في مقال مهم وخطير: الجاسم يقدم بلاغا إلى الشعب يشرح فيه خطورة رهن القرار الاقتصادي والسياسي بالمصالح الخاصة لذوي المراكز الاقتصادية الضخمة

زاوية الكتاب

شبهات مالية كبيرة تحيط بهيئة 'الاستثمار' والتأمينات الاجتماعية

كتب 6386 مشاهدات 0


 كتب المحامي محمد عبد القادر الجاسم مقالا مهما للغاية كشف من خلاله خطورة ما تعانيه الدولة اليوم من رهن القرارات الاقتصادية والسياسية لصالح أصحاب النفوذ الذين يسيطرون على مؤسسات مالية ضخمة. 

وطرح الجاسم نماذج خطيرة من الفساد تحيط بالهيئة العامة للاستثمار والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وفي ما يلي نص المقال :


بلاغ إلى الشعب

تجمعني بالدكتور فهد الراشد، العضو المنتدب الأسبق للهيئة العامة للاستثمار، جلسات مكثفة خصصناها لبحث وتوثيق جانب من 'تاريخ' الهيئة العامة للاستثمار وعلى وجه الخصوص مرحلة التأسيس في العام 1982 ولغاية نهاية شهر ديسمبر من العام 1990 حين تقدم كل من الدكتور فهد والسيد يعقوب يوسف الحميضي والسيد فهد عبدالرحمن البحر باستقالتهم الاحتجاجية بعد اكتشاف جملة من التجاوزات المالية الخطيرة في الاستثمارات الكويتية قبل وخلال فترة الغزو العراقي لاسيما ما اتصل منها بالاستثمارات الكويتية في اسبانيا وعدم اتخاذ الحكومة آنذاك أي موقف مضاد. وقادني البحث إلى قراءة بعض أوراق التحقيقات التي أجريت في هذا الشأن وبعض أوراق الأحكام التي صدرت من المحاكم البريطانية وبالتحديد إفادات بعض العاملين في مكتب لندن حول ظروف تحويل مبالغ وصلت إلى خمس مليارات ونصف المليار دولار من حساب مكتب الاستثمار الكويتي إلى حساب شركة 'جروبو توراس'، والحسابات السرية الخاصة وتدفق وتنقل أموال مكتب الاستثمار الكويتي إلى الحسابات الخاصة ببعض المسؤولين الذين كونوا ثرواتهم من المال الحرام. ولست أعلم ماذا سأفعل بالمعلومات التي حصلت عليها، إلا أن الأمر يستحق فعلا إطلاع الشعب الكويتي على بعض التفاصيل بين حين وآخر!

وخلال اجتماعاتي المتكررة مع الدكتور فهد الراشد، تطرق الحديث إلى قضايا أخرى جاء في مقدمتها الفساد السياسي والمالي المتفشي في الدولة وكيفية الحد منه وتحويل مكافحة الفساد من قضية 'موسمية' يهتم بها بعض أعضاء مجلس الأمة فقط ووفق أجندة سياسية تتمدد حينا وتنكمش أحيانا ويأخذ الرأي العام فيها دور 'الجمهور'، إلى قضية عامة يتبناها الرأي العام ويتفاعل معها بشكل مستمر عن طريق أدوات ضغط جادة وفعالة لحماية المؤسسات المالية.

كذلك تطرق الحديث إلى العلاقة الواضحة بين اتجاهات الاقتصاد والسياسة في الكويت، والنقاط التي 'تخدم' فيها القرارات السياسية الحكومية والبرلمانية المصالح الاقتصادية الخاصة.. واتفقنا على أهمية رسم الخريطة 'الاقتصادية السياسية' في الكويت لتحديد القوى الاقتصادية ذات النفوذ السياسي التي تمكنت أو تسعى للسيطرة على القرار السياسي وتوجيهه صوب مصالحها الاقتصادية.. ونعمل حاليا على وضع الخطوط العريضة لهذه الخريطة.. شركاتهم، إعلامهم (صحف وتلفزيونات ومواقع إلكترونية وكتاب وصحفيين)، و'رجالهم' في المواقع الرسمية وعلى كل المستويات مثل مجلس الأمة ومجلس الوزراء ووزارة المالية ووزارة الأشغال والهيئة العامة للاستثمار والتأمينات الاجتماعية ولجنة المناقصات والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية وسوق الكويت للأوراق المالية والهيئة العامة لشؤون القصر والفتوى والتشريع ومؤسسة البترول وديوان المحاسبة والمجلس البلدي.. وغيرها من مؤسسات عامة 'فيها فليسات' أو مرتبطة بشكل أو بآخر بالقرار الاقتصادي، وذلك على نحو قد يمكنني فيما بعد من وضع ما يمكن تسميته 'بدليل الفساد' في كافة القطاعات الاقتصادية والسياسية والذي يكشف للرأي العام حقيقة الصراع الاقتصادي السياسي وأدواته.

