القوة الجوية الكويتية في ذكرى عاصفة الصحراء

محليات وبرلمان

17 يناير 1990 كانت الانطلاقة بصقور كويتية شاركت مع طلائع العاصفة

8256 مشاهدات 0


 

 

في أزمنة الضعف والحيرة والفتن التي أحدثتها الضربات التي تتلقاها غزة ، يتوجب علينا أن نولي وجوهنا شطر ماضينا لاستنهاض الهمم وقطع الطريق على اليأس المخيم على النفوس، وكعرب من أهل هذه البقعة الطاهرة نتذكر أننا قد أمسينا ذات ليلة كدولة حرة مستقلة تنعم بالأمن والرفاهية، ولم تشرق شمس صباح اليوم التالي إلا وقد تم إلغاؤها كدولة مستقلة من قبل طاغية لا يعرف إلا الاستحواذ والبطش .
 وفي مثل هذا اليوم من عام 1991م بدأت حرب تحرير الكويت في مرحلتها الأولى والتي سميت الحرب الجوية ، ولم تنتهي إلا ونحن كما كنا منذ عام 1613م عندما قامت الكويت حرة وآمنة ، ولم يكن أبناءها بمعزل عن صنع تاريخها ، بل كانوا دائما رأس الحربة التي تعيد الحق الى نصابه ، ومن ذلك صقور القوة الجوية الكويتية الذين نعيد جزء من أمجادهم لعلنا نستلهم منها ما ينير لنا الطريق .

أوضاع القوة الجوية الكويتية
 
    امتثالاً لقول الله تعالى (ياأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) خاضت القوة الجوية الكويتية في الثاني من أغسطس 1990م  خمس معارك جوية متزامنة و مختلفة  هي المعركة الجوية لقاعدة علي السالم الجوية ، والمعركة الجوية الأرضية لقاعدة أحمد الجابر الجوية، ومعارك  لواء الدفاع الجوي من مواقعه المختلفة عبر الكويت كلها ، ومعركة الدفاع عن قاعدة المطار الدولي ، والمعركة الجوية البرية  في جزيرة فيلكا . وبعد إسقاط 50 طائرة عراقية جاء قرار فك التماس القسري مع العدو، وامتثالا للقسم  العسكر الكويتي الذي من ضمنه أن لا يترك  الجندي سلاحه للعدو قط حتى وإن ذاق الموت دونه. ونتيجة لنفاذ الوقود واستحالة العودة للمدارج الجوية التي دمرها العدو هبطت 10 طائرات هليكوبتر من نوع بيوما  puma وسوبر بيوما Super Puma helicopter  و15 طائرة  غزال  Gazelle Helicopter  في منطقة الخفجي على أمل التزود بالوقود وشن هجوم على جحافل العدو مرة أخرى . لكن الأمر نفسه لم يتهيأ للطائرات النفاذة لعدم وجود مدارج هبوط في  مدينة الخفجي القريبة من الكويت ، وعليه استطاعت 23 طائرة سكاي هوك A-4 SkyhawK  و15 طائرة ميراج  Dassault Mirage F1    من  الوصول بما بقي لديها من وقود لقاعدة الظهران الجوية في المملكة العربية السعودية الشقيقة ،بينما هبطت 3 طائرات  هيركوليز سي C-130  Hercules   و6 طائرات تدريب من نوع هوك Hawk  و طائرة دي سي DC9  McDonald Douglas   في البحرين الشقيقة .

لم يكن هناك ما يخفف من تلهف صقور الجو الكويتيون للعودة واستعادة وطنهم  إلا الانشغال  في الاستعداد والتدريب ، حيث توزعت الطائرات خلال شهري أغسطس وسبتمبر في قاعدة الملك عبد العزيز في الظهران وقاعدة الملك فهد في الطائف ، والقاعدة البحرية في الجبيل . وقد تطلبت عملية ترتيب الأوضاع الاتصال بالفرنسيين والأميركيين لتوريد قطع الغيار والذخائر للطائرات ، وبجهد ضخم لايمكن  لمنصف أن يتجاوزه  دون الإشادة به استطاع رجال رجال القوة الجوية جعل طائرات سكاي هوك A-4 SkyhawK قادرة على التحليق اعتبارا من 19 سبتمبر 1990م بعد اكتمال الإعداد الفني للطائرات والقتالي للطيارين .

