عشية انعقاد القمة الخليجية ال33
عربي و دوليبن طفلة يكتب عن معوقات الاتحاد الخليجي بين الدول الست
ديسمبر 24, 2012, 1:59 م 4936 مشاهدات 0
مقدمة:
كثر الحديث والتصريحات وخصوصا قبل القمم الخليجية حول الوحدة الخليجية، بل كثرت التصريحات بإعلانها وكأنها مسألة حتمية قادمة في المستقبل المنظور، وقد جاءت إعلانات هذه الوحدة بمثابة المفاجأة والدهشة لكثير من المراقبين والاستغراب والحيرة بالنسبة لشعوب دول الخليج العربي، وذلك لأن هذه الإعلانات الطموحة والتي لا يشك المتابع الخليجي بصدق نواياها تتعارض مع واقع فعلي يجعل من تحقيقها مسألة غاية في الصعوبة وأمر يصعب ترجمته على أرض الواقع في ظل الظروف والمعطيات القائمة. ما من شك بأن الوحدة الخليجية هي طموح كافة أبناء دول الخليج، ومن نافل القول أن في الوحدة والاتحاد قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية لو تحققت، ولكن معوقات عملية تحول دون تحقيق هذا الحلم الجميل. وقد جاء الإعلان عن الوحدة في القمة الخليجية التشاورية الأخيرة التي عقدت بالرياض كخبر مفاجيء، وهو الثاني في سلسلة مفاجآت القمم مؤخرا حول الوحدة الخليجية، فقد سبقها إعلان دعوة كل من المملكة الاردنية الهاشمية والمملكة المغربية للانضمام لمجلس التعاون الخليجي انضماما كليا بعضوية كاملة، وهو إعلان لم يتم تطبيقه فعليا ولا أرى أن إمكانية تطبيقه ممكنة في ظل الظروف والمعطيات القائمة.
تتناول هذه الورقة معوقات الوحدة الخليجية، والسبل الناجعة التي يمكنها أن تزيل هذه العوائق وتحقق طموح الوحدة، وهي لا تتناول هذه المعوقات إلا من زاوية الواقعية السياسية، وليس من باب التشاؤم أو المعارضة، إذ أؤكد كمواطن خليجي أن الوحدة الخليجية هدف هام يتمناه كل مخلص وكل مواطن خليجي واقعي. البدايات: وحدة واتحاد أم مجلس تعاون وحسب؟ 'كويتية المنشأ، إماراتي الولادة'، هكذا وصفها لي أول أمين عام لمجلس التعاون الخليجي السفير عبدالله بشارة، وأضاف: 'ولد مجلس التعاون الخليجي بمؤتمره التأسيسي الأول بأبوظبي برعاية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان يومي 24-25 مايو 1981 والذي أقر مسألتين: ولادة المجلس بإقرار نظامه الأساسي واختيار أمينه العام'. كان الهدف تسميته 'اتحاد دول الخليج العربي' وهو الأمر الذي لاقى معارضة شديدة من إيران التي لن تقبل التعامل بأي صيغة مع منظمة تسمي الخليج عربيا وهددت المنظمة في حال تسميتها باسم الخليج العربي، مما اضطر القائمين على الفكرة إلى تعديل التسمية إلى 'اتحاد دول الخليج العربية'، وهو ما أثار حنق الرئيس العراقي السابق صدام حسين، حيث رأى أن هذا اتحاد يقصد به عزل العراق في وقت يخوض فيه العراق حربا 'قومية للدفاع عن عروبة الخليج وعن البوابة الشرقية بل والأمة العربية جميعا في وجه إيران الفارسية'، واستمر العراق يمارس ضغطا ضد الاتحاد حتى تم التخلي عن فكرة الاتحاد أو التسمية تماما لصالح تسمية جديدة وغير شائعة هي 'مجلس التعاون لدول الخليج العربية'.
