بلاغ للنائب العام- يكتبه ثقل العجمي

محليات وبرلمان

عن حفظ محكمة الوزراء لقضية التحويلات ضد ناصر المحمد

4783 مشاهدات 0


خص استاذ القانون الدولي الدكتور ثقل العجمي بدراسة قانونية عن قضية التحويلات الخارجية المنظورة أمام محكمة الوزراء والمتهم فيها رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد، وجاء فيها ما يلي:

بلاغ إلى النائب العام

بقلم/ د. ثقل سعد العجمي

أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان بجامعة الكويت

قبل فترة قريبة جدا (وتحديداً بعد أيام قلائل من إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة) تقدم أحد المواطنين ببلاغ إلى النائب العام ضد رئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد حول ما عرف بقضيتي الإيداعات والتحويلات المليونية, وأنا هنا لست بصدد تقييم هذا البلاغ, إذ إنني لم اطلع على تفاصيله وعلى ما احتواه من بيانات, ولكن ما سوف أحاول بيانه في هذه المقالة هو بحث دور النائب العام ولجنة التحقيق (لجنة محاكمة الوزراء) طبقا لنصوص القانون رقم 88 لسنة 1995 في شأن محاكمة الوزراء والقوانين الأخرى ذات الصلة. 

والحقيقة أنه وعلى الرغم من أن قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية قد أعطى النائب العام الحق في فحص البلاغات المقدمة إليه والتصرف فيها بعد ذلك كما نصت على ذلك المادة 102 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية, فإن البلاغ المتعلق بأي من الوزراء أو رئيسهم جاءت بخصوصه نصوص خاصة قيدت من صلاحيات النائب العام تجاهه, حيث جاء في المادة 3 من القانون رقم 88 لسنة 1995 في شأن محاكمة الوزراء من أن النائب العام يقتصر دوره على استقبال البلاغات المقدمة عن الوزراء إذا كانت فقط مكتوبة وموقعة من المبلغ, ومن ثم عليه أن يحيلها إلى لجنة محاكمة الوزراء خلال يومين على الأكثر, ولهذه اللجنة فقط الحق في فحص هذا البلاغ والوقوف على جديته, فإذا تبين لها عدم جديته أمرت بحفظه بشكل نهائي. 

أما إذا تبين للجنة محاكمة الوزراء جدية البلاغ فإنها تمضي في إجراءاتها القانونية بما في ذلك التحقيق في الواقعة محل البلاغ, وللجنة بعد انتهاء التحقيق  أن تسلك أحد المسلكين التاليين:

المسلك الأول: إذا تبين للجنة أن جريمة من الجرائم المنصوص عليها في قانون محاكمة الوزراء قد ارتكبت, وهذه الجرائم هي كالتالي:

-         جرائم أمن الدولة الخارجي والداخلي والجرائم المتعلقة بواجبات الوظيفة العامة المنصوص عليها في القانون رقم 31 لسنة 1970.

-         جرائم الموظفين والمكلفين بخدمة عامة المنصوص عليها في قانون الجزاء.

-         الجرائم المنصوص عليها في قانون الانتخاب رقم 35 لسنة 1962.

-         الجرائم المتعلقة بسير العدالة أو التأثير عليها المنصوص عليها في قانون الجزاء.

-         الجرائم المنصوص عليها في قانون حماية الأموال العامة رقم 1 لسنة 1993.

وأن الأدلة على هذه الجريمة كافية, فإنها تعد قرار الاتهام مع قائمة بأدلة الثبوت, ثم تأمر بإحالتها إلى محكمة الوزراء.

المسلك الثاني: إذا تبين للجنة عدم وجود جريمة أو أن الوقائع المنسوبة للوزير لا صحة لها أو الأدلة عليها غير كافية, فإن اللجنة في هذه الحالة تأمر بحفظ التحقيق بقرار مسبب.

