هل تعديل المادة الثانية مقبول دستورياً وإجتماعياً؟

زاوية الكتاب

كتب 7422 مشاهدات 0


المادة الثانية من دستور دولة الكويت تنص على الآتي : 'دين الدولة الإسلام , والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع'. والتعديل المقترح هو مجرد إضافة ' الـ ' لكلمتي مصدر رئيسي , فتكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع ولا يكون هناك أي مصدر آخر غيرها ولا يؤخذ بأي نص تشريعي يناقض أحكامها.

وللنظر في دستورية تعديل المادة الثانية من عدمها يستوجب علينا معرفة موضوعية الدستور في شأن طبيعة نظام الدولة ونوع النظام الدستوري , حيث أن شكل الدولة (دولة الكويت) يعتبر من ضمن الدول 'البسيطة الموحدة' التي لها دستور واحد ترتكز عليه سلطات عامة واحدة مستقلة , بحيث توجد سلطة قضائية واحدة وسلطة تشريعية واحدة وسلطة تنفيذية واحدة , كل سلطة لها استقلاليتها وفقاً لمبدأ الفصل بين السلطات مع تعاونها , ولا يجوز نزول أي سلطة عن اختصاصاتها كلياً أو جزئياً و جميع تلك السلطات العامة تصب في قالب الدستور وترتكز عليه. لذلك فإن أشكال تلك الدول تكون طبيعة دساتيرها جامدة جمود نسبي حيث يسمو الدستور على باقي قواعد القانون , و نسبي لأنه يقبل التعديل بإجراءات خاصة أصعب من تلك المتطلبة لتعديل القانون.

لذلك فإن قاعدة  ' لا يجوز المساس بالدستور '  تعتبر ثابتة عند البعض ولكن في الحقيقة هي غير منطقية وغير قانونية للاعتبارات التالية:

- الجمود الزمني : لا يمكن تعديل الدستور قبل مضي مدة زمنية معينة من تاريخ إصدارة , مما يعني أن هناك فترة زمنية للتعديل ومثال لذلك دستور دولة الكويت عندما تم إصدارة عام 1962م فإن التعديل عليه كان بعد مضي خمس سنوات.

- الجمود الموضوعي : الدستور الكويتي حدد بعض الموضوعات التي لا يجوز التعديل عليها ومثال لذلك قانون الإمارة , ما عدا ذلك فإن باقي الموضوعات يجوز تعديلها.

و كلاً من الجمود الزمني والموضوعي يعتبران من مظاهر الجمود النسبي , وهذا تحديداً هو نوع دستور دولة الكويت. و أيضاً من ناحية أخرى , فمن غير المنطقي أن يكون دستور الدولة جامداً لا يتغير مع مرور الزمان و تغير الظروف و تبدل الأحوال , لذلك فإنه من الواجب تعديل الدستور متى ما كانت هناك حاجة ضرورية مشروعة وفقاً للأطر الدستورية المقررة لتعديله والمحددة في المادة (174) من الدستور , لطالما أن التعديل لا يتعارض مع المادة (175) ولا يخالف مبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في الدستور. والشريعة كما نعلم فهي تكرس هذه المبادئ ولا تخالفها , بل نادت الشريعة الإسلامية بالحرية والعدل والمساواة قبل أن تنادي الديمقراطية الحديثة بهذه المبادئ. بالإضافة إلى أن المذكرة التفسيرية للدستور جاءت صريحة باعتبار أن المشرع الدستوري حمَل المشرع العادي أمانة الأخذ بأحكام الشريعة وما وسعه ذلك سبيلا , لذلك فإن تعديل المادة الثانية لا يتعارض إطلاقاً مع المادة (175) من الدستور. فالحقوق والحريات التي أشار إليها دستور دولة الكويت هي نفسها التي كفلتها الشريعة الإسلامية وهي كالتالي : حق الأمان ( مادة 30 ) , حق المساواة ( مادة 29 ) , حق التعليم ( مادة 13 , 14 , 40 ) , حق العمل ( مادة 16 , 22 , 41 , 42 ) , حق الملكية ( مادة 16 , 18 , 19 , 20 ) , حق التقاضي ( مادة 45 , 115 , 166 , 173 ) , الحقوق السياسية , والحريات العامة ( مادة 30 ). وبالتالي لا مانع من الأخذ بالأحكام الشرعية التي تتوافق مع الجميع وأخذ من الديمقراطية ما لا يتعارض مع الإسلام و إحترام خصوصية الأفراد لطالما أن هذا التعديل لا يخالف الدستور و لا يعارض المذكرة التفسيرية.

في تصوري لو تم تعديل المادة الثانية كما ذهبت إليها المحكمة الدستورية العليا في مصر (قضية 2004/119) , فإن الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية سيكون مرضي لجميع مذاهب وطوائف المسلمين ولن يكون هناك خوف كما يعتقده البعض , وهذا ما سيتم توضيحه كالتالي :

بدايةً يجب الأخذ بعين الاعتبار أنه إذا تم تعديل المادة الثانية من الدستور فإنه سيصبح لزاماً تعديل جميع القوانين التي تناقض أحكام الشريعة الإسلامية في ثبوتها و دلالتها حتى لا تقع في شبهة عدم الدستورية , لذا فإن أصبحت مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع فلا يجوز لأي نص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية ومثل تلك الأحكام لا يجوز الاجتهاد فيها نظراً لأنها قطعية في ثبوتها ودلالتها , وبالتالي لا تتغير بتغير الزمان والمكان لأنها تمثل مبادئ الشريعة الإسلامية التي لا تحتمل التبديل أو التأويل , وهنا يأتي دور المحكمة الدستورية في الأخذ بالأحكام الشرعية وتغليبها على كل قاعدة قانونية تخالفها. من ناحية أخرى إذا كانت هناك أحكام شرعية ظنية غير مقطوع بثبوتها أو دلالتها فإنه يؤخذ بالاجتهاد بما لا يتجاوز أصول الشريعة مع الالتزام بضوابط ومناهج الاستدلال. (قضية رقم 119 لسنة 2004 – المحكمة الدستورية العليا).

وبالتالي فإن المادة الثانية ستتناول فقط ما هو قطعي في ثبوته ودلالته ولن تأخذ بالجزئيات الظنية أو المختلف عليها , وبناء على ذلك فلا داعي للخوف لأن الأحكام القطعية في ثبوتها ودلالتها أقل بكثير مقارنةً بالأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو تلك التي هي محل اختلاف في مذاهب وطوائف المسلمين. وهذا ما ذهبت إليه المحكمة الدستورية العليا في مصر , ذلك لو تم تعديل المادة الثانية قياساً بالدستور المصري من الناحية الموضوعية وليس الواقع العملي.

كتب- المحامي: فهد بدر الفهيد

تعليقات

اكتب تعليقك