في محاضرة أدارها السفير المصري بمهرجان القرين

محليات وبرلمان

العلاقة بين البلدين ضاربة في أعماق التاريخ لأكثر من قرنين من الزمان

947 مشاهدات 0


جسدت محاضر «العلاقات الكويتية المصرية الثقافية» عمق هذه العلاقات الممتدة إلى أكثر من قرنين من الزمان، وعرض المحاضر الدكتور عبدالله حمد محارب بعض الوثائق والمستندات التي تنشر للمرة الأولى وتجسد متانة هذه العلاقات وانطلاقتها المبكرة على صعيد الجوانب الثقافية والسياسية والاقتصادية بين الكويت ومصر.
قبيل المحاضر التي أدارها السفير المصري لدى دولة الكويت طاهر فرحات وحضرها الأمين العام للمجلس الوطني بدر الرفاعي والأمين المساعد عبدالهادي العجمي وعدد من قيادات المجلس وضيوف المهرجان وأعضاء السفارة المصرية في الكويت، بدأ الدكتور محارب الحديث عن تاريخ العلاقات المصرية - الكويتية، متحدثا عن البدايات الأولى للتبادل الثقافي المصري - الكويتي، فقال:
الحديث عن العلاقات بين الكويت ومصر يحتاج إلى النظر في أفق واسع جدا من الحراك الإنساني بين شعبين أصلهما واحد وإن تفرقا في الأصقاع.
وقد تبادل الشعبان المصري والكويتي المشاعر والمنافع منذ أكثر من قرنين من الزمان في العصر الحديث، والوثائق والدراسات قبل ذلك التاريخ تكاد تكون منعدمة، وإن كانت بعض الحوادث والأخبار تدل على أن العلاقة الأولى بين الشعبين كانت تجارية، وقد يكون ذلك راجعا إلى حداثة تكون الدولة في الكويت في القرن السابع عشر، وفي القرن الثامن عشر ذكر أن الكويت كانت تنطلق منها القوافل كبيرة العدد إلى حلب (القافلة من خمسة آلاف جمل بحراسة ألف رجل) وذلك لأن الكويت كانت في تلك الفترة مركزا تجاريا مهما في المنطقة، وهناك قوافل أخرى كانت تذهب إلى الشام والعراق ومصر.
وتابع محارب: وفي القرن التاسع عشر كان عدد من أبناء الكويت يتطلعون إلى  مصر وأزهرها الشريف متمنين الوصول إليها والالتحاق بهذه القلعة العلمية، وقد ذكر مقال في مجلة البعثة الكويتية اسم أول طالب كويتي وصل إلى مصر وهو الشيخ عيسى بن علوي، وليست له ترجمة معروفة، وقد رحل إلى مصر ودرس الطب واستوطنها ومات فيها سنة 1863م.

الرواد الى مصر

ومن الرواد أيضا الشيخ أحمد بن محمد الفارسي، الذي أعانه أحد رجال الكويت فأكمل دراسته فيها، وعاد إلى الكويت وهو يحمل علما غزيرا، وكان في مصر في الفترة من 1864 وغادرها سنة 1872.
ومن أشهر الرواد الشيخ مساعد العازمي، الذي كان يقول: (إن الدراسة في مصر كانت حلما من أحلام حياتي) وقد اضطر إلى السفر إلى سيلان والغوص في قيعانها ليجمع نفقات سفره إلى مصر، وعندما وصل إليها واهتدى إلى الأزهر الشريف قابله مشايخه بالترحاب، ورتبوا له أمر دراسته مع عدد كبير من الدارسين، وخصصوا له راتبا (جنيها واحدا في الأسبوع) مع تكفلهم بالأكل والملبس وجميع احتياجاته، وتدرب فيها على مهنة (التطعيم) وعاد إلى الكويت سنة 1882، ونفع الشيخ الناس في مجالين مهمين: مجال العلم ونشره، ومجال العناية الصحية عن طريق التطعيم.
ومن الرواد الذين درسوا في الأزهر الشريف ماجد بن سلطان بن فهد، والشيخ أحمد بن خالد العدساني، وراشد ناصر بورسلي.
وارتفع عدد هؤلاء الرواد في القرن العشرين وفيه استقبلت الكويت مجموعة من العلماء المصريين وغيرهم، كان في مقدمتهم الشيخ محمد رشيد رضا سنة 1913، وكانت لزيارته الأثر العظيم على الكويت وأهلها وبدأ اهتمام أهل الكويت بالصحافة والمجلات المصرية خاصة فاشتركوا في عدد منها وكانت زادا ثقافيا لهم في تلك الفترة، وكان الشيخ عبدالعزيز الرشيد (مؤرخ الكويت) ينشر مقالاته في مجلة الشورى المصرية.