-حلم جميل لو تحقق:
التعاون والاتحاد بأشكال وصيغ مختلفة ضمن الأحلاف والمجموعات والأسواق المشتركة وغيرها، هي صيغة من صيغ التعاون الدولي وهو يتعاظم يوما بعد يوم مع صغر هذا الكوكب، وتزايد حاجة الدول لبعضها البعض في مرحلة العولمة التي حولت هذا الكوكب لقرية صغيرة، ولا مكان في هذا العالم المتعاون أو المتصارع للدول الصغيرة أو الدول التي لا تعمل ضمن مجموعات وأسواق أوسع من رقعتها الجغرافية، ومن هنا فإن فكرة تعزيز التعاون الخليجي وصولا لصيغة كونفيدرالية هو خلق كيان هائل من الإمكانات المادية والبشرية والعسكرية. لو تحقق الاتحاد الخليجي ولو بصيغة كونفدرالية، فإنه بلا شك سيشكل قوة اقتصادية وسوقا واسعة وكتلة استراتيجية وقوة عسكرية ستكون ثقلا وقوة اقليمية وقد لا يكون مبالغة القول بأنها ستكون قوة عالمية: فسكان دول المجلس الست يبلغ حوالي الثلاثين مليونا، وقد ذكرت مجلة 'ميد' الاقتصادية في عددها الصادر بفبراير 2012 أن من المتوقع أن يصل سكان المجلس لخمسين مليونا في العام القادم 2015 وهي بذلك تأخذ في تقديراتها عدد السكان من غير مواطني دول المجلس، ويشكل هذا العدد قوة بشرية وقدرة شرائية ضخمة لو تحقق لها الاتحاد. كما تمتلك دول المجلس أضخم احتياطي للبترول بالعالم يقدره بعض الخبراء بأكثر من نصف احتياطي البترول العالمي، وهو مسألة استراتيجية هامة في الاقتصاد العالمي في المدى المتوسط على الأقل. كما تبلغ مساحة دول المجلس مجتمعة حوالي مليونين وستمائة ألف كيلو متر مربع بموقع استراتيجي يحيط به خليج وبحر ومحيط: العربي والأحمر والهندي (كامتداد لبحر العرب) على التوالي، ويتمتع الاتحاد -لو تم- بموقع استراتيجي متميز يربط بين أفريقيا وغرب آسيا وليس ببعيد من أوروبا. وعسكريا، يبلغ تعداد الجيوش النظامية في دول المجلس مجتمعة حوالي ثلاثمائة وستين ألفا مسلحين بأحدث الأسلحة الغربية المتطورة تكنولوجيا بفضل العلاقات الدفاعية المتميزة مع الغرب وصفقات السلاح الفلكية الأرقام التي تعقدها دول المجلس مع الغرب وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية. مما يعني قوة عسكرية لا يستهان بها وجيشا يعتد به في منطقة لم تتوقف فيها الصراعات المسلحة منذ عقود، كما أنها مرشحة لصراعات مسلحة قادمة مثلما تشير الأحداث وتؤشر دراسات المحللين والمتابعين.
-أحلام وحدوية سابقة:
تكررت إعلانات الوحدة بين الدول العربية، وكانت في الغالب تجارب فاشلة لم تتجاوز بترجمتها أكثر من بيانات إعلانها، فالوحدة السورية المصرية تلاشت عام 1961 بعد إعلانها بثلاث سنوات العام 1958، والتقارب السوري العراقي بمنتصف السبعينات الذي كان هدفه المعلن الوحدة بين البلدين الذين حكمهما حينها حزب قومي واحد هو حزب البعث العربي الاشتراكي، تم إجهاضه بإعلان صدام حسين 'اكتشاف مؤامرة انقلابية' ضده تقودها سوريا عام 1979 وهو ما أدى إلى قطيعة وعداء استمر حتى سقوط صدام حسين عام 2003. كما تكررت إعلانات الرئيس الليبي السابق معمر القذافي بالوحدة مع مصر تارة ومع دول المغرب تارة أخرى ثم إعلانه للوحدة مع سوريا، ونذكر من تلك المحاولات الفاشلة اتفاق طرابلس فى 27 ديسمبر 1969، بين عبدالناصر والنميرى والقذافى، واتحاد الجمهوريات العربية بين مصر وليبيا وسوريا فى 17 إبريل 1970، ثم إعلان مشروع الوحدة الاندماجية بين مصر وليبيا الذى أعلنه القذافى فى 23 يوليو 1972، والذى بدأت خطواته باجتماع الرئيس السادات والقذافى فى 2 أغسطس 1972، ثم محاولة الوحدة الاندماجية بين ليبيا وتونس فى 11 يناير 1974. ولعل أغرب تلك الإعلانات الوحدوية تلك الوحدة الاندماجية خلال أربع وعشرين ساعة بين سوريا وليبيا عام 1980، وهو إعلان لم يتجاوز الحبر الذي كتب به، وقد استمر القذافي بإعلان الوحدة تلو الأخرى حتى كان آخر إعلاناته الوحدوية السياسية بتوحيد أفريقيا وتتويج نفسه ملكا لملوكها بعد أن جرب أنواعا من إعلانات الوحدة العربية. وقد كلفت الوحدة الاندماجية اليمنية عقودا من الحرب الأهلية ثم إعلان وحدة اندماجية عام 1990، لتنفجر حرب جديدة بإعلان الجنوب الانفصال عن الوحدة