وهنا ينبغي التأكيد على رفضي التام لما ذهبت إليه حكم محكمة الوزراء الصادر في 30/6/2008 في رفضها للتظلم من قرار الحفظ الذي أصدرته لجنة محاكمة الوزراء في 30/10/2007, وذلك عندما قام وزير النفط السابق (محمد العليم) بالتظلم من قرار حفظ التحقيق في قضية الناقلات فيما يتعلق بأحد المتهمين فيها وهو وزير النفط السابق (الشيخ علي الخليفة) وذلك بسبب عدم كفاية الأدلة كما جاء في قرار الحفظ. وجاءت في حيثيات هذا الحكم بعدم جواز التظلم 'أن القانون جعل قرار لجنة التحقيق بمثابة الحكم البات ولا تظلم منه', وأن قرار الحفظ هو قرار قضائي لا يجوز التظلم منه, كما أن قانون محاكمة الوزراء لم ينص على إمكانية التظلم من هذه القرارات أمام محكمة الوزراء.

ومن وجهة نظري فإن هذا الحكم معيب بالقصور في  التسبيب والفساد  في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون وذلك للأسباب التالية:

أولا: أن المشرع كان واضحا وصريحا في عباراته ذات الصلة التي استخدمها في قانون محاكمة الوزراء, فتجده في المادة 3 ذكر –وبشكل صريح- أن للجنة محاكمة الوزراء إذا تبين لها عدم جدية البلاغ أن تأمر 'بحفظه نهائيا' , في حين أنه في المادة 6 من ذات القانون تكلم حق اللجنة في الحفظ إذا تبين لها عدم وجود جريمة أو أن الوقائع المنسوبة للوزير لا صحة لها أو أن الأدلة غير كافية, ولم تنص المادة 6 على أن قرار الحفظ في هذه الحالة يكون نهائيا كما فعلت في المادة 3, ولو كان المشرع يقصد هذا الأمر لنص عليه بشكل واضح وصريح كما فعل في المادة 3 من نفس القانون.

هذا إذا سلمنا أصلا بأن عبارة 'نهائي' التي وصف بها قرار الحفظ في المادة 3 من قانون محاكمة الوزراء تعني عدم جواز التظلم منه, حيث إنني اعتقد عبارة 'نهائي' أو 'مؤقت' إنما تخاطب بها الجهة مصدرة قرار الحفظ, فإذا كان قرار الحفظ مؤقتا جاز لهذه الجهة إعادة التحقيق إذا استجد أمر يستدعي ذلك, أما إذا كان قرار الحفظ نهائي, فإنه لا يجوز لجهة التحقيق من تلقاء نفسها أن تقوم بإعادة فتح الحقيق ما لم يطلب أحد من ذوي الشأن ذلك.  وهذا الأمر يمكن فهمه واستخلاصه من مجمل النصوص المتعلقة بالحفظ (المواد 102 – 104 مكرر) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية.

ثانيا: القول بأن قرار الحفظ هو عمل  قضائي كالحكم القضائي هو, على فرض قبوله باعتبار أن الحكم القضائي لا يكون إلا في خصومة 'والخصومة لا وجود لها أثناء التحقيقات, وإنما تبدأ في مرحلة المحاكمة' (حكم محكمة التمييز رقم 266 لسنة 2001- الدائرة الجزائية), لا يعني بأي حال من الأحوال عدم جواز التظلم منه (أو الطعن فيه). فالحكم القضائي الذي تصدره المحاكم, والذي يعد الصورة التقليدية للعمل القضائي يمكن الطعن به سواء بالطرق العادية أو الطرق غير العادية بحسب الأحوال.  كذلك فإن المادة 104 مكرر من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية قد تكلمت عن الحفظ بكل أنواعه ونظمت في الوقت نفسه طريق التظلم منه, وما ينطبق على قرار الحفظ المشار إليه في المادة 104 مكرر من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية ينطبق أيضا على قرار الحفظ المشار إليه في المادة 6 من قانون محاكمة الوزراء سواء اعتبرنا قرار الحفظ عملا قضائيا أو لا.

