ما الذي جرى يوم الأربعاء الماضي؟

محليات وبرلمان

اعتداء على الدستور ثم اعتداء على المواطنين أم اقتحام المجلس؟

4061 مشاهدات 0


رأينا


 ما الذي جرى يوم الابعاء الماضي؟ يمكن اختصار ما جرى بالتالي: آلاف من الكويتيين اعتصموا وحاولوا التظاهر سلميا احتجاجا على انتهاك ومصادرة الدستور، فتعرضت لهم قوى الشغب البوليسية مدججة بسلاح القمع التي تتسلح بها الشرطة في أي دولة قمعية متخلفة في العالم، وما جرى بعد ذلك فهو تفاصيل ونتيجة وليس سببا.
 الإعلام الرسمي والتابع له وإعلام الردح والقدح والسقوط اللغوي البذيء ونواب القبض والموالين للحكومة ومعهم كتلة العمل الوطني تركوا كل ما يحل بالبلد من تدهور وانهيار على كافة المستويات وتعلقوا بقشة 'اقتحام قاعة مجلس الأمة'، وهو تصرف يتكرر في كثير من الدول الديمقراطية، وتعبير احتجاجي صارخ عما جرى في ساحة الإرادة من القمع الغير مبرر للمعتصمين، وقد يختلف حوله المختلفون، فالمنصفون لا يبررونه، ولكنهم يتفهمونه كنتيجة وليس سبب فيما جرى ويجري في الكويت اليوم.

 البدايات:

 استنفرت الحكومة كافة أجهزتها الأمنية وفرقها العسكرية التي يفترض أنها أعدت لضبط اللصوص والمخربين، وزجت بأعداد هائلة من قوات الأمن والقوات الخاصة ملثمين ومدججين بالسلاح، وحوّطت الساحة بالموانع والحواجز الحديدية وفرضت طوقا أمنيا على ساحة الإرادة ومنعت أعدادا غفيرة من المشاركين، ودست عناصر أمنية بملابس مدنية، وبيتت النية على تخريب الاعتصام وافتعال المشاكل وحرمان الناس من حقهم الدستوري في الاعتصام والتظاهر.
 
الصدام:

استمر الاستفزاز إلى أن تعمدت الشرطة الاعتداء على المعتصمين، وسقط من سقط بينهم جرحى ومصابين، ومنعوا المعتصمين أو من يريد الالتحاق بهم من التحرك إلى الساحة أو خارجها، ودفع ذلك الحضور إلى بيتهم الوطني-بيت الشعب- للالتجاء إليه، في رمزية شعبية واضحة توصل رسالة لصاحب القرار أن لا ملاذ لنا سوى الدستور ومؤسساته الدستورية، وعبر المقتحمون عن سخطهم على أداء مجلسهم الذي تم تحويل ثلثه للنيابة بتهم التحويلات المليونية، وخرجوا مثلما دخلوا، فثار إعلام الحكومة ومؤسساتها التابعة لها، وراحوا يتباكون على المؤسسة البرلمانية التي حطموها ونزعوا عنها هيبتها الدستورية. فحاولوا التركيز على حدث الدخول للبرلمان متناسين ومتغافلين عمدا عن الحدث الجلل الأكبر، وهو تعرض كويتيين لضرب واعتداء غير مبرر على يد القوات الأمنية الكويتية بعد أن تعرض دستورهم للاختطاف والتنقيح.

لماذا؟

 تسير البلاد نحو الانهيار في كافة خدماتها ومؤسساتها، وينشغل البلد بمعارك تفتعلها الحكومة، وتخوضها بالتعاون مع مرتزقتها من الإعلام الفاسد، فهاجمت المتواجدين بديوانية الحربش العام الماضي، وضربت وسحلت الدكتور عبيد الوسمي، ورفعت القضايا على النائب الطبطبائي وعلى الدكتور الوسمي وتجاهلت قضاياهم التي رفعوها والنواب جمعان الحربش وعبدالرحمن العنجري وفلاح الصواغ. وكانت قد اعتقلت وسجنت المحامي والكاتب محمد عبدالقادر الجاسم والنواب ضيف الله بورميه وخالد الطاحوس، والناشط السياسي خالد الفضالة، و'كروتت' الاعتداء الآثم على الكاتب والناشط السياسي زايد الزيد، ورفضت متابعة حتى الرسائل النصية التي انطلقت بعد الاعتداء عليه بدقائق تنشر فيها سير التحقيق وتلفق التهم للضحية، وأخيرا حفظت التحقيق بحجة أن زايد الزيد ضرب نفسه بباب سيارته بحثا عن الشهرة!!