عام 1994، وهو ما رفضه الشمال فأعاد فرض الوحدة بالدم والسلاح وهي وحدة تتصاعد اليوم مطالب جنوبية بإنهائها وفك الارتباط مع الشمال بعد أكثر من عشرين عام على إعلانها. كما جرت محاولات عربية شبيهة بمجلس التعاون الخليجي، فكان إعلان الاتحاد المغاربي الذي لا يمكن تحقيقه باستمرار القطيعة بين أهم بلدين فيه: المغرب والجزائر واستمرار الصراع المسلح بينهما على الصحراء المغربية، ومجلس التعاون العربي الذي أعلن إنشاؤه ببغداد عام 1989 بين مصر والاردن والعراق واليمن الشمالي، وهو مجلس لم يستمر سوى بضعة أشهر، فقد انتهى بغزو العراق للكويت وانحياز الاردن واليمن الشمالي للعراق، بينما وقفت مصر ضد العراق في غزوه وهو ما أنهى عمليا مجلس التعاون العربي. التجربة الخليجية الوحدوية: قد لا يكون مبالغة القول أن نماذج تجارب الاتحاد و'الوحدات' العربية قد باءت جميعها بالفشل الذريع لأسباب خارج إطار هذه الورقة، ولكن الموضوعية تفرض القول أن التجارب الوحدوية أو حتى التنسيقية التي نجحت أو صمدت في وجه العواصف السياسية والعسكرية، هي نماذج خليجية حصرا:
وهي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومجلس التعاون الخليجي، وهي حقيقة تؤكد أن الاتحاد الخليجي ليس ضربا من المستحيل إذا ما توافرت له الظروف والمعطيات الملائمة. المملكة العربية السعودية: يعد قيام المملكة العربية السعودية أكبر وأقدم توحيد لأرض عربية في التاريخ السياسي العربي الحديث، فلم يكتب لنا التاريخ أن معظم منطقة الجزيرة العربية قد توحدت في كيان سياسي واحد ومستقر وآمن، سوى على يد مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة الملك الراحل عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود منذ بدايات القرن الماضي، مشكلا بذلك أقدم كيانات التوحيد العربية، فقبل قيام المملكة العربية السعودية كانت معظم الجزيرة العربية مناطق للفوضى تتناهبها حروب القبائل والقرصنة وغياب الدولة بأي شكل من أشكالها باستثناء مناطق محصورة بالحجاز التي كان يحكمها الأشراف بمكة.
دولة الإمارات العربية المتحدة: قام اتحاد عربي بين سبع إمارات عربية عام 1970 على يد مؤسسها الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وهو اتحاد لازال قائما ومتماسكا اليوم بعد مرور أكثر من أربعين عام على تأسيسه، مقدما نموذجا لدولة اتحادية فيدرالية واحدة تقوى يوما بعد يوم، وعلى الرغم من انتقادات بعض مثقفي الإمارات لهذا المظهر أو ذاك لبعض التباينات داخل الاتحاد الإماراتي، لكن الحقيقة التي لا عودة عنها هي أن أبناء هذا البلد لم يعودوا ينتمون لهذه الإمارة أو تلك، ويعتبرون أنفسهم مواطنين لدولة واحدة وحسب هي دولة الإمارات العربية المتحدة. مجلس التعاون الخليجي: على الرغم من أن هذه الورقة في غالبها نقد لمجلس التعاون الخليجي وبطء آليات عمله، إلا أنه يحسب لهذه المنظمة بقاؤها وصمودها في وجه رياح التغيير العاصفة في المنطقة، كما يحسب لها تجاوز محن وحروب واختبارات دامية لعل قمتها كانت في الاجتياح العراقي للكويت عام 1990، فعلى الرغم من كل النقد الذي يتوجه به الحريصون لمنظومة دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن المنصف لا بد أن يسجل بالإعجاب والاحترام قدرة هذا المجلس على البقاء والاستمرار رغم ما مر به من اختبارات وتغيرات وخلافات عصفت بكافة أشكال التعاون العربي وأنهت كل محاولات الوحدة العربية من العراق شمالا وحتى المغرب غربا فاليمن جنوبا. ويغفل كثير من المثقفين العرب هذه النماذج الخليجية للوحدة والتنسيق، كما يتجاهل كثير من الوحدويين العرب التجربتين الوحدويتين الخليجيتين –المملكة العربية والسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة- لأسباب يعزوها بعض مثقفي الخليج للنظرة الاحتكارية للقومية والعروبة وتطلعات الوحدة التي لا يمتلكها أهل الخليج، كما يفسر بعض مثقفي الخليج التجاهل العربي لهاتين التجربتين لخلوها من البيانات النارية، ومن أدبيات القومية العربية الشوفينية التي لم ترافق إعلانات وترجمة هاتين التجربتين.