كذلك فإنه ومن الأسباب التي جعلت محكمة الوزراء تنتهي في حكمها إلى عدم جواز التظلم من قرار الحفظ (أو الطعن فيه) أن المادة 14 من قانون محاكمة الوزراء كانت قد نصت على أنه 'تكون عقوبة أي من الجرائم المنصوص عليها في المواد ......إذا كان المجني عليه في أيها, وزير وثبتت براءته بصدور حكم قضائي غير قابل للطعن فيه أو قرار بالحفظ من اللجنة الثلاثية المشار إليها في المادة 3 من هذا القانون'. فالمحكمة استنتجت من هذا النص أن المشرع قد ساوى بين الحكم القضائي غير القابل للطعن مع قرار الحفظ الذي تصدر لجنة محاكمة الوزراء.  وفي الحقيقة أننا لسنا بحاجة إلى دحض هذا الاستنتاج  ذلك أن هذا النص أصلا كان ملغيا وقت نظر هذه الدعوى, حيث ألغيت المادة 14 من قانون محاكمة الوزراء بموجب القانون رقم 38 لسنة 2001, ومن ثم فلم يكن مقبولا من المحكمة التي تستند في أسبابها إلى نص لم يعد له وجود قانوني   ثالثا: القول بأن قانون محاكمة الوزراء جاء جامدا ولم ينظم طريقة التظلم من قرار الحفظ هو قول يجافي القانون ويتعارض مع قاعدة من قواعد التفسير القانوني مفادها أن النصوص القانونية تكمل بعضها البعض إذا أوجد المشرع رابطا واضحا بينها.  فعندما تنص المادة 9 من قانون محاكمة الوزراء 'يتبع في محاكمة الوزراء القواعد والإجراءات المبينة في هذا القانون وما لا يتعارض معها مما ورد النص عليه في قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية', فهذا يعني أن المشرع قد جعل من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الشريعة العامة بحيث يتم الرجوع إليه في كل مسألة لم يتم تنظيمها في قانون محاكمة الوزراء ومنها على سبيل المثال التظلم من قرار الحفظ.  والدليل على أن المشرع قد وضع في اعتباره إمكانية تطبيق قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية في نصوصه المتعلقة بحفظ التحقيق أنه في المادة 7 من قانون محاكمة الوزراء ذكر صراحة – بعد انتهاء التحقيق وقبل المحاكمة – انه على النائب العام إعلان الوزير بقرار الاتهام وقائمة أدلة الثبوت ... وانه 'لا يجوز في صدد تطبيق أحكام هذا القانون, إعمال نص المادة 104 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية', ونص المادة 104 المشار إليه يتعلق بسلطة وزير الداخلية في حفظ التحقيق.

ومع ذلك بالرغم من حفظ التحقيق ورفض المحكمة التظلم بشأنه فإن ذلك برأيي لا يمنع أي شخص آخر من تقديم بلاغ آخر حول ذات الواقعة, طالما كان هذا البلاغ مستوفيا لجميع أركانه ومستندا على معلومات حقيقية وثابتة ويتضمن أدلة جديدة لم يسبق تقديمها من قبل وكان مقدم البلاغ هو شخص حسن القصد, وذلك حتى لا نكون أمام جريمة شهادة الزور المعاقب عليها بموجب المادة 136 أو جريمة البلاغ الكاذب المعاقب عليها بموجب المادة 145 أو جريمة القذف والسب المعاقب عليها بموجب المادة 209  من قانون الجزاء الصادر بالقانون رقم 16 لسنة 1960 والقوانين المعدلة له.

مسألة أخيرة ينبغي التنبيه إليها كذلك هي أن قرار الحفظ لا يكون إلا في حال عدم وجود جريمة (أو كما ذكرنا سابقا أن الوقائع المنسوبة للوزير لا صحة لها أو أن الأدلة عليها غير كافية), وعبارة جريمة هنا جاءت مطلقة وغير مخصصة بالجرائم المنصوص عليها في هذا القانون.  وبعبارة أخرى إذا تبين للجنة وجود جريمة أخرى (مثل جريمة غسيل الأموال) وهي ليست من الجرائم التي تختص بها محكمة الوزراء طبقا لقانون إنشائها ودون أن تكون مرتبطة بأي منها ارتباطا لا يقبل التجزئة, فهنا لا يجوز للجنة محاكمة الوزراء أن تحفظ التحقيق وإنما حيلها للمحكمة المختصة.

رأي: الدكتور ثقل العجمي

تعليقات

اكتب تعليقك