البعثة الاولى

وكانت أولى البعثات الطلابية إلى مصر سنة 1939 وقد ضمت عبدالعزيز حسين، أحمد مشاري العدواني، يوسف مشاري الحسن البدر، يوسف عبداللطيف العمر.
ووصلت البعثة بعد رحلة مضنية إلى القاهرة استمرت 22 يوما، وكانت إطلالة مهمة هائلة على عالم آخر، عالم المدن الكبيرة والصخب، والطرق المزفتة، والعمارات الضخمة الأنيقة والخضرة الكثيفة والنيل العظيم، وكان اسم الأزهر يبعث فيهم مشاعر متفاوتة من العظمة والرهبة، واتصل هؤلاء الشباب بجو القاهرة الثقافي في مقر طه حسين وأحمد أمين وأحمد حسن الزيات، وتابعوا الحركة السياسية وقضايا المجتمع المصري.
وعندما كثر الإيفاد إلى مصر رأى مجلس المعارف أن يجهز للطلاب سكنا جماعيا    يضمن حسن توجيههم ورعايتهم لاسيما أن معظمهم يسافرون للمرة الأولى، وتم اختيار منزل جميل في حي الزمالك (25 ش إسماعيل باشا محمد) وقد افتتحه بصورة رسمية أحمد أمين بك صاحب مجلة الثقافة الأسبوعية نائبا عن وزير المعارف المصري بيت الكويت.
وبعد نمو العلاقات بين الكويت ومصر على المستوى الثقافي، اقترح الأستاذ عبدالعزيز حسين إنشاء (مكتب الكويت بمصر) الذي هو نواة سفارة الكويت في مصر بعد ذلك، وذلك في تقرير له أرسله إلى الكويت، وطالب فيه بأن تستمد المناهج الكويتية أصولها من المناهج المصرية، كما شجع فيه على الاستعانة بالمدرسين المصريين لمواجهة نقص المدرسين الكويتيين في المواد الدراسية المختلفة.
ثم انتقل بيت الكويت إلى مقر آخر (7 ش قاسم بالدقي) وفي العام 1958 تم شراء أرض في الدقي بني عليها بيت الكويت (كان سعر الشراء 8 جنيهات للمتر).
وقد افتتح بيت الكويت الرئيس جمال عبدالناصر بنفسه ومعه زكريا محيي الدين وحسين الشافعي، وعبداللطيف البغدادي، وحسن إبراهيم، وأنور السادات، وعبدالحكيم عامر، وكان على رأس المستقبلين رئيس المعارف الشيخ عبدالله الجابر الصباح، ومعه الشيخ سعد العبدالله، والأستاذ عبدالعزيز حسين، وهو أمر لم يحدث لأية بعثة ديبلوماسية أو طلابية من قبل وكان عدد الحاضرين قد فاق 1500 مدعو.
وقد تقلد منصب مدير المعارف في الكويت عدد من المصريين منهم الأستاذ علي هيكل، والأستاذ طه السويفي وأرسلت مصر عددا من الكتب المدرسية.
وأنشئ المعهد الديني سنة 1947، وتم تزويده بعدد من علماء الأزهر الشريف وحظي بإقبال شديد، وتبنى الأزهر هذا المعهد بالرعاية الكاملة فأمده بالمشايخ والمناهج الدراسية والمدرسين، واعترف بشهادته، وكانت الأسئلة تأتي من الأزهر، وكان رئيس المعهد هو رئيس البعثة الأزهرية.
وفي مجال التعليم الفني والمهني تم استقدام خبير مصري هو الأستاذ برهان كمال، ود. علي صافي، وتم اقتراح انشاء الكلية الصناعية وعين المهندس صادق جلال مشرفا إداريا، وعند بدء الدراسة عين محمد عبدالعزيز ندا مديرا للكلية الصناعية، وبدأت وفود المدرسين المصريين تتزايد في الكلية.
وكانت مصر هي المصدر الرئيسي للكتب والقرطاس لتغذية ذلك الحراك الثقافي والعلمي الضخم في تلك الأيام، وكانت  مصر ترسل الكتب إلى الكويت دون مقابل، وبعد زيادة ميزانية الكويت سنة 1947 قامت إدارة المعارف بشراء الكتب الدراسية من مصر بالإضافة إلى أمهات كتب الأدب وعلوم العربية والدين لتكون نواة للمكتبات المدرسية، وزودت بيت الكويت بنسخة من كل كتاب يرسل إلى الكويت فتكونت مكتبة القسم الثقافي الحالية كما ساهمت البعثة المصرية في الكويت في إنشاء المختبر المدرسي في مدرسة المباركية واستوردت له كل أدواته من مصر. واستقدمت الكويت الفنان زكي طليمات لكي يضع الأسس للنشاط المسرحي في الكويت وكان ذلك سنة 1958.

الكويت والعدوان الثلاثي على مصر

ولقد اهتزت الكويت كلها لما أصاب مصر من عدوان ثلاثي سنة 1956، وشعر الكويتيون بأن هذا الاعتداء إنما هو اعتداء على بلادهم، فهبوا جميعا لمد يد العون والمساعدة، وصدرت جريدة (الكويت اليوم) بحجم صغير وفي صدر صفحاتها بيان تؤكد فيه مشاركة المواطنين في الكويت (عواطف الأخوة والوفاء لمصر، وهي تناضل عن كرامة العرب ببسالة هي مضرب المثل وشجاعة لم تعرف إلا عن الأحرار المجاهدين والأبطال الخالدين).