الاتحاد الخليجي: فدرالية ام كونفدرالية؟
من غير الواقعي سياسيا- برأيي- أن يتوقع أحد وحدة اندماجية خليجية في الوقت الحاضر، أي من غير المعقول أن نفهم دعوات الاتحاد الخليجي وإعلانه على أنها دعوات لاتحاد فيدرالي بحكومة مركزية واحدة وقوانين فيدرالية تطبق على جميع دول مجلس التعاون الخليجي سواسية، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية. فواقع الحال يحول دون مثل هذا التصور، لكن ما يمكن التفكير فيه بجدية ويمكن أن يتحقق عمليا هو نوع من الاتحاد الكونفدرالي الذي تتوحد فيه السياسة الخارجية والدفاعية والسياسات الاقتصادية، ولكن حتى هذا النوع من الوحدة الكونفدرالية تقف أمامه عوائق شتى تتمثل في الآتي:
أولا: قرارات القمم: ماذا تحقق؟
يسجل المراقبون مقررات وبيانات ختامية لقمم خليجية سابقة هي غاية في الصياغة والطموح، لكنها لم تترجم على أرض الواقع، ولم تتجاوز بعضها أروقة مقر القمة حيث تعقد، وتعود أسباب ذلك لعدة عوامل أو غيابها سوف أتطرق لها لاحقا في هذه الورقة. ونذكر من تلك القرارات الرائعةعلى سبيل المثال لا الحصر:
أقر المجلس الأعلى عدداً من القوانين الموحدة في المجال الزراعي والصناعي ، من بينها قانون التنظيم الصناعي الموحد لدول مجلس التعاون، واتفاقيات إقامة مناطق تجارة حرة ، واتفاقيات إطارية للتعاون الاقتصادي بين دول المجلس والمجموعات الدولية . وافق المجلس على المعايير والمقاييس البيئية الموحدة ، في مجال الضوضاء ، وجودة الهواء ، والمياه العادمة ، باعتبارها تمثل الحد الأدنى من التشريعات الواجب تبنيها عند إعداد أو تطوير المعايير والمقاييس الوطنية في دول المجلس . ويدعو المجلس الأعلى الجهات المختصة إلى الإسراع في ترجمة الأنظمة والقوانين والمقاييس والمعايير البيئية إلى برامج عملية يتم تنفيذها وفقاً للخطط التنموية . القمة الخامسة والعشرين-المنامة-21 ديسمبر 2004
اعتمد المجلس الأعلى وثيقة 'السياسة التجارية الموحدة لدول المجلس' ، والتي تهدف إلى توحيد السياسة التجارية الخارجية لدول المجلس ، والتعامل مع العالم الخارجي كوحدة اقتصادية واحدة ، الى جانب تبني دول المجلس سياسة تجارية داخلية موحدة تسهل انسياب تنقل المواطنين والسلع والخدمات ووسائط النقل وتأخذ في الاعتبار المحافظة على البيئة وحماية المستهلك . القمة السادسة والعشرين-أبوظبي 19-ديسمبر 2005 واعتمد المجلس الدليل الموحد لإجراءات الرقابة على الأغذية المستوردة عبر منافذ دول المجلس من العالم الخارجي والذي يُعد أحد متطلبات الاتحاد الجمركي. وتابع المجلس الأعلى خطوات تطبيق السوق الخليجية المشتركة وما تم إنجازه منها خلال عام 2006م من قبل الدول الأعضاء، خاصة في مجال ممارسة الأنشطة الاقتصادية وتنفيذ قرارات المجلس المتعلقة بالسوق المشتركة. وبارك المجلس اتفاق لجنة التعاون المالي والاقتصادي، بتفويض منه، على السماح لمواطني دول المجلس بممارسة الأنشطة الاقتصادية التالية في جميع دول المجلس : خدمات التأمين ، والتعقيب لدى الدوائر الحكومية، والنقل . ووجّه اللجان المعنية بسرعة استكمال جميع المتطلبات الأخرى للسوق الخليجية المشتركة قبل نهاية العام القادم، تنفيذاً لتوجيهاته في دوراته السابقة بأن يتم إعلان قيام السوق المشتركة بنهاية عام 2007م. واطلع المجلس على تقرير عن مشروع إصدار البطاقة الذكية والمراحل التي