  في نهاية سبتمبر 1990م خيم حزن ثقيل على رجال القوة الجوية الكويتية فقد صدر قرار كان بمثابة الصدمة لهم وهو نقلهم من الجبهة ومن المطارات السعودية القريبة من الكويت إلى مطارات في أطراف أخرى من الجزيرة العربية في  خميس مشيط  والطائف والبحرين والإمارات. لقد كان هناك خوف من أن يفلت غضب صقور الجو الكويتيين من عقاله فينطلقون على القوات العراقية ويهاجمونها بالطائرات قبل أن يتم تكامل وصول قوات التحالف ، كما كان هناك تخوف مشروع  لدى الحلفاء تمثل في تشابه الطائرات الكويتية مع الطائرات العراقية خصوصا الميراج والغزال .أما الطيارون فقد أرسلوا للتدريب في قطر والإمارات بالإضافة إلى أماكن أخرى من السعودية . ثم زالت الغمة بعد رجوع طائرات سكاي هوك A-4 SkyhawK إلى الظهران في 14 أكتوبر 1990م  حيث جرى تقسيم الوحدات المقاتلة إلى مفارز بعد ان تقرر ذلك في اجتماع عسكري كويتي في فندق الخليج بالدمام  برئاسة المغفور له الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله الصباح ، و سمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الصباح ، حيث كان وزيرا للدفاع . وقد كان قائد القوة الجوية هو العقيد محمد الرزوقي  حتى خروج أمر القوة المرحوم العميد داوود الغانم من الكويت المحتلة .
وقد قامت مفرزة طائرات سكاي هوك A-4 SkyhawK بالتمرين مع القوات الجوية الملكية السعودية ،والبحرية الأميركية وسلاح الجو الأميركي ، كما شاركت طائرات الهيلوكبتر الكويتية  في عملية درع الصحراء DESERT SHIELD باسناد اللواء البريطاني جرذان الصحراء DESERT RATES وقامت بنقل الألوية المقاتلة للمنطق الحدودية  وحمت مناطق الرماية وشاركت المارينز في دوريات على الحدود بالإضافة الى عمليات الاخلاء الطبي والبحث والانقاذ . ولأن طائرات الميراج الكويتية هي نفس الطائرات العراقية من نوع Mirage F1   فقد تمت الاستعانة بمفرزة الميراج لتمثيل دور العدو في لعبة حرب ضد الطائرات الأمريكية من نوع  بي  B-52   Boeing القاذفة الضخمة ، وضد القاذفات بعيدة المدى من نوع  General Dynamics F111.

        وفي27  نوفمبر 1990م أعيد تشكيل المفارز ليصبح سلاح طيران الكويت الحرة Free Kuwait Air Force على الشكل التالي:
1. مفرزة  رقم 12  طائرات سكاي هوك A-4 SkyhawK ويقودها العقيد الركن طيار يوسف الضويان ، و مقرها في قاعدة الملك عبد العزيز  الجوية في  الظهران .
2. مفرزة رقم 20  طائرات البيوما والسوبر بيوما والغزال في قاعدة الملك عبد العزيز البحرية في الجبيل وعليها المرحوم العقيد ناصر جحيل.
3. مفرزة  رقم 8  طائرات الميراج بقيادة العقيد ابراهيم الكندري  في قاعدة الملك فهد الجوية في  الطائف  .
4. مفرزة رقم  30 طائرات النقل ويقودها العقيد علي الحجي .
5. مفرزة رقم 25 طائرات الهوك التدريبية بقيادة المقدم بدر العيسى  في الإمارات العربية المتحدة.
6. مفرزة  رقم 40 طائرات دي سي 9 بقيادة العقيد سعود الهزاع   في الرياض.
7. مفرزة التعاون مع المارينز بقيادة العقيد فهد القحطاني في الجبيل ويعاونه المقدم محمود بوشهري  والمقدم عبد الرحمن الزايد والنقيب ظافر العجمي .
كما تم في نفس الوقت  طلب تزويد طائرات الغزال Gazelle الكويتية بصوراريخ من نوع هوت HOT بلغ عددها 350 صاروخا من قبل الفرنسيين ،  ومن الاميركان صواريخ ماجيك   Magic وقنابل بلوغا Bloga، وقد  تم طلب تزويد طائرات سكاي هوك A-4 SkyhawK بصواريخ سايد وايندر SideWinder والقنابل العنقودية وذات الأغراض المتعددة GB .

