هل ينجح الهارون بالتنمية؟

محليات وبرلمان

يواجه بحرا متلاطما لقوى الاحتكار المتحالفة مع الحكومة، والفئات الشعبية الصاعدة

1129 مشاهدات 0


 بالأمس، أدى السيد عبدالوهاب الهارون القسم الدستوري أمام صاحب السمو الأمير –حفظه الله ورعاه- كوزير للتنمية. فهل ينجح الوزير الهارون بالتنمية دون أن يقع ضحية ضغوط المصالح والفساد الكبرى ؟
 السيد الهارون شخصية وطنية معروفة باستقامتها ونزاهتها وتواضعها، كما أن له خبرته البرلمانية والتجارية والمالية، فقد ترأس شركة النقل الكويتية عشرين عاما، ثم انتخب نائبا بمجلس الأمة عدة دورات ترأس خلالها اللجنة المالية أكثر من مرة. والسيد الهارون يعرف خبايا ومشاكل القطاع الخاص وعلاقته بالقطاع العام، ويعرف أيضا القوانين التجارية والمالية وكان أحد متابعيها ومشرعيها حتى وقت قريب، وبالتالي فإن كثيرون يعلقون آمالا كبيرة على توليه هذا المنصب، في وقت تشهد البلاد فوائض هائلة في مدخولاتها النفطية، وعجوزا محاسبية في الميزانية. كما تشهد البلاد حالات من الفساد لم تكن مسبوقة في تاريخها، ولعل تراجع موقع الكويت في مقياس الشفافية العالمية ومؤشرات الفساد لهو خير دليل على مدى استشراء هذه الظاهرة في المناقصات المليارية، وناقوس خطر لاستمرار الإيمان بدولة المؤسسات والقانون. فالبلد تشهد انحيازا حكوميا فاضحا لقوى الفساد والاحتكار، وتجاهلا حكوميا تاما لمحاسبة أي من الضالعين في الفساد، فلم تتم معاقبة أي مسئول كبير حتى الآن في أية قضية تتعلق بالفساد، ولم نسمع باتخاذ إجراءات محاسبة في حق أي مسئول كبير تسبب بخسارة الملايين من أموال الشعب في وزارته أو مؤسسته.
  وفي المقابل، يرقب آلاف الشباب الكويتي بكل حسرة المليارات تتطاير في وقت يصطف الآلاف منهم انتظارا لفرصة عمل بطوابير التوظيف الحكومية، لينضموا لجيوش من البطالة المقنعة في الوزارات والهيئات الحكومية، ولتبقى الوظائف المتميزة في المؤسسات الاستثمارية الكبرى، والمواقع الجاذبة في القطاع الخاص، حكرا على قوى الاحتكار ومن يدور في فلك الفساد بالبلاد، وحتى في الشركات التي تمتلك الحكومة نسبة فيها، نجد أن التوظيف في هذه الشركات ينحصر في فئات معينة، أو يتجه نحو العمالة الخارجية الأقل كلفة والأضعف مطالبة بحقوقها.
 إن السيد الهارون يدرك أن الملف الأهم للتحريك هو ملف 'خطة التنمية' وهو الملف الذي تم إقرار قانونه خلال أقل من ساعة وبإجماع نادر، وبالتالي فإن الجميع متفق على الخطة وقانونها، ولكن بقيت المعضلة الأكبر حول تمويل الخطة، فقوى الاحتكار تدفع بالتمويل عبر البنوك المحلية حصرا، وهي بنوك محتكرة من قبل قوى تريد ضخ الأموال فيها لتدور مرة أخرى عبر نفس شركاتها ومؤسساتها المحتكرة، ولا تلزم بتقدم الاعتمادات البنكية إلا لمن ترغب في تقديم الاعتمادات له: إن كان لنا مصلحة، أو كان لنا نصيب، أو كان لنا عمولة، أو كان لنا شراكة، وإلا فإن الاعتماد يتعثر ولن يرى النور إطلاقا.
 لم تكن الخطة معضلة، ولكن التمويل هو المشكلة، فالمطلوب هو ضخ المبلغ المرصود للخطة (تضاربت أرقامه بين 33 وبين 37 مليار دينار كويتي= حوالي 120 مليار دولار) في البنوك، وبالتالي العودة بالأمور إلى دورتها الاحتكارية: البنوك تستلم المليارات، فتقدم الاعتمادات للشركات التي تملكها مجالس الإدارات، فتتحول 'دهنّا في مكبّتنا'، ويبقى للبقية من الشعب الفتات من أموال التنمية.
 البنوك كانوا أحد أسباب المشكلة، وليسوا حلا لها، فهناك مصالح متضاربة، وهناك احتكارات كبرى، وهناك مشروعات مليارية، ومراكز قوى تتقاتل على 'الكيكة'، والمعركة حامية الوطيس 'فالهمجة عودة'، واللقمة أكبر من أن يتم ابتلاعها، والسماسرة يسنون سكاكينهم.
سيواجه الهارون جبهات ثلاث مختلفة:
قوى احتكارية تريد كل شيء لها وتعطي باقي الشعب الفتات، وحكومة متحالفة مع هذه القوى وستعرضه للضغوط لتلبية مطالبها وترفض الحكومة تغيير نهجها وتوجهاتها، وهناك غالبية شعبية وفئات شبابية طموحة ومتعلمة ترقب المشهد ولن تقبل أن تجلس على مقاعد المتفرجين ولا خط الاحتياط، فهم شركاء أساسيون في هذا البلد، وفي خطته التنموية.
فهل يستطيع الهارون التصدي لكل هؤلاء دون تغيير في النهج؟ لننتظر، ونرى!!

 

 

 

الآن-تحليل

تعليقات

اكتب تعليقك