وصل إليها المشروع في كل دولة من دول المجلس . ووجه باستخدامها لأغراض التنقل بين دول المجلس ووجه اللجان الوزارية المعنية باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ ذلك. وحرصاً من المجلس على تحقيق أهداف الرعاية الصحية التكاملية لدول المجلس ، والحصول على دواء آمن وفعال وبسعر مناسب ، وافق المجلس على توحيد سعر الاستيراد لأدوية دول مجلس التعاون ، للقطاع الخاص ، وبعملة واحدة . القمة السابعة والعشرين-الرياض 10 ديسمبر 2006
واعتمد المجلس الأعلى 'دليل الرقابة على الأدوية والمستحضرات الصيدلانية المستوردة عبر منافذ دول المجلس' . القمة الثامنة والعشرين-الدوحة-7 ديسمبر 2007
ما هو أعلاه نماذج قليلة من بعض قرارات وتوجيهات وتوصيات القمم الخليجية، وهي قرارات تبدو سهلة التطبيق، لكنها لم تطبق على أرض الواقع، فلا زالت التجارة البينية والاستثمار للمواطن الخليجي في بلدان المجلس تعترضه جملة من المعوقات والعراقيل البيروقراطية وعراقيل الاحتكار والفساد، ولا تزال أسعار الأدوية والمواد الغذائية الأولية متفاوتة بشكل كبير بين دول المجلس، ولا يزال المواطن الخليجي العادي يعاني من ترهل الإدارة في دول المجلس وتخلف الأساليب التطبيقية وفجوة بين قرارات القمم والأجهزة المعنية بتنفيذها. وتمس مثل هذه القرارات المواطن الخليجي العادي في حياته اليومية من الغذاء إلى الدواء إلى البيئة إلى حرية التنقل وحرية والاستثمار والتجارة البينية. ثانيا: أسباب عدم تطبيق قرارات القمم:
1. غياب المسئولية والمحاسبة:
بدهي القول أن المسئولية توجب المحاسبة، ولكن الأجهزة والحكومات المعنية المسئولة بدول المجلس لا يوجد عليها أجهزة مراقبة ومحاسبة فعالة تتابع تنفيذها للقرارات من عدمه، كما أن النظام الأساسي للأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي لا يمنح الأمانة صلاحية المتابعة المسلحة بسيف المحاسبة القانوني أو العقوبات القانونية في حال التراخي عن تنفيذ ومقررات القمم. 2. غياب الرقابة الشعبية: على الرغم من أن مجالس الشورى والوطني والأمة- أي البرلمانات الخليجية إن جازت تسميتها كذلك- تجتمع اجتماعات دورية بإشراف الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، إلا أن هذه المجالس لم تستطع أن توجد نظاما للرقابة والمتابعة والمحاسبة للأجهزة الخليجية التي لا تطبق مقررات التعاون بقمم المجلس، ولا تتجاوز لقاءاتها التعارف والتواصل المطلوب، لكنها اجتماعات بلا أسنان محاسبة أو نظام مساءلة شعبية. كما يغيب عن دول المجلس برلمان خليجي- على غرار البرلمان الأوروبي مثلا- يناط به توجيه أصابع التقصير للدول التي لا تلتزم بقرارات القمم وتنفيذها، صحيح أن هناك هيئة استشارية لدول المجلس لكنها في الغالب تعقد اجتماعاتها وراء أبواب مغلقة ولا تملك صلاحية مخاطبة الأجهزة المختلفة بدول المجلس التي لا تتعاون بتطبيق المقررات التعاونية مخاطبة مباشرة، ناهيك عن تطبيق عقوبات عليها في حالة تقصيرها. وبالتالي فإن غياب دور للشعوب الخليجية ممثلة ببرلمان خليجي –أيا كان شكله وصلاحياته- يجعل الأجهزة المعنية في منأى عن اللوم والمحاسبة إذا ما قصرت في عملها بتعزيز التعاون الخليجي. ومن غير المنطقي التعبئة بأن المعني بالوحدة الخليجية هو الشعوب الخليجية نفسها دون أن يكون لهذه الشعوب يد في تحديد مسار هذه الوحدة.