' أين هم ؟ '

في يوم الخميس 29 من نوفمبر  1990م أصدر مجلس الأمن  الدولي قراره رقم 678، الذي حذّر فيه العراق بأنه إذا لم ينسحب من الكويت، قبل 15 يناير 1991م  فإن كل الوسائل اللازمة سوف تستخدم لإعادة السلم والأمن الدوليين إلى نصابهما في المنطقة. ويقول أحد شهود ذلك اليوم من جنرالات صدام، إن الطاغية كان في يوم 15 يناير في مسرح عمليات الكويت ، وكان بمعنويات عالية ، وعند الساعة 18:00 نظر الى ساعته وهو يتفقد بعض الدفاعات العراقية الساحلية ،ثم رفع رأسه مبتسما وقال كلمة واحدة 'أين هم ؟'
ثم زار إحدى قيادات الحرس الجمهوري ووجه سؤاله إلى الفريق الركن أياد الراوي قائد الحرس الجمهوري عن نسبة توقعه للهجوم الذي انتهت مدة إنذاره اليوم فأجابه بأن الهجوم المعادي يقع باحتمالية لا تزيد عن واحد بالألف  . وفي السياق نفسه  يقول وزير الخارجية السوفيتي  السابق بريماكوف  Yevgeny Primakov في مذكراته عن حرب الخليج 1991 م  أن صدام قد أعتقد ان لديه الوقت دائماً للمناورة، واعتقد أيضا إن أفضل وقت للتفاوض حول هذه الأزمة هو حينما لا يكون هناك وقت أي في 15 يناير 1991 م وما بعد ذلك التاريخ .  لكن 24 طائرة من نوع الشبح  المقاتلة  Stealth Fighter   F-117A   كانت أسرع في مناورتها من صدام.  ففي الساعة 3:35 من صباح يوم الخميس 17 من يناير 1991م، بتوقيت الكويت ، انطلقت الشرارة الأولى لمعركة تحرير الكويت، تحت الاسم الرمزي  عاصفة الصحراء  Desert Storm  حيث أغارت الشبح وفي أثرها 400 طائرة أخرى لتحقق السيادة الجوية على مسرح العمليات. وتركزت الهجمات الجوية في تدمير الأهداف الإستراتيجية في العمق العراقي، وضد تشكيلات الحرس الجمهوري، والدفاعات الجوية العراقية. كما نجحت في تحييد فاعلية مراكز القيادة والسيطرة العراقية.

عاصفة الصحراء  Desert Storm

اختلفت المدارس الفكرية للعلم العسكري على  مبادئ الحرب و هي  الاقتصاد في الجهد و تركيز القوة و الدفاع و الهجوم و التفوق العددي و المفاجأة و الإدارة. ورغم الفرق بين الدول في عدد المبادئ إلا أن مبدأ واحد تم الاتفاق عليه من قبل الجميع وهو المفاجأة . وفي هذا السياق يقول العقيد محمود الرزوقي الذي شغل منصب آمر القوة ثم نائب للأمر طوال الحرب إن سرية بدء الحملة الجوية كانت صارمة حيث تم إتباع إبلاغ المعنيين فقط Need To Know Bases  وأنه عرف بقرب قيام الحرب من خلال المؤشرات فقط ومنها زيادة رحلات الصهاريج الجوية  من الرياض واستدعاء العقيد طيار يوسف الضويان في 16 يناير لمركز العمليات الرئيسي للقوة الجوية في الظهران ، أما نائب رئيس الأركان في حينه اللواء علي المؤمن فكان في مصعد في احد الفنادق في الطائف قبل الحرب بيوم عندما التفت إليه جنرال أمريكي يعرفه وقال له على إنفراد كمن يبشره بخبر مفرح هل أنت جاهز ليوم الخميس ؟ كما يقول رئيس مكتب الارتباط الكويتي في الرياض العقيد رياض الصالح  انه تم الاتصال به في ليلة 17 يناير وطلبوا منه بإلحاح شديد إخراج طائرة كويتية من طراز دي سي 9 من المجال الجوي السعودي ، ولم يكن يعني ذلك إلا إفساح ممر جوي لمقاتلات التحالف لتنفيذ الضربة الجوية الأولى .

