تعليقا على رأي إدارة الفتوى والتشريع

زاوية الكتاب

'احالة مصروفات ديوان رئيس الوزراء للنيابة لا يسقط المسئولية السياسية

كتب 5319 مشاهدات 0

فيصل اليحيى

كتب المحامي فيصل اليحيى تعليقا على رأي إدارة الفتوى والتشريع الصادر بالفتويتين المتعلقتين بشأن الأسئلة البرلمانية المتعلقة بمصروفات ديوان رئيس الوزراء، والتي وجهها بوقت سابق النائب د.فيصل المسلم، وفي يلي نص التعليق :

التعليق على رأي الفتوى والتشريع

الصادر بالفتويتين رقمي 4645/2009 المؤرخة 19/8/2009 ، 4147/2009 المؤرخة 26/7/2009

بشأن الأسئلة البرلمانية المتعلقة بمصروفات ديوان رئيس الوزراء

الأساس الذي قامت عليه الفتوى وما انتهت إليه في رأيها:

ذهبت الفتوى الأولى إلى أن الأسئلة الموجه من النائب الدكتور فيصل المسلم «والمتعلق بمصروفات ديون رئيس الوزراء وموضوع الشيكات» لا تتعلق بالسياسة العامة للحكومة ومن ثم فإنه لا يجوز توجيهها لرئيس الوزراء لمخالفته للدستور.

وذهبت الفتوى الثانية إلى أنه لا يجوز للعضو أن يتناول في أسئلته موضوع تقرير ديوان المحاسبة المتعلق بمصروفات ديوان الرئيس باعتبار أن هذا الموضوع قد أحيل إلى النيابة العامة ودخل في اختصاص السلطة القضائية.

وما ذهبت إليه إدارة الفتوى والتشريع برأيها المتقدم يصطدم بجملة من الحقائق الواقعية والقانونية التي نفصلها على النحو التالي:

  أولا: التعليق على ما جاء بالفتوى الأولى:

تنص المادة «99» من الدستور على أن: لكل عضو من أعضاء مجلس الأمة أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء وإلى الوزراء أسئلة لإستيضاح الأمور الداخلة في اختصاصهم.

ويبين من النص المتقدم أنه حصر موضوع السؤال فيما يدخل في اختصاص المسؤول، بما مؤداه أن يكون توجيه السؤال إلى رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء في نطاق الإختصاص القانوني لكل منهم.

وجاء بالمذكرة الإيضاحية ـ التي تستند عليها الفتوى المتقدمة ـ:أن الأسئلة إنما توجه إلى رئيس الوزراء عن السياسة العامة للحكومة أما الهيئات التابعة لرئاسة الوزراء أو الملحقة بها فيسأل عنها وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء...

ومن المهم أن نبين هنا بأن المقصود بالهيئات التابعة لمجلس الوزراء أو الملحقة به والتي يسأل عنها وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء هي تلك الهيئات التي تكون خاضعة للسلطة الرئاسية أو الإشرافية للوزير والتابعة إداريا له والذي يكون هو بحكم منصبه المسؤول عنها سياسيا «مثل الأمانة العامة لمجلس الوزراء وديوان الخدمة المدنية وإدارة الفتوى والتشريع وغيرها»

في حين أن ديوان رئيس الوزراء غير تابع إداريا لوزير الدولة ولا يدخل في نطاق اختصاصاته ولا يمارس عليه أي نوع من أنواع السلطة، فهذا الديوان تابع مباشرة لرئيس الوزراء، والأعمال المنسوبه له أو الصادره عنه تدخل حصريا في نطاق مسؤولياته سواء الإدارية أو السياسية وحده دون سواه.

وإذ كانت المحكمة الدستورية ـ وفقا لقرارها رقم 3 /2004 الصادر في 11 /4 /2005 بشأن تفسيرها نص المادة «99» من الدستور ـ قد حصرت حق النائب في توجيه السؤال إلى الوزير فيما يدخل في اختصاصه فقط دون سواه أو في نطاق أعمال وزارته دون أي أعمال أخرى تقع خارج هذا النطق، فإن ذلك يؤكد خروج أعمال ومصروفات ديوان رئيس الوزراء عن نطاق اختصاص وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء أو أي وزير آخر باعتبار أن ديوان رئيس الوزراء ليس هيئة من الهيئات التابعة أو الملحقة بمجلس الوزراء، إنما هو إدارة تابعة مباشرة لرئيس الوزراء ولصيقة به شخصيا، فإذا كان لا يجوز توجيه السؤال لأي وزير عن أعمال تقع خارج نطاق اختصاصه ومسؤولياته ـ وفقا لما جاء بقرار المحكمة الدستورية المشار إليه سلفا ـ فإنه لا يجوز تبعا لذلك توجيه الأسئلة البرلمانية المتعلقة بمصروفات ديوان رئيس الوزراء لغير رئيس الوزراء نفسه كونه المسؤول الوحيد إداريا وسياسيا عن ديوانه ومصروفاته وكون هذه الأعمال وتلك المصروفات غير داخلة في اختصاص أي وزير آخر، وبالتالي فإن توجيه هذه الأسئلة لأي وزير غير رئيس الوزراء هي التي تعد مخالفة دستورية وليس العكس، وهو ما يبين معه بطلان الأساس الذي قام عليه رأي إدارة الفتوى والتشريع وفقده لسنده الصحيح من الواقع والقانون.

 ثانيا: التعليق على ما جاء بالفتوى الثانية:

ذهبت الفتوى الثانية إلى أنه لا يجوز للعضو أن يتناول في أسئلته موضوع تقرير ديوان المحاسبة المتعلق بمصروفات ديوان الرئيس بإعتبار أن هذا الموضوع قد أحيل إلى النيابة العامة ودخل في إختصاص السلطة القضائية، وبالتالي لا يجوز إثارته في المجلس حتى تفرغ النيابة ومن بعدها المحكمة من النظر والفصل فيه، وإلا عد ذلك تدخلا من قبل المجلس في اختصاص السلطة القضائية.

وما جاء بهذا الرأي أيضا يفتقد للسند الصحيح وذلك على النحو التالي:

-1 المادة «50» من الدستور ودلالاتها:

تنص المادة «50» من الدستور على أن: يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقا لأحكام الدستور، ولا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل أو بعض اختصاصها المنصوص عليه في الدستور.

ومن هنا يبين ـ وعلى نحو ما سطره قرار المحكمة الدستورية رقم «8/2004» في شأن تفسير المادتين «100» و«101» من الدستور ـ أن:الدستور قد رسم لكل سلطة من السلطات الثلاثة المجال الذي تعمل فيه، محددا اختصاصها واستقلال كل سلطة بذاتها، بما يحقق المساواة والتوازن بينها توازنا لا يجعل لإحداها مكنة استيعاب الآخرين، وأقام الدستور توزيع هذه الاختصاصات على أساس مبدأ فصل السلطات، دون أن يجعل ذلك فصلا تاما، بل فصلا مصحوبا بالتعاون والتآزر فيما بينها، وبما يسمح بتعدد الأفرع لنشاطها، وبوجود قدر من التداخل، وموازنتها ببعض، مع تبادل الإشراف والرقابة فيما بينها.

كما حظرت المادة المشار إليها نزول أي من السلطات الثلاثة عن كل أو بعض اختصاصاتها المنصوص عليها بالدستور، والتي من أبرزها بالنسبة للسلطة الرقابية المخولة لمجلس الأمة حق السؤال «المادة 99 من الدستور» وحق تأليف لجان التحقيق «الماد 114» وحق الاستجواب وحق سحب الثقة وحق إعلان عدم إمكانية التعاون مع رئيس مجلس الوزراء «للمواد 100، 101، 102»

ومن هنا يبين أن ممارسة العضو منفردا أو المجلس مجتمعا لأي حق من حقوقه في الرقابة السياسية على الحكومة يعد في حقيقته واجب عليه إذا ما استكمل جميع شرائطه، فلا يجوز له النزول عنه من ناحية، ولا يجوز له تعطيله من ناحية أخرى، وإن إحالة أي موضوع للنيابة أو المحكمة لإستنهاضها اختصاصها بالجانب الجنائي للموضوع لا يغل يد المجلس ولا يمنعه عن إستخدام أدواته الرقابية عن ذات الموضوع في إطار إثارة المسؤولية السياسية للحكومة، وهو ما سنبينه تفصيلا على النحو التالي:

-2 فيما يتعلق بالتفريق بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية السياسية:

يثور السؤال دائما: هل إحالة موضوع معين إلى النيابة العامة بسبب وجود شبه جنائية فيه يمنع قانونيا أو يحول دون تقديم أسئلة برلمانية عنه أو تشكيل لجان تحقيق برلمانية بخصوصه أو تحريك أداة الاستجواب عن ذات الموضوع للوزير أو رئيس الوزراء المسؤول عنه سياسيا؟

وردا على ذلك نقول: أنه جاء بالمذكرة الإيضاحية للدستور بأن:مجرد التلويح بالمسؤولية فعال عادة في درء الأخطاء قبل وقوعها أو منع التمادي فيها أو الإصرار عليها، ولذلك تولدت فكرة المسؤولية السياسية تاريخيا عن التلويح أو التهديد بتحريك المسؤولية الجنائية للوزراء، وقد كانت هذه المسؤولية الجنائية هي الوحيدة المقررة قديما.

ووجه الدلالة فيما تقدم هو تفريق المذكرة الإيضاحية للدستور بين المسؤولية الجنائية التي تختص النيابة العامة بالتحقيق والتصرف فيها وفقا لنص المادة «167» من الدستور، وبين المسؤولية السياسية للوزير أو رئيس مجلس الوزراء والتي لا يمتلك حق تحريكها إلا مجلس الأمة من خلال أدوات الرقابة الدستورية التي يمتلكها.

وعليه فإن إثارة إحدى المسؤوليتين بمناسبة واقعة معينة لا يدرأ المسؤولية الأخرى ولا يسقطها بمناسبة ذات الواقعة، ومن ثمة فإن إحالة أمر مصروفات ديوان رئيس الوزراء للنيابة العامة لوجود شبهة جنائية في الموضوع لا يسقط بأي حال من الأحوال المسؤولية السياسية لرئيس الوزراء عن ذات الموضوع سواء انتهت القضية عند النيابة ـ ومن بعدها المحاكم الجنائية ـ إلى الإدانة أو البراءة، باعتبار أن المسؤولية السياسية تختلف عن المسؤولية الجنائية.

وهذا ما أكدت عليه المحكمة الدستورية بحيثيات قرارها رقم «1/1986» وذلك بالنص على أنه:لا وجه لقياس التحقيق السياسي على التحقيق الجنائي لاختلاف طبيعة كل منهما وغايته والنتيجة المترتبة عليه.

ذلك باعتبار أن الأدوات الدستورية التي يمتلكها المجلس في رقابته على أعمال السلطة التنفيذية تقوم على أساس تحقيق المسؤولية الوزارية السياسية أمام المجلس النيابي بطريقة فعالة، وتحقيق رقابة الأمة على أعمال وأداء الحكومة، فهذه الأدوات تحمل معنى المحاسبة السياسية التي قد يستتبعها طرح موضوع الثقة أو عدم التعاون حتى لو لم تتحقق المسؤولية الجنائية بحق الوزير أو رئيس الوزراء.

ومن ثمة فإن المساءلة السياسية تفترق عن المساءلة والتحقيق الجنائي الذي تجريه النيابة العامة والذي لا يكون إلا في حدود قانون الجزاء وفي نطاق الجرائم التي نص عليها ذلك القانون بهدف توجيه الاتهام وتحريك المسؤولية الجنائية ضد مرتكبها وهو ما قد يستتبع صدور حكم بالإدانة الجنائية أو البراءة.

وعليه فإن القول بعدم دستورية الأسئلة المتعلقة بمصروفات ديوان رئيس الوزراء بحجة أن موضوع المصروفات بات معروضا على النيابة العامة للتحقيق فيه من الناحية الجنائية، قول يخالف على نحو واضح ما هو ثابت بالدستور وما أكدته المحكمة الدستورية وجرت عليه أحكامها من التفريق بين المسؤولية السياسية والمسؤولية الجنائية في الطبيعة والغاية والنتيجة.

أما إستناد الفتوى لما جاء بالبند «خامسا» من منطوق قرار المحكمة الدستورية رقم 3/2004 بشأن تفسير نص المادة «99» من الدستور والذي جاء به: أنه لا يجوز أن يكون من شأن السؤال التدخل في شؤون السلطة القضائية فهو استناد في غير محله وقائم على فهم غير صحيح للواقع والقانون، ذلك أن المحظور وفقا لهذا القرار هو فقط عدم جواز التدخل في إجراءات سير القضية المنظورة أمام النيابة أو المحكمة، وهي الإجراءات الداخلة ضمن إطار اختصاص وعمل السلطة القضائية، وهذا الإختصاص بطبيعة الحال لا يحول دون ممارسة المجلس لإختصاصاته في إطار رقابته السياسية على أعمال الحكومة، هذه الرقابة التي لا يمكن ولا يجوز وقفها بمجرد الإحالة للقضاء باعتبار أن نطاق الرقابة والاختصاص لكل من السلطتين يختلف في الطبيعة والغاية والنتيجة.

ومن هنا يبين أيضا بطلان هذا الرأي لقيامه على سند غير صحيح من الواقع ولمخالفته للقانون والخطأ في فهمه وتطبيقه وتأويله.

فضلا عن ذلك فإن المراجعة السريعة لطبيعة ونوعية الأسئلة المقدمة من النائب الدكتور فيصل المسلم لرئيس الوزراء يبين منها أنها لا تتعلق بشؤون وأعما السلطة القضائية أو تتدخل في اختصاصاتها، وأنها جميعا تأتي في إطار متابعة الإجراءات الحكومية المتعلقة بموضوع مصروفات ديون رئيس الوزراء على ضوء تقرير ديوان المحاسبة وذلك استنادا لمسؤوليتها السياسية.

والملاحظة الجديرة بالإهتمام أيضا فيما يتعلق برأي إدارة الفتوى والتشريع أنه لم يتعرض لموضوع سؤال الشيكات التي يقال أنها صدرت باسم رئيس الوزراء لبعض النواب!! فإذا كان رأي الفتوى قد انتهى ـ على النحو المتقدم بيانه ـ إلى عدم جواز طرح الأسئلة المتعلقة بتقرير ديوان المحاسبة الخاص بمصروفات ديوان رئيس الوزراء بحجة إحالتها للنيابة العامة ـ وهي حجة سبق تفنيدها وبيان بطلانها ـ فما هو رأيها في امتناع الحكومة عن الإجابة على الأسئلة المتعلقة بالشيكات؟! ولماذا لم يتعرض رأي الفتوى لهذا الموضوع رغم ذكره في وقائع طلب الرأي؟!

-3 واقع الممارسة العملية:

إن المراقب لواقع الممارسة العملية والمستقرئ للتاريخ يجد أن هناك الكثير من القضايا التي أثيرت بمجلس الأمة وكانت محلا للسؤال أو التحقيق البرلماني أو حتى الإستجواب في ذات الوقت التي كانت فيه معروضة على النيابة العامة أو المحاكم، ومن هذه القضايا على سبيل المثال لا الحصر:

-  استجواب وزير الإعلام سعود الناصر على خلفية السماح بعرض بعض الكتب الممنوعة.

- استجواب وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد الكليب على خلفية الأخطاء في طباعة القرآن الكريم.

-  استجواب وزير الإسكان عادل الصبيح على خلفية بعض القرارات المتعلقة بالاسكان.

-  استجواب وزير النفط علي الجراح على خلفية قضية الناقلات.

-  لجنة التحقيق في هليبيرتون.

- لجنة التحقيق في إعلان الأهرام.

- ومؤخرا وفي آخر جلسة شكل المجلس لجنتي تحقيق في قضايا منظورة أمام النيابة والقضاء وهي:«حادثة محطة مشرف ـ وطوارئ كهرباء 2007»... وغيرها.

والثابت في كل ما تقدم أن أي من هذه القضايا أو غيرها لم تثر بشأنه موضوع عدم الدستورية، ولم يدع أحد بوجوب توقف المجلس عن مناقشتها أو التحقيق فيها إلى حين انتهاء القضاء من الفصل فيها.

باعتبار أن تناول كل من النيابة والمحاكم للمواضيع المشار إليها وغيرها يختلف في طبيعته ومداه وغايته والنتيجة المترتبة عليه عن تناول مجلس الأمة لها، وهذا ما سبق بيانه وتفصيله سلفا، فلا تعارض ولا تناقض في هذا الصدد طالما أن كل سلطة من هذه السلطات ملتزمة في تناولها للموضوع بحدود اختصاصها دون الإفتئات على اختصاص الأخرى.

الآن - المحرر القانوني

تعليقات

اكتب تعليقك