ثالثا: العقلية العشائرية والسيادة:
لعل أهم المعوقات في وجه اتحاد خليجي حقيقي هو في العقلية العشائرية التي لا زالت نشطة في كل العواصم الخليجية دون استثناء، وهي عقلية لم تتجاوز مفهوم القبيلة إلى مفهوم الدولة الحديثة، وما لها وعليها من استحقاقات ومصالح استراتيجية، وتقف هذه العقلية في وجه مبدأ التنازلات المتبادلة من أجل تحقيق حلم الوحدة لما فيه مصلحة الجميع. لكن المفرح أن هذه العقلية العشائرية هي في صراع مستمر مع نظرة حديثة في أوساط اتخاذ القرار الخليجي بكافة العواصم الخليجية دون استثناء أيضا، والمفرح أيضا في هذا الصراع أنه يأخذ أشكالا سلمية ويدور غالبا بالمؤسسات الفكرية والثقافية الخليجية وفي أوساط المثقفين بالخليج الذين يرون بالتفكير العشائري عائقا معقدا أمام طموحات الوحدة وتطلعات الوحدويين.
رابعا: الاحتكار ومصالح مراكز القوى بدول الخليج:
تتضامن مراكز القوى وأصحاب المصالح الاحتكارية في دول الخليج كافة مع العقلية العشائرية، فتحت ذريعة الحفاظ على السيادة وعدم التنازل عن 'الخصوصية' يستمر الاحتكار، وتتعزز مصالح هذه القوى على حساب ما يفترض أنه ترجمة لقرارات اقتصادية لصالح شعوب المنطقة، فلا زالت هذه القوى الاحتكارية تحارب قوانين السوق الخليجية المشتركة، وتضع العوائق الاعتباطية أمام حرية التجارة وتنشيط التجارة البينية وانتقال البضائع، وحرية التنقل بين شعوب دول المنطقة تحت مبررات بيروقراطية واهية، وتتمسك بشعار الخصوصية والمصلحة 'الوطنية' التي لا تعني في النهاية إلا مصالحها الخاصة، فأي متابع خليجي يدرك كَمّ العوائق الغير مفهومة التي تضعها مراكز القوى وأصحاب المصالح على أشكال قوانين وتشريعات محلية تتناقض مع قرارات القمم، وتقف سدا أمام ترجمة السوق الخليجية المشتركة التي أعلنتها قمة الدوحة في ديسمبر عام 2007، وهي سوق مشتركة تم إعلانها وبقيت حبيسة أدراج المسئولين التنفيذيين بمفاتيح يحتكرها أصحاب المصالح في دول الخليج المشتركة. فالمواطن الخليجي مخول بممارسة النشاط التجاري في أي من دول المجلس حسب قرارات القمم وبالذات قمة الدوحة التي أقرت السوق الخليجية المشتركة، لكن واقع الحال مختلف تماما: فبعض هذه الدول لا تعير هذه القرارات اهتماما، ولا تسمح للمواطن البسيط بممارسة أية مهنة تجارية كأي مواطن من مواطني تلك الدول، وهي معاناة يومية للمواطن الخليجي البسيط تجعل من الحديث عن الاتحاد بالنسبة له شيء من الخيال الذي لا يعيشه على أرض الواقع. خامسا: الخلافات البينية ومحكمة العدل الخليجية: لعل مجال هذه الورقة لا يتسع لتعداد قائمة الخلافات التي نشأت أو التي لا تزال قائمة بين الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي، لكن المتابع يدرك هذه الخلافات ويدرك أيضا سهولة حلها أو قل معظمها لو تواجدت مرجعية قانونية لحل بعض هذه النزاعات، فمن خلافات حدودية بين هذه الدولة أو تلك، إلى خلافات قد تكون لأسباب شخصية بين هذا المسئول أو ذاك، ويكون الضحية غالبا في مثل هذه الخلافات الأهداف السامية للتعاون بين دول وشعوب المنطقة، فالمتابع يتذكر ظاهرة سحب السفراء من أكثر من عاصمة خليجية، والحروب الإعلامية التي تشنها بعض الدول أحيانا ضد دولة عضو آخر في مجلس التعاون كانعكاس لخلافات سياسية. هيئة تسوية النزاعات: يكون لمجلس التعاون هيئة تسمى 'هيئة تسوية المنازعات' وتتبع المجلس الاعلى يتولى المجلس الأعلى تشكيل الهيئة في كل حالة على حدة بحسب طبيعة الخلاف اذا نشأ خلاف حول تفسير أو تطبيق النظام الاساسي ولم تتم تسويتة في اطار المجلس الوزاري أو المجلس الأعلى . فللمجلس الأعلى احالته الى هيئة تسوية المنازعات ترفع الهيئة تقريرها متضمنا توصياتها أو