في الثامنة من مساء يوم 16 يناير 1991م تم استدعاء العقيد يوسف ضويان آمر المفرزة  12 إلى مركز عمليات التحالف في قاعدة الملك عبد العزيز الجوية في الظهران ،وقد عاد إلى أسراب سكاي هوك A-4SkyhawK الكويتية  تكاد تفضحه أساريره المتهللة ، لكن أعظم مبادئ الحرب وهي المفاجأة لا تتم إلا بالسرية القصوى ولم يكن أمامه إلا تمالك نفسه حتى منتصف الليل ،وفي الثانية فجرا هرع شباب الكويت من الفنيين لتذخير الطائرات بالقنابل ، بينما بدأ الطيارون في تلقي إيجاز المهام العملياتية وتحديد الأهداف المراد قصفها ، وأخذت مجموعة أخرى تسجد شكرا لله،وطغت أصوات الله اكبر على أزيز المحركات.

شاركت الطائرات الكويتية من نوع سكاي هوك A-4 SkyhawK في الضربة الافتتاحية للحرب الجوية التي استمرت 39 يوما ،ففي 8:15  و بقيادة العقيد يوسف الضويان أقلع تشكيل من ست طائرات متجه الى مسرح عمليات الكويت KTO وأغار التشكيل على موقع لصواريخ أرض أرض  معادية من نوع فروغ7 شمال موقع اللواء 35 ودمرها عائدا في الساعة 9:45. وكان يقود التشكيل  . وفي 8:195 اقلع تشكيل من ست طائرات أخرى متجه إلى مسرح عمليات الكويت KTO وكان هدفه موقع لصواريخ أرض أرض  من نوع فروغ7  أيضا جنوب قاعدة علي السالم الجوية حيث نجح في تدميرها والعودة سالما في الساعة 9:47.

أما الموجة الثالثة من هجمات الطائرات الكويتية في اليوم الأول فقد أقلعت في مجموعتين مكونة من 8 طائرات  في الساعة 14:24 ظهرا وفي 16:05 عصرا وكانت مهمتها تقتضي مهاجمة أهداف عراقية في منطقة الصبيحية،وقد عادت الطائرات سالمة إلا الطائرة رقم 828 بقيادة المقدم محمد مبارك . وقد اسقط الدفاع الجوي العراقي  8 طائرات للتحالف في الأسبوع الأول ، حيث سجلت دراسة للحرب الجوية 1991م إن إسقاط القنابل في أول مرور من قبل طيارو التحالف كانت أقل من المأمول ،وتوجد أسباب متعددة لذلك منها الارتباك في الأيام الأولى من القتال ،والمناورات الدفاعية المطلوبة للنجاة ،وتركيز التدريب على القصف من ارتفاع منخفض ، وما يلحق ذلك من الرياح المقاطعة الشديدة cross wind  والجاذبية العالية للإسقاط.  لقد عز على البطل  الكويتي أن يعود بقنابله دون ان يدك بها الأهداف المعادية التي تعذرت عليه في المرة الأولى مما اضطره للعودة وتدميرها والاستدارة عائدا ، لكن المضادات الأرضية العراقية أصابت جناح طائرته فقفز بالمظلة ليقع في الأسر وليذيقه العراقيون شتى أنواع المعاملة السيئة من دون بقية الأسرى من طياري التحالف .  أما المجموعة الرابعة  المكونة من 4 طائرات فقد أقلعت في الساعة 14:30  بقيادة المقدم خميس سلطان فرحان  قصف راجمات صواريخ متحركة لتعود في الساعة 16:10.بعد نجاح مهمتها كما تم في اليوم الأول  إلقاء 24 جهاز استشعار  كان لها الأثر في تدمير دبابات واليات العدو.
أنضم  سرب من  طائرات الغزال الإماراتية إلى المفرزة 20 قبل بداية الحرب البرية ، وتم طلاء الطائرات باللون الرمادي ، ونقلت جميعها إلى قاعدة رأس المشعاب قرب الخفجي  ، وقد سجلت طائرات الغزال من المفرزة 20 أول انتصار لها  حين قامت الغزال الكويتية بقيادة  المقدم أنور المطاوعة والرائد وليد العطار  بالتعاون مع طائرة الرائد إبراهيم ناصر من القوة الجوية الإماراتية في اقتناص دبابتين عراقيتين على الحدود الكويتية السعودية .

