبير من الأصوات عن أقرب منافسيه رغم أنه جديد على الصف وعلى المدرسة التي انتقل إليها حديثا.

بالطبع لا يمكن مقارنة الحلويات بالملايين، ولا 'مرح لاند' بالسياحة الصيفية المدفوعة الأجر في أوروبا سواء عبر بوابة الطائرات الخاصة، أو حنفية العلاج بالخارج، ولكن بمنظور الشريحة المستهدف شراؤها فإن 'الكاكاو' والألعاب الترفيهية تعادل عند الأطفال الأرصدة البنكية 'المتورمة' وفنادق الخمس نجوم في القارة العجوز.

قد يقول البعض إن المقارنة بين الحالتين مبالغ فيها، لكن من رأى ليس كمن سمع، فتعابير وجه ابن أحد الأصدقاء وملامح الدهشة والتذمر التي بدت عليه عندما روى لي هذه الحادثة التي عاشها كأحد طلبة ذلك الصف، كفيلة بأن نتوقف أمامها طويلا، خصوصا عندما قال 'قاعد يشتري أصواتنا لولده'!!

ترى ما الذي جعل طفلاً في الحادية عشرة من عمره يفطن لمصطلح 'شراء أصوات'؟ وكيف ستكون تداعيات ذلك مستقبلا على الصغار؟ وما الذي جعل ولي أمر طالب يقوم بهذا الفعل أمام الطلبة، وأين... في حرم المدرسة؟ من دون شك إن سبب ذلك يعود إلى الجو السياسي الموبوء الذي أزكمت رائحة فساده الأنوف بسبب ممارسات كبار القوم من الساسة.

حتى إن كان والد الطالب قام بهذا الأمر عن حسن نية، لكن ذلك بكل تأكيد يعد مؤشرا على أن ثقافة مجتمعية جديدة باتت تنتشر نتيجة لعمل سياسي غير شريف تمارسه بعض الأطراف، بل إن التعاطي معها بات لا يندرج تحت بند المحظورات، فالمرتشي والقابض والحرامي اليوم لم يعودوا يجزعون كما كانوا في السابق من هذه الأوصاف عندما يلمز بها!

تعليقات

اكتب تعليقك