الكويت ومصر في مواجهة أطماع العراق

فور إعلان استقلال الكويت بادر الرئيس جمال عبدالناصر بإرسال برقية تهنئة بهذا الاستقلال أعرب فيها عن ابتهاج شعب الجمهورية العربية المتحدة بهذا الحدث التاريخي وتلاحقت برقيات التهاني من زعماء العالم العربي، ولكن برقية أخرى حملت في ظاهرها التهنئة وبين سطورها عبارات الخيانة والتهديد وتزييف الحقائق التاريخية تلك هي برقية عبدالكريم قاسم، وبعد خمسة أيام من اتفاقية الاستقلال بين الكويت وبريطانيا هاجم عبدالكريم قاسم هذه الاتفاقية وأعلن من جانب واحد ضم الكويت إلى العراق. وسارعت مصر إلى إصدار بيانها التاريخي القوي الذي نبذ التصرف العراقي، ودعا إلى تحكيم العقل في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها الأمة العربية، وأن الجمهورية العربية المتحدة لا تقبل منطق الضم، وكان لمصر كذلك موقف مشرف ضد اطماع صدام حسين-و حاول الرئيس مبارك إقناع الملك حسين بالذهاب إلى بغداد وإقناع صدام بالانسحاب وعودة الحكومة الشرعية، وذهب الملك حسين فعلا، ولكنه عاد قائلا: إنه اعتذر عن عدم بحث أي تفاصيل معه، وأنه وافق على حضور القمة، وأصدرت الخارجية المصرية بيانها الأول الذي تطالب فيه بانسحاب العراق من الكويت وعودة الشرعية.
- وفي مؤتمر القمة كانت مواقف مصر حاسمة وقد فوتت على الوفد العراقي محاولة تخريب القمة، وصدر البيان الختامي بإدانة الغزو العراقي للكويت والمطالبة بعودة الشرعية.
- وعلى المستوى الشعبي كان الجو الذي أحاط به الشعب المصري الكويتيين الموجودين منهم مفعما بالود والمحبة والترحاب وبعواطف جياشة من التأييد والنصرة في كل مكان يكون فيه الكويتيون؛ فسائق التاكسي يرفض أخذ أجرته من الكويتي، والاتصالات بالسفارة من جميع محافظات مصر من الإسكندرية إلى أسوان لا تنقطع تعرض كل أنواع المساعدة، وحضر عدد كبير من المصريين يعرضون شققا وعمارات لهم لإسكان الكويتيين دون مقابل، وكانت تصلنا في السفارة شحنات يومية من الفواكه بأنواعها، والوجبات المتنوعة، وتزاحم عدد هائل من المصريين على أبواب السفارة يريدون التطوع للقتال مع الجيش الكويتي لتحرير الكويت، ويعجز القلم واللسان عن وصف تلك المشاعر العظيمة التي لمسناها من جميع قطاعات الشعب المصري بكل فئاته.

حرب أكتوبر 1973.

بدأت جماهير الشعب الكويتي تتابع أخبار الإذاعة والتلفزيون عندما بدأت المعارك، وأعلنت الكويت تأييدها الكامل لمصر في حربها ضد العدوان الإسرائيلي، ومازال جيشها مرابطا في جبهة القتال المصرية يشارك إخوانه من الجيش المصري بلاءهم وصمودهم.
وبادرت اللجنة في جمع التبرعات وبلغت جملة التبرعات التي جمعتها هذه اللجنة نحو 35 مليون دولار مع سيارات إسعاف وقطع غيار للسيارات، كما أيدت الكويت قرار وزراء النفط العرب بقطع النفط عن الدول المؤيدة لإسرائيل كالولايات المتحدة وهولندا وتخفيض ضخ البترول إلى بقية الدول، كما تبرعت الكويت رسميا بمبلغ مائة مليون دينار كويتي مساهمة منها في دعم المجهود الحربي، وكان وزراء النفط العرب قد اجتمعوا في الكويت بناء على طلبها وأصدروا قرارهم التاريخي بوقف ضخ النفط مما جعل السيد محمود رياض الأمين العام لجامعة الدول العربية يثني على الكويت لموقفها هذا، وتم تأجيل الديون المستحقة على مصر والبالغة 25 مليون دينار لدورها البطولي من أجل تحرير الأراضي العربية، والتزم الشعب الكويتي بدفع مرتب شهر كامل إلى جميع العاملين في الدولة تبرعا للمجهود الحربي في مصر.
وامتزج الدم المصري والكويتي على ثرى مصر عندما تم قصف أحد الخنادق الخاصة بإحدى الوحدات المصرية وكان يشاركهم فيه بعض الضباط الكويتيين واستشهدوا فيه.

الآن - محرر المحليات

تعليقات

اكتب تعليقك