فتواها بحسب الحال الى المجلس الأعلى لاتخاذ ما يراه مناسبا المادة العاشرة من النظام الأساسي لإنشاء مجلس التعاون الخليجي. يدرك المراقب أن هيئة تسوية النزاعات التي نص عليها النظام الأساسي في المادة السابقة لم تر النور أبدا، وقد مرت خلافات متعددة بين دول المجلس وهذه الهيئة غير قائمة أو مفعلة، حتى أن خلاف البحرين وقطر على جزر فشت الديبل وحوار تم حله عبر محكمة العدل الدولية بطريقة حضارية، لكن اللجوء لمحكمة العدل الدولية لم يكن خيارا في كل الخلافات التي طرأت أو تلك التي لا تزال تحت الرماد، ولعل الأسلم- مثلما طالبت في كتابات ومحاضرات سابقة- الإسراع في تشكيل محكمة عدل خليجية تتشكل لحل الخلافات الخليجية في ضوء هيئة تسوية المنازعات ولو تطلب الأمر تطعيمها بعناصر قضائية عربية ودولية وتكون أحاكمها ملزمة للمتخاصمين وان يعلنوا ذلك دون تحفظ قبل اللجوء للمحكمة. وخلاصة هذه النقطة أن خلافات خليجية لاتزال قائمة بين بعض دول المجلس- حدودية وغير حدودية- تحتاج إلى التعامل معها وبصورة حاسمة وسريعة من قبل محكمة عدل خليجية قبل الدخول في إجراءات الاتحاد الخليجي المنشودة.
معوقات إقليمية:
من غير المنطقي إغفال عامل المعوقات الاقليمية التي لا ترغب بمزيد من التقارب بين دول مجلس التعاون الخليجي ناهيك عن معارضتها لاتحاد هذه الدول، وتأتي إيران على قائمة هذه الدول، فإيران التي تنادي بوحدة العالم الإسلامي ورص صفوفه في مواجهة 'الشيطان الأكبر' ومن أجل 'مقاومة' إسرائيل، ترفض التعامل مع مجلس التعاون الخليجي كمجموعة واحدة، وتعترض على التفاوض معه حول أية مسألة وبالذات مسألة الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة- أبوموسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى. وهي ترى أن مجلس التعاون لو اتحد فسيشكل قوة تتحدى استراتيجيتها بالهيمنة على منطقة الخليج، ودورها كقوة إقليمية كبيرة، ولذلك فهي لا تتعامل مع دول المجلس إلا فرادى، ورفضت ولا تزال الدخول في مفاوضات مع الكويت والسعودية مجتمعتين لترسيم حدود الجرف القاري بمياه الخليج العربي بين الدول الثلاث، ورفضت ولا تزال استقبال أي وفد سلام أو نوايا حسنة يشكله مجلس التعاون الخليجي للتفاوض حول الجزر الإيرانية وحلها بطرق سلمية، ولا تدخل في أية مفاوضات أوأية أشكال التعاون والتجارة والاتفاقيات من خلال منظومة المجلس. وكان العراق في زمن صدام حسين قوة اقليمية يرى بالتنسيق الخليجي تجاوزا له، فكان ينتقد المجلس وحاول الدخول في عضويته، لكن دول المنظومة كانت تخشى الدور الراديكالي والفوضوي لصدام حسين، فحالت دون دخول العراق عضوا بالمجلس رغم أنه انظم لبعض منظماته ومؤسساته الاقليمية. وقد تراجع هذا الدور أو العائق العراقي بسقوط صدام حسين وتراجع دور العراق ككل كدولة ذات تأثير في المنقطة. لكن دول العالم الكبرى، وبالذات أوروبا وأمريكا تفضل جميعا التعامل مع وحدة اقتصادية وسياسية واحدة وسوق خليجية كبيرة، بدلا من التعامل المنفرد مع هذه الدول، فكانت المفاوضات مع السوق الأوروبية المشتركة حول قضايا مختلفة، والحث الأمريكي على توحيد منظومات عسكرية مختلفة للدول الخليجية التي ترتبط معها معظمها باتفاقيات تعاون مختلفة- وبالذات الأمنية والدفاعية مثل الدرع الصاروخي الخليجي، كما تشتري منها معظم السلاح الذي تحتل ميزانيته في دول الخليج مراتب متقدمة. فأصبح العالم الذي كان وراء نظرية 'فرق تسد'، يتبع مبدأ جديدا هو 'وحد تسد'-كما أسميته بمقال نشر بالاتحاد العام 2002، ذلك أن الاتحاد الخليجي في ظل العلاقات الاستراتيجية والدفاعية والاقتصادية المتميزة لدول الخليج مع الغرب، يجعل التنسيق على هذه الأصعدة أكثر فاعلية.