كذلك تطرق حديثنا إلى ما هو أهم من كل ما سبق.. تطرق الحديث إلى كيفية المساهمة في 'ترشيد' القرار السياسي والاقتصادي في الدولة وكيفية اقناع أصحاب القرار بخطورة نتائج تدني مستوى المهنية في إدارة أهم مؤسساتنا المالية وخطورة رهن القرار الاقتصادي والسياسي بالمصالح الخاصة وتحت مظلة التحالفات السياسية، ووجوب تخليص القرار من التلاعب بشتى أنواعه.. وتصحيح مسار الاستثمارات الكويتية الهائلة وتخليصها من الفساد وتحريرها من الارتباط بمصالح أصحاب النفوذ وتعزيز الشفافية في قرارات الاستثمار المحلي من أجل المحافظة عليها وتنميتها.. وكيفية اقناعهم بضرورة الاستثمار في المواطن الكويتي وتأهيله..

في أحد الاجتماعات قال الدكتور فهد الراشد أن الشيخ جابر الأحمد رحمه الله كان يتمتع ببعد نظر، ويعود له رحمه الله الفضل في إطلاق فكرة إنشاء المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لتحقيق التأمين الاجتماعي للأفراد، وفكرة احتياطي الأجيال القادمة لتأمين مستقبل آمن للدولة. ويضيف الدكتور فهد أن من واجبنا اليوم أن نعمل على تحسين إدارة التأمينات الاجتماعية والمحافظة على أموالها وتنميتها بالشكل الصحيح، وكذلك تحسين إدارة الاستثمارات الكويتية. ويؤكد أن وضع التأمينات الاجتماعية والاستثمارات الكويتية منذ سنوات ولغاية اليوم ليس هو الوضع الأمثل إطلاقا إذ ابتعدت الهيئة العامة للاستثمار وكذلك المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية عن الأهداف الاستراتيجية من وراء تأسيسهما في الأصل. ويرى الدكتور فهد الراشد أن المسؤولية عن الخلل القائم تقع على عاتق الحكومة ومجلس الأمة. أما عن مسؤولية الحكومة فيراها متحققة في عدم الاهتمام بتعيين أصحاب الخبرة والكفاءة والأمانة والتأهيل، ويراها متحققة أيضا في تعدد 'مرجعيات' القرار وكذلك تغلغل الفساد. أما مسؤولية مجلس الأمة فإن مجرد مراجعة سريعة لتقارير ديوان المحاسبة حول الهيئة العامة للاستثمار ومؤسسة التأمينات تكفي لاستنتاج أن مجلس الأمة مقصر في ممارسة دوره الرقابي وفي اقتراح المعالجات.

كانت جلساتنا ممتعة مفعمة بالحيوية والأمل.. لكنها كانت أيضا، ومع الأسف، تمتزج بطعم مر.. هو طعم بعض الأمثلة التي تداولناها على الفساد العظيم أو على نقص الكفاءة وما يترتب عليه من ضياع مقدرات وأموال الشعب الكويتي. لقد رصدنا بعض الأسماء التي ما أن تركت منصبها الرسمي حتى 'كشفت راسها' وارتمت في أحضان هذه المجموعة الاقتصادية أو تلك، مما يدفع إلى التساؤل: هل كانوا يدينون بالولاء لتلك المجموعة أثناء قيامهم بعملهم الرسمي؟! هل كانوا يقبضون ثمن 'تجيير' القرارات؟! أنا أتحدث هنا عن وزراء سابقين!

قصة..
في 25 سبتمبر من العام الماضي، قام الدكتور فهد الراشد شخصيا بتقديم بلاغ إلى النائب العام حول وجود ما اعتبره من قبيل الفساد في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وقد استند على نص المادة (18) من قانون حماية الأموال العامة التي تعاقب من يعلم عن ارتكاب جريمة من جرائم المال العام ويمتنع عن إبلاغ النيابة العامة بها. وفي بلاغه وجه الدكتور فهد الراشد اتهاما مباشرا إلى مدير عام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بالحصول على عمولات نتيجة بعض عمليات الاستثمار، وقدم بيانات تفصيلية تتضمن رقم الحساب المصرفي الذي تم تحويل العمولات إليه. كما اتهم مدير عام المؤسسة بالتسبب في خسائر لأموال التأمينات الاجتماعية بمئات الملايين من الدنانير، واتهمه أيضا بالتلاعب في الحسابات النهائية من أجل عدم إظهار الخسائر. وختم بلاغه بقوله: '.. ولذا فإنه من الأهمية وبمبررات عدم استمرار الهدر والخسائر والضياع لأموال المؤسسة (المتقاعدين، الأرامل) حيث أن المؤسسة سوف تتسلم مبلغ يتجاوز عشرة مليارات دينار خلال السنتين القادمتين لاستثمارها، فإن كل ما سبق يستلزم تبين الحقيقة لإيقاف العبث والهدر والخسائر لأموال المؤسسة بأسرع ما يمكن'.
هذا وقد مضى على تقديم البلاغ إلى النيابة العامة نحو تسعة أشهر..

قصة أخرى..
قبل عدة سنوات قررت الهيئة العامة للاستثمار تخفيض استثماراتها في الدول العربية نظرا لعدم تحقيق تلك الاستثمارات العائد المأمول.. إلا أن إحدى المجموعات الاقتصادية الكويتية الخاصة ذات النفوذ العظيم قررت الاستثمار في كل من سوريا ومصر ولبنان ودول عربية أخرى.. فجأة، قامت الهيئة العامة للاستثمار قبل نحو سنة ونصف بتغيير جذري لاستراتيجيتها وعادت تخطط لاستثمار نحو 65 مليار دولار من أموالنا على مدى عشر سنوات في الدول العربية وبصورة قد توحي بوجود صلة بين قرار المجموعة الخاصة وقرار الهيئة العامة للاستثمار، إذ يبدو أن المجموعة الخاصة نجحت في 'استدراج' الهيئة ومؤسسة التأمينات للوقوع في فخ كبير وربط استثمارات الدولة باستثمارات المجموعة الخاصة مع تبعية استثمارات الدولة لاستثمارات تلك المجموعة.. وفق معادلة الخسارة على الحكومة والربح للمجموعة!

وقصة ثالثة..
المجموعة الاقتصادية ذاتها تملك كما هو معلن حاليا ما نسبته 13.6% في واحدة من شركات الاتصالات، في حين تملك الحكومة في الشركة ذاتها نحو 24.4%. وعلى الرغم من حجم الملكية الحكومية، إلا أن المجموعة الاقتصادية الخاصة هي التي تتحكم وتدير الشركة وتعين رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب، ولها أكثر من ممثل في مجلس الإدارة. في حين أن للحكومة ممثل واحد فقط! في هذه الشركة تمت زيادة رأس المال وكانت حصة الهيئة من تلك الزيادة ما يجاوز 500 مليون دينار.. وبالطبع قامت هيئة الاستثمار بدفع حصتها تلك ولم تمارس حقها في المشاركة في القرار أو الاعتراض عليه، بممارسة انتقائية جعلت دور الهيئة هامشي يختلف عما طبق في ممارسات سابقة مع شركات أخرى. إن هذا الوضع 'خصخصة' عملية لملكية الحكومة ومن دون مقابل!

والآن.. ماذا نريد؟
هذا السؤال طرحناه في اجتماعاتنا. ثم قررنا مخاطبة الرأي العام بوضوح من خلال هذا المقال، ورسالتنا، الدكتور فهد الراشد وأنا، هي أننا لسنا بصدد البحث عن دور.. ولا نبغي التشهير في أحد.. ولسنا مع هذا الطرف ضد ذاك.. كل ما نتمناه هو تنبيه المجتمع إلى وجوب التحرك لتحرير اقتصادنا ولمكافحة الفساد ولحماية مؤسساتنا المالية.. لتحرير أموالنا وقرارنا الاقتصادي من سيطرة أصحاب المصالح ومن إدارة من لا يملك القدرة أو الكفاءة أو الأمانة.. لتصحيح مسار استثماراتنا الداخلية والخارجية وفك ارتباطها بالمصالح الخاصة لبعض المجموعات، وأن تكون غايتها تحقيق المنفعة العامة.. لضمان عدم تعرض تلك الاستثمارات للنهب كما حدث خلال فترة الغزو العراقي، وللعمل على الحد من الخسائر الناتجة عن فقدان الكفاءة في إدارة الاستثمار.. نتمنى أن يتحول الرأي العام من متفرج إلى عنصر متحرك وفاعل وضاغط في قضية مكافحة الفساد.. نريد للرأي العام أن يعرف الحقائق.. فيتحرك ويضغط ويصحح المسار.. نريد العمل الجماعي المنظم.

ولكن.. وعلى الرغم من وجود منظومة حلول فنية ذات طابع اقتصادي وقانوني وتنظيمي في حوزتنا، إلا أننا، الدكتور فهد الراشد وأنا، حتى هذه اللحظة لا نملك خطة نهائية مفصلة للعمل.. لذلك رأينا مخاطبة الرأي العام عبر هذا المقال حول ما نفكر به.. ونسعى لتوفير توافق أشمل حول أفكارنا.. لذلك فإن مجال المساهمة مفتوح أمام كل من يملك الفكرة والمعلومة والرغبة الجادة.. نتمنى أن تتحول أفكارنا الأولية إلى عمل وجهد جماعي منظم علني شفاف لا تخالطه أبدا رغبات أو أهداف شخصية..

يقينا هناك شرفاء وأخيار يشاركوننا القلق والاهتمام.. لذلك نتمنى التواصل مع كل من يرغب في العمل الإيجابي.. دعونا نعمل مع الدكتور فهد الراشد من أجل الكويت.. والكويت فقط.

 

الآن - ميزان

تعليقات

اكتب تعليقك