التهدئة تثبيت لنهج الفساد

زاوية الكتاب

الجاسم: ما الضمان لوقف الفساد والحكومة بنفس وزير داخليتها الذي أشرف على ضرب النواب والشباب سيشرف على الانتخابات؟

كتب 2381 مشاهدات 0

المحمد والمبارك

قانون 'طاح الحطب'!

محمد الجاسم
 
'... إلى أن جاء يوم السبت الموافق 20 يناير 1990 وألقى سمو الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح خطابا دعى فيه إلى الحوار، فاستجاب تكتل أعضاء مجلس 1985 لهذه الدعوة، وأجل أقامة التجمعات لتمهيد الجو الهادئ ... لكن التحرك الشعبي الاعتراضي عاد إلى الظهور وبزخم أقوى حين خرجت السلطة على مسار الحوار ونتائجه، وأنشأت ما يسمى بالمجلس الوطني معلنة بذلك عن نيتها إيجاد بديل غير دستوري لمجلس الأمة..'.
(منقول، مع الاختصار، من كتاب 'وقائع ووثائق دواوين الأثنين 1986ـــــ 1990'، يوسف مبارك المباركي، 2008)

استقالة ناصر المحمد من رئاسة الوزارة لم تكن 'تفضلا ولا تكرما' منه على الشعب، كما لم تكن مبادرة ذاتية طوعية، لكنها جاءت نتيجة إلحاح وغضب شعبي بلغ مراحل غير مسبوقة.. كما أن المطالب الشعبية المنادية برحيل ناصر المحمد لم تظهر نتيجة 'خلافات شخصية' حول قضايا 'عائلية' بينه وبين من طالب برحيله، بل كانت نتيجة إخفاقه في إدارة شؤون الدولة. ولأن منهج ناصر المحمد هو من إنتاج الفكر السائد لدى السلطة، فإن الإخفاق في إدارة شؤون الدولة سوف يستمر ما لم يتغير فكر السلطة ومنهجها، وما لم يتوقف انتاجها لنسخ مكررة من ناصر. ومن هنا فإنني، كمواطن شارك في الاجتماعات العامة الاحتجاجية المطالبة برحيل ناصر المحمد، أرى أن مهمتنا لم تنجز بعد، وأن رحيل ناصر المحمد هو مجرد خطوة تمهيدية لتحقيق هدف أسمى بكثير وأشمل من تغيير شخص ناصر ويتعداه إلى تغيير الفكر والنهج الذي أنتجه. ومن هنا فإنني أرى أن اكتفاء 'المعارضة' بتغيير شخص ناصر المحمد وحل مجلس الأمة في المرحلة الراهنة والانشغال في الانتخابات، يضعنا على مقربة من إضاعة كل الجهد الشعبي الذي بذل.. أرى أن 'المعارضة' على أعتاب ارتكاب الخطأ ذاته الذي ارتكبته في العام 1990 حين اندفعت إلى 'الهدوء والحوار' مع السلطة بعد احتجاجات 'دواوين الأثنين'، فهدوء 'المعارضة' وحوارها مع السلطة آنذاك مكّن السلطة من تثبيت منهجها المخالف للدستور فتم إنشاء 'المجلس الوطني' بعد أن نجحت في 'تليين' موقف 'المعارضة' وتشتيت جمعها. واليوم أرى أن 'المعارضة' بدأت تظهر قدرا كبيرا من 'الليونة والمرونة' نحو السلطة، وهو الأمر الذي أخشى أن يقود إلى تثبيت منهج ناصر المحمد برئاسة جابر المبارك، أو حتى عودة ناصر نفسه إلى رئاسة الحكومة مجددا بعد أن تنجح السلطة في 'إرخاء' المعارضة وتفكيك حالة التضامن الشعبي وتسيير الانتخابات كما تشاء.

وحتى لا يتبادر إلى ذهن القارئ أنني من دعاة استمرار الاحتجاجات والاجتماعات العامة، أو من أنصار التوتر السياسي، فإنني أقول أن عودة الهدوء السياسي أمر مستحق، وكذلك الدخول في حوار مع السلطة مستحق أيضا، وكذلك التجاوب مع تمنيات رئيس الدولة، إلا أن هناك منطق سياسي يجب أن نحتكم إليه في حركتنا السياسية، وواقع ساري نقوّم الأمور على أساسه، ولا مجال إطلاقا لإقحام منطق 'العادات والتقاليد' والعلاقات الاجتماعية. فحين خرجنا إلى الشارع، كان يحكمنا 'منطق سياسي' خالفنا فيه منطق 'العادات والتقاليد'.. كنا 'شعب' يحتج على تصرفات 'سلطة'، فما الذي تغير اليوم كي نحتكم فجأة إلى 'منطق العائلة' و'سياسة الهون أبرك ما يكون' وقانون طاح الحطب'!

إن رئيس مجلس الوزراء الجديد لم يكلف نفسع عناء تشكيل حكومة جديدة، وهو لا ينوي ذلك، والحكومة القائمة اليوم هي الحكومة ذاتها التي طالبنا برحيلها.. وهي الحكومة التي سوف تشرف على الانتخابات.. وهي الحكومة التي خالفت الدستور في إجراءات حل مجلس الأمة.. أليس وزير الداخلية اليوم هو ذاته الذي أشرف على ضرب النواب والشباب الشهر الماضي؟ لا أظن أنني في حاجة للاسترسال.. إنني أتفهم أن 'اللعبة البرلمانية' تتطلب 'التكتيك' والمهادنة أحيانا، لكن حين ينطلق العمل السياسي الشعبي فإنه يجب ألا يتوقف إلا بعد تحقيق المطالب. قد أكون نسيت.. ألم يكن مطلبنا تغيير نهج إدارة الدولة؟ هل تغير النهج؟ أو على الأقل، هل حصلت 'المعارضة' على ضمانات بتغيير النهج القائم؟!

لست منجما.. لكنني أقرأ التاريخ وأفهم الواقع وأربط بينهما، لذلك فإنني أرى ناصر المحمد يرأس الحكومة القادمة إما 'بطبعته الثامنة'، أو بنسخة 'طبق الأصل'، أو نسخة 'مقلدة' منه ما دامت 'المعارضة' تهم اليوم ببلع الطعم!

التاريخ لا يعيد نفسه كما يزعمون.. لكنه الإنسان حين يعيد ارتكاب الخطأ ذاته ينسبه إلى التاريخ!

ميزان - مقال اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك