د. حسن جوهر يدعو الإعلام إلى ترك البرامج للتقييم الجماهيري وأن يتم إفساح الفرصة للجميع لتقديم ما لديهم من غث وسمين

زاوية الكتاب

كتب 949 مشاهدات 0




مسلسلات رمضان السياسية!
د. حسن عبدالله جوهر
 
ما يشهده الإعلام الكويتي، خصوصاً على مستوى الصحافة المحلية والقنوات الفضائية الأهلية، عبارة عن زخم معلوماتي جارف وكبير وطفح لمادة إعلامية متدفقة ومستمرة تعكس من جهة التنافس بكل صوره وأشكاله بين الصحف الجديدة والمحطات الخاصة، وكثرة المواهب الإعلامية والفنية التي تشكل تحدياً بين الجيل التقليدي والفئة الشبابية من جهة أخرى.

وعادة ما يكون شهر رمضان فرصة سانحة لتقديم البرامج الجديدة والمثيرة لاستقطاب المشاهد على مدار الساعة ومواقيت الذروة على وجه التحديد، ولذلك تحاول وسائل الإعلام المختلفة إثبات وجودها ولو بالبرامج الصاخبة والجدلية كإثبات وجود في ظل المساحة الشاسعة للحريات العامة، وفي بلد ديمقراطي مثل الكويت حيث السياسة ذات الإسقاطات المباشرة على الواقع السياسي اهتمام استثنائي بل تكون هي المفضلة لدى شرائح عريضة من المشاهدين، ومن أمثلة هذه البرامج تلك التي تتقمص شخصيات أعضاء مجلس الأمة والحكومة وأصحاب النفوذ والتي أثيرت أخيراً وتعاملت معها وزارة الإعلام بقسوة وصلت إلى حد إيقاف بعضها وتحويل البعض الآخر إلى المحاسبة القانونية.

وبصراحة فإن هذا النوع من التعامل مع تلك المسلسلات والبرامج لا يزيدها إلا الإصرار والشغف على المتابعة والنجاح ولو من الأبواب الخلفية كالإنترنت والأقراص المدمجة ولن يُكسب وزارة الإعلام إلا المزيد من الانتقاد في مصادرة الحريات، ولهذا أيضا يجب أن تترك هذه البرامج للتقييم الجماهيري وأن يتم إفساح الفرصة للجميع لتقديم ما لديهم من غث وسمين ومن مواضيع جادة وأخرى هزلية أو حتى للقضايا البناءة والأخرى السطحية والبطالة لتكون الثقافة المجتمعية ووعي الرأي العام هي الكفيلة بإنجاح أو إسقاط ما تشاء إلى أن تستقر هذه الزوبعة الإعلامية، وإن كان هذا صعب الحدوث طالما كانت مشاكل المجتمع متجددة ومغذية لاستمرار النقد والسخرية، خصوصاً في بعدها السياسي. وعلى الشخصيات العامة قبول هذا الواقع الإعلامي بحلوه ومرّه فهذا قدرهم طالما ارتضوا تحمل مسؤولية المواقع العامة في الدولة، حيث لا يمكن مجاراة الماكينة الإعلامية إلا من خلال طرح البديل أو الاستمرار في النهج الذي تؤمن به هذه الشخصيات مادامت مقتنعة بعملها ومبادئها ولا يمنع أبداً أن يستفيد المرء من النقد إذا كان بهدف الإصلاح أو كشف جوانب القصور والتقصير.

كما أن قوانين الدولة سواء فيما يتعلق بالمطبوعات والنشر أو المرئي والمسموع فقد كفلت حق التقاضي للمتضرر واللجوء إلى المحاكم لرد الاعتبار أو مجازاة من تعمد الإساءة إلى كرامتهم أو المساس بهم دون وجه حق أو خالف أحكام القانون في ضرب الوحدة الوطنية أو الاستهزاء بأي من شرائح المجتمع. أما المفارقة الأكبر في ما نراه اليوم فتكمن في الثقافة السياسية الجديدة، فالناس بدأت تقبل وتتابع القصص والمسلسلات السياسية الساخرة وتقمص شخصيات الأعضاء وتشخيص صور الفساد الإداري والمالي والأخلاقي، ومثل هذا الحق أصبح محصناً للكتاب والمؤلفين والممثلين ولكنه أصبح محل تشكيك ورفض وسخرية لأصحاب الشأن أنفسهم، خصوصاً من النواب علماً بأنهم السلطة الدستورية الوحيدة المخولة بالمحاسبة والمساءلة وقد تم انتخابهم فقط لممارسة هذا الدور، بل إنهم دائماً في طليعة من يقفون ويتصدون للحكومة للدفاع حتى عمن يقومون بنقدهم والاستهزاء بهم، وهذه قمة الأخلاق الديمقراطية، مضمون الحريات والدفاع عن حرية الرأي من المبادئ الدستورية التي يجب الدفاع عنها ليس من أجل عين فلان وعلان إنما من أجل ديمقراطيتنا حيث الجميع متساوون في حرياتهم وطرق التعبير عنها سواء كانت مرضية لنا أو ساخطة علينا، وعزاؤنا في ذلك كما قال صاحب السمو الأمير بأننا نعشق الديمقراطية.

 

الجريدة

تعليقات

اكتب تعليقك