أين الأمل؟
وجه القادة المجلس الوزاري بتشكيل هيئة متخصصة يتم اختيارها من قبل الدول الأعضاء بواقع ثلاثة أعضاء لكل دولة ، يوكل إليها دراسة المقترحات من كل جوانبها في ضوء الآراء التي تم تبادلها بين القادة ، وتكون اجتماعات الهيئة في مقر الأمانة العامة ، ويتم توفير كل ما تتطلبه من إمكانيات إدارية وفنية ومالية من قبل الأمانة العامة . وتقوم الدول الأعضاء بتسمية ممثليها في موعد أقصاه الأول من فبراير 2012م ، وتقدم الهيئة تقريراً أولياً في شهر مارس 2012 إلى المجلس الوزاري في دورته الأولى لعام 2012 لرفعها لأصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون ، وترفع الهيئة توصياتها النهائية إلى اللقاء التشاوري الرابع عشر لأصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون. القمة الثانية والثلاثين- الرياض- 19 ديسمبر 2011 الفقرة السابقة هي من بيان إعلان الوحدة الخليجية بقمة الرياض العام الماضي، وتشكيل هئية متخصصة تم تشكيلها بثمانية عشر عضوا: ستة أعضاء من كل دولة، ولعل الموافقة على تشكيلها وتسمية أعضائها من كل دولة بالتساوي يعكس نوايا موحدة وهدفا مشتركا، ولكن... ليس سرا أن الحماس العماني للاتحاد في ضوء المعطيات القائمة غير موجود، والتحفظات الإماراتية لبعض السياسات القائمة موجودة، وكذلك تفاوت درجات القبول بين قطر والكويت نتيجة لأسباب داخلية بالدرجة الأولى، وتبقى مملكة البحرين هي الأكثر تأييدا لسرعة إجراءات الاتحاد الخليجي لأسباب تتعلق بأمنها القومي وخطر الاضطرابات التي تعيشها منذ أكثر من عام، إضافة للملكة العربية السعودية التي انطلقت منها الدعوة للاتحاد الخليجي. ولعل المشاركة الجماعية في الهيئة المتخصصة الموكل إليها دراسة اتخاذ الخطوات الوحدوية بحد ذاتها تعد مؤشرا على صدق النوايا ووحدة الهدف، كما أن الأمل بأن تقدم تلك الهيئة المختصة صورة حقيقية للمعوقات التي لا تزال تعترض سبيل الاتحاد الخليجي المنشود على شكل كونفدرالية خليجية، تأخذ في اعتبارها الخصوصيات المحلية، والتشريعات المختلفة الداخلية لكل دولة، وتمهد الطريق باقتراح تشريعات تشرك شعوب المنطقة في رسم مستقبلها ووحدتها المنشودة. تحمل لنا الأخبار أن الأمانة العامة بمجلس التعاون الخليجي تجري هذه الأيام إعادة هيكلة شاملة للأمانة، وتعيد تنظيم عملها بطريقة تكنولوجية جذرية، ولعلها بذلك تكون خطوة نحو استيعاب المتغيرات العالمية وضرورة رسم سياسات للاتحاد الخليجي الكونفدرالي على أسس صلبة، تزيل المعوقات وتحقق طموحات شعوبها...
تعليقات