(رابط: http://www.alaan.cc/pagedetails.asp?nid=84368&cid=47 )

وحبست الحكومة المغردين ناصر أبل وطارق المطيري وحمد العليان دون وجود قانون للانترنت يجرم إساءة استخدامه.
 وأطلقت العنان لكل 'الساقطين والساقطات، والمنحلّين والمنحلاّت' للنيل من سمعة معارضيها والتعرض لأصلهم وفصلهم بل وحتى ولائهم، وراحت تلفق التهم لكل من يعارضها، وتنتهج نهج ملاحقة سياسية لمخالفيها لا ينتهجه سوى الدول القمعية.
 وحاربت الحكومة الإعلام المستقل- وهو قليل يعد على الأصابع في زمن 'التضبيط'- وضخت الأموال ووهبت الأراضي للصحف الجديدة دون استثناء وهي التي تعهدت بعدم مطالبتها بأية امتيازات للحصول على تراخيصها، فجاءت افتتاحيات وتقارير معظمها عن الاربعاء الأسود مطابقة تماما لروايات الحكومة الرسمية، بعد أن تمت 'رشوتها' جميعا كما جاء بقلم أحد مؤيدي الحكومة

(رابط: http://www.alaan.cc/pagedetails.asp?cid=43&nid=84849 )

 الجريمة والسقوط:

 لكن أخطر ما قامت به الحكومة وأعوانها، هو تعطيل الدستور يوم الثلاثاء الماضي، حيث تم سحب أهم أداة رقابية دستورية: الاستجواب!! فقد قامت الحكومة وأعوانها بالتصويت على مسألة لا تصويت عليها من حيث المبدأ لأنها مقرة بالدستور، وحجتها الواهية كانت: 'هذه هي الديمقراطية، وهذا حكم الأغلبية'، متجاهلة مبدأ لا يختلف عليه من يعرفون مباديء الدستور بأنه لا يصوت على مخالفة دستورية، ولا تتم مناقشة خرق مادة دستورية واضحة بحق الاستجواب للنائب، فلو طبق مبدأ الغالبية ضد المباديء الدستورية، لأفرغ الدستور من محتواه، وهو ما تم، فقد صوتت الحكومة وأعوانها بجلسة سرية في محاولة يائسة لإزالة الحرج عمن بقي لديه حياء شعبي في وجهه من مؤيديها.
 إن ما جرى يوم الثلاثاء الماضي، هو أخطر حدث في الحياة الدستورية الديمقراطية الكويتية، وهو الضربة القاضية التي أجهزت على الدستور الكويتي في ذكرى صدوره، فما قيمة الديمقراطية دون دستور؟ وما قيمة الدستور دون رقابة على مسئولي الدولة ومحاسبتهم؟ وما قيمةالدستور و القوانين بلا تطبيق بعدالة وسواسية؟
 إن مؤيدي الحكومة –المعلنين والمتسترين بالعقلانية والوسطية- قد ساهموا مساهمة واضحة وجلية في إجهاض الدستور، وفي إفراغه من أهم أدواته، وهو ما سوف تستخدمه الحكومة مستقبلا كذريعة وسابقة عند مواجهتها لأي استجواب لا ترغب فيه، ثم راحوا يحرفون الاعتراض على هذا التعدي الصارخ على الدستور، بمسألة اقتحام البرلمان الذي اقتحمه أهله للتعبير عن سخطهم من اختطافه ومصادرته على أيدي الحكومة وأعوانها.

 القادم:

 إن ما يجري في الكويت اليوم جد خطير، فقد تجاوزت الحكومة كافة الخطوط الحمراء، وانتهكت مباديء دستورية واضحة، وضربت معارضيها ولاحقتهم واعتقلتهم وسجنتهم، وجيشت المرتزقة والإعلام الفاسد لمحاربة كل من يعارضها، وتحالفت مع قوى نفعية وطائفية وقبلية، ترى مصالحها التجارية ومناقصاتها وعمولاتها و'تحويلاتها'، أهم من الكويت ودستورها واستقرارها وأمنها، ولا تتردد بقلب الحقائق لصالح الحكومة من أجل مصالحها.
 لكن الوقوف في وجه الحق مصيره للفشل، والوقوف في مواجهة الشعب نتيجته خطيرة على الجميع، فالاحتجاجات الشعبية سوف تتصاعد، والتجمعات المعارضة لانتهاك الدستور لن تتوقف، والأعداد سوف تتزايد، والحقائق سوف تظهر والحق سوف يحصحص.، في وقت طال الفساد فيه جميع مؤسسات الدولة و لم يستثن حتى مجلس الأمة وأدواته الرقابية، وهو ما لم يحدث بتاريخ الكويت السياسي.
إن التاريخ الماضي والحاضر الذي نعايشه اليوم، يظهر لنا بوضوح أن الوقوف في وجه الشعب ومطالبه بالحرية والديمقراطية، مصيره الفشل والهزيمة، والكويت التي عاشت عقودا في ظل دستور 1962، لن يقبل شعبها بانتهاكه والتعدي الصارخ عليه، وعلى العقلاء جميعا أن يدركوا أن الحكم الديمقراطي في الكويت هو حصنها من القلاقل والفتن، وأن انتهاك الدستور واللجوء للخيار الأمني كخيار اوحد هو انتهاك للنظام العام، ولن يحل مشاكلنا المزمنة، وهو ما نشهد فشله في الدول التي شهدت وتشهد الربيع العربي، وبالتالي فهو دعوة 'غبية' للفوضى والدمار.
 إن مطالب الشباب سوف يرتفع سقفها، وشعار الحكومة الشعبية سيكون مطلبا لا مفر منه في القادم القريب، واحترام الدستور ومبادئه سوف تترسخ، وعلى المشككين أن يراجعوا قدراتهم الذهنية، وأن يستمعوا لصوت الشعب، لا لأصوات المطبلين وأصحاب المصالح والعمولات والمناقصات.
ألا هل بلغنا، اللهم فاشهد

 

رأينا

رأينا الآن

تعليقات

اكتب تعليقك