أشرنا سابقا إلى إن طائرات الميراج Mirage F1الكويتية قد تم إبعادها عن الجبهة لتشابهها حد التطابق مع الطائرات العراقية من نفس النوع ، وعليه لم تشارك  في الضربات الأولى ، وقد حاول العقيد محمود الرزوقي بوصفه مديرا للعمليات إقناع المرحوم العميد أحمد السديري مدير عمليات القوات الجوية الملكية السعودية بالإذن للميراج Mirage F1 في المشاركة ، لكن المحاذير كانت لا تزال قائمة ،ثم جاء  نجاح الحملة الجوية في جزئها الأول  نتيجة تكامل التكتيكات الجوية وهجمات التحالف على الدفاعات  الجوية العراقية في مسرح عمليات العراق ومسرح عمليات الكويت ،والهجمات على المطارات والملاجئ مما حدا بالقيادة المركزية إلى الإعلان أنه لم يعد هناك وجود للقوة الجوية العراقية كقوة مقاتلة فعالة في 27 يناير 1991م وان قوات التحالف قد حققت  السيادة الجوية . لكن قوة صواريخ العراق أرض جو كانت ذات نجاح اكبر بكثير من طائراته ، وكانت كثافة دفاعه الجوي أكثر من أي مدينة في شرق أوروبا في الحرب الباردة ، بل كانت حول بغداد أكثر من سبعة أضعاف عدد قواذف الصواريخ ارض جو التي كانت حول هانوي في حرب فيتنام . وكان لابد من خلق ممرات  corridors  في مسرح عمليات الكويت  لتمكين طائرات الحلفاء من مهاجمة الأهداف الحيوية داخل العراق ، ولم يكن هناك خير من صقر الجو الكويتي لتنفيذ عمليات في مسرح يعرف تضاريسه مثل ظهر يده ، ولم تكن طائرات السكاي هوك كافية، فحاول الضباط  الكويتيون الرائد يوسف الشايع والرائد عبدالكريم السمدان العاملون في مركز القيادة المشتركة في الرياض إقناع المسئولين بالسماح للميراج بالمشاركة ، وقد تبنى المقدم السعودي محمد العايش طلب إشراك الميراج الكويتية و استطاع إقناع قادة مركزالعمليات بالموافقة ، حيث تم نقل طائرات الميراج Mirage F1 من قاعدتها في الطائف الى الظهران وقامت بأول مهمة قصف لها في 5 فبراير 1991م ، ولأنه لم يكن مخططا لها أن تشارك أصلا فقد أدى دخولها الحرب الى استهلاك سريع للقنابل زنة 500 رطل وكان معنى ذلك توقف الأسراب الكويتية عن العمل ، لكن تدخل قائد القوات الجوية الأميركية الجنرال  هورنر General Charles A. Horner  أدى إلى فتح مخازن السلاح الأميركية على مصراعيه لسد حاجة صقور الجو الكويتيين من الذخائر .
علف الخيول الكويتية
حارب العراقيون وهم اقرب إلى توقع الهزيمة ، وقبول هذه الحقيقة لا يعني أنهم لم يكونوا ندا صعب المراس  ،أما كيف كانت حالة قوات صدام  خلال الحرب الجوية ؟ فيقول الفريق الركن رعد الحمداني آمر اللواء المدرع 17 التابع لفرقة حمورابي من الحرس الجمهوري ، ثم لاحقا قائد فيلق الحرس الجمهوري الثاني  ،إن قواته كانت أثناء القصف في قاطع مسئولية  العبدلي الروضتين أم العيش ،حيث أيقضه احد جنوده 'سيدي انهض الجو مليء بالطائرات ' بينما كانت وسائل الدفاع الجوي العراقية تطلق قذائفها دون جدوى ضد عدو لا تراه . حيث يقول ' وبشق الأنفس استطعنا إيقاف هذا الرمي الغير مجدي الذي كان ردة فعل عاطفية' ثم ذهب  إلى المذياع ليلتقط  خبر بداية حرب عاصفة الصحراء Desert Storm من إذاعة خليجية وليس من قيادته . ويكمل واصفا الأيام 39 الباقية 'أحال القصف الجوي  منطقة انفتاح قطاعاتي الى منطقة سوداء محفورة بمئات  الصواريخ والمقذوفات المعادية ، وأكبرها الناتجة عن قنابل الطائرات B-52   Boeing ولم يكن أمامي عمل لرفع معنويات جنودي غير تفقدهم  خلال القصف  ومشاركتهم في فعالياتهم المختلفة ، وتحسين أرزاقهم ، حيث كنا ننقع الخبز بالماء لساعات كي يتسنى لنا آكله ، وفي احد الأيام تذكرت أنني شاهدت في أحد الإسطبلات الكويتية مئات الأكياس من الحنطة كعلف للخيول ، فأرسلت عددا من الشاحنات لجلبها ، وكانت أفضل بكثير من أشباه الحنطة التي كنا نأكلها.'
يذهب  كوردسمان Anthony H. Cordsman إلى إن حرب تحرير الكويت قد شهدت ثورة في الشئون العسكرية ، وهي ثورة التكنولوجيا والمعلومات فقد أدي تطور الآلة العسكرية للحلفاء والتخلف التقني العراقي إلى أن العراق كان بمثابة الرجل الأعمى بينما كانت قولت التحالف تعرف وترى كل شيئ . لكن الأمر لم يكن بمثل هذا الحال على الدوام ،فلم يكن منتسبي القوة الجوية الكويتية من الطيارين والفنيين  في عمليتي درع الصحراء DESERT SHIELD أو عاصفة الصحراء Desert Storm ليصلوا في عددهم إلى  الألف رجل، دون إغفال حقيقة أن صقور الجو الكويتيون كانوا أكثر الطيارين معرفة بمسرح عمليات الكويت، والأكثر همة وطلبا للقتال . فقد  كانت طائراتهم  قديمة ولا تستطيع الطيران في الليل ، ورغم ذلك وصلت  ساعات الطيران لكافة الطائرات الكويتية إلى 3273 ساعة في 2028 مهمة  كما أن الطائرة سكاي هوك A-4 SkyhawK  خصوصا كانت أكثر طائرات حرب تحرير الكويت تجربة يعتمد عليها ففي تاريخها القتالي حروب فيتنام وحرب 1967م وغيرها من النزاعات الإقليمية الكثيرة .لقد نحجت القوة الجوية الكويتية في المشاركة في تحقيق هدف الحملة الجوية وهو ضغط متزامن ودائم وتراكمي على لقوات العراقية في مسرح عمليات الكويت .
ورغم اقتراب مرور عقدين تقريبا على الحملة الجوية لتحرير الكويت ، ورغم كثرة صور طائرات وصواريخ تلك الحرب إلا أن صورة واحدة انتزعت القدرة على البقاء من بين تلك الصور ، وأصبحت من كلاسيكيات حرب تحرير الكويت ، وفيها تظهر طائرة الغزال الكويتية بقيادة المقدم عبيد العنزي وهي محلقة على ارتفاع منخفض ، حيث نجحت في أسر 400 جندي عراقي شمال الخفجي . حيث لم يحدث في الحروب مطلقا أن استسلم جنود مشاة وهم على الأرض لطائرة في السماء.


 

د. ظافر محمد العجمي - الكويت

تعليقات

اكتب تعليقك