يجب ألا ننفض أيدينا من الديمقراطية بقلم جدعون راتشمان
الاقتصاد الآنمارس 11, 2012, 3:17 م 663 مشاهدات 0
شهدت نهاية الأسبوع الماضي استعراضاً عمليا للديمقراطية الزائفة. ففي روسيا تم الإعلان عن عودة فلاديمير بوتين إلى السلطة في الكرملين على ظهر موجة كاسحة من الأصوات، بعد فوز مذهل مثير للريبة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية. ونظمت إيران أول انتخابات برلمانية لها منذ الانتخابات الرئاسية المزورة عام 2009 والقمع العنيف للحركة الخضراء. وفي الصين عقد مؤتمر الشعب الوطني – البرلمان الشكلي الصيني الجاهز دائماً للتوقيع – اجتماعه السنوي. ومن المصادفة، لكن ربما ليس من قبيل الصدفة، أن هذه البلدان الثلاثة من أشد حماة الدولة السورية القاتلة التي يحكمها حزب واحد.
يفترض أن يوفر هذا المشهد المذهل بأكمله وقفة للتفكير لأولئك الذين يحبون أن يصدقوا أن موجة لا تقاوم من الديمقراطية تجتاح العالم. لكن لا بد أن الأحداث في روسيا وإيران والصين تعطي شكلاً منحرفاً من أشكال التشجيع للديمقراطيين. فعلى الرغم من انتقادهم لعيوب ونفاق الديمقراطيات الغربية، يشعر المستبدون في العالم أنهم مجبرون على تقليد ممارساتها.
ويصر الروس – دون أن يرمش لهم جفن – على أنهم فعلوا كل شيء بوسعهم لمنع التزوير في الأصوات. ويتباهى الإيرانيون بحجم الإقبال على الانتخابات. وحتى في الصين، حيث لا تجرؤ السلطات على المخاطرة بإقامة انتخابات في أنحاء الصين (وإن كانت انتخابات بخصائص إيرانية)، أشارت الخطابات الافتتاحية لمؤتمر الشعب الوطني بشكل متكرر إلى الطبيعة 'الديمقراطية' للسياسة الصينية.
الرغبة الملحة للاستبداديين في ارتداء ثوب الديمقراطية هي مجاملة ضمنية للدول الديمقراطية. وهذا مهم، لأن الديمقراطيات الغربية تمر بأزمة ثقة يتم مراقبتها عن كثب.
أنا الآن في الصين، وقد فوجئت بمدى الاهتمام بالأزمة السياسية والاقتصادية في أوروبا. وقد أخبرتني أكاديمية ليبرالية، وهي مناصرة قوية للإصلاح الديمقراطي في الصين، أنها كثيرا ما تسمع وجهة النظر القائلة إن أزمة أوروبا تظهر العيوب المتأصلة في الديمقراطية. ويتمحور الجدل حول أن السياسيين في أوروبا اشتروا السلطة عن طريق رشوة الناخبين باستحقاقات الرعاية الاجتماعية غير المستدامة. وبما أنهم يواجهون الآن الأزمة الاقتصادية الناجمة عن ذلك، فهم غير قادرين على إجراء الإصلاحات اللازمة. وقد وُجه إلي السؤال التالي: ما أفضل رد على هذا النقد بالنسبة لشخص يحاول الدفاع عن الديمقراطية في الصين؟
لا بد أن أعترف أني بذلت جهدا كبيرا لتشكيل رد متماسك. فهناك بعض الحقيقية في الفكرة القائلة إن الديمقراطية تغري السياسيين بتقديم وعود لا يمكنهم الوفاء بها – وتثنيهم عن محاولة إجراء إصلاحات صعبة. ففي اليونان وإيطاليا كان أداء السياسيين المنتخبين سيئاً للغاية في الأزمة الاقتصادية بحيث تم استبدال بتكنوقراطيين غير منتخبين بهم مؤقتاً.
وخيبة الأمل الكبيرة في العملية الديمقراطية واضحة كذلك في الولايات المتحدة، حيث تظهر استطلاعات الرأي دائماً تراجع الشعور باحترام السياسيين إلى مستويات متدنية قياسية. وكان مشهد الصيف الماضي المتمثل في المشاحنات السياسية في الكونغرس، التي كادت أن تؤدي إلى تخلف غير مخطط عن السداد، مثيراً للإحباط. وليس هناك الكثير مما يدل على أن الولايات المتحدة تستجمع إرادتها لمعالجة مشكلة ديونها المتزايدة. ويعود ذلك إلى حد كبير إلى كون السياسيين يعرفون أنه ستتم معاقبتهم بشدة إذا اتخذوا الإجراءات اللازمة.
للديمقراطية عيوبها: الشعبوية، والقوة المفرطة لجماعات الضغط، والرغبة الملحة بتقديم وعود لا يمكن الوفاء بها، والتنصل من الإصلاحات. لكن كما ذكرتنا جميعاً الثورتان المصرية والتونسية، يميل النظام الاستبدادي إلى إظهار أعراض كئيبة تدل على الخلل الوظيفي، مثل الفساد، والظلم، وقسوة الشرطة، والتعذيب، والحرمان من حرية التعبير. كذلك علينا ألا ننسى أن المجتمعات العربية التي انتفضت لم تكن دليلاً صارخاً على تفوق الإدارة الاقتصادية الاستبدادية.
أحدث الربيع العربي هزة قوية في أركان الأنظمة التسلطية في العالم. ولدى الإيرانيين، باعتبارهم من الجيران القريبين للمنطقة العربية، أسباب قوية للتخوف من إحياء حركة الاحتجاجات في داخل إيران نفسها. كما أن النصر الذي حققه بوتين ملوث بالاحتجاجات والسخرية التي استمرت منذ كانون الأول (ديسمبر)، حين اندفعت جموع المتظاهرين في موسكو إلى الشوارع.
حتى الحكومة الصينية، المسلحة بالطفرة الاقتصادية المتواصلة، تشعر بتوتر واضح. وقد ازدادت حدة التضييق على المعارضين منذ الربيع العربي. ويعتقد عدد مفاجئ من المراقبين الصينيين والأجانب في بكين، بحسب تعبير أحد المحللين، أن 'هذا المكان يمكن أن ينفجر في أية لحظة'.
إن المصادر المحتملة لزعزعة الاستقرار في الصين كثيرة ومتنوعة. فهي تشتمل على الغضب من الفساد، والنزاعات على الأراضي، والاختلالات الاقتصادية، والمشاكل البيئية. لكن المشكلة الأساسية وراء ذلك كله هي أن الصين، في غياب نظام ديمقراطي، لا تتمتع بمتنفس مأمون للاحتجاجات.
حين احتل مواطنون عاديون ميدان التحرير، كان ذلك بداية النهاية لنظام مبارك في مصر. ولو حدثت مظاهرات مماثلة في بكين فإن ذلك سيكون تهديداً هائلاً لحكم الحزب الشيوعي – وهذا هو السبب في أنه تم في السنة الماضية سحق الاحتجاجات بسرعة في مراحلها الأولى. بالمقابل، حين احتل المحتجون منطقة وول ستريت، حصلوا على قدر كبير من الاهتمام – لكن أشد المتحمسين منهم فقط هو الذي ساوره اعتقاد بأن نظام الحكم في الولايات المتحدة كان معرضاً لتهديد خطير. يمكن أن تترنح الديمقراطية أمام اللكمات، لكن الأنظمة الاستبدادية لها فك من زجاج.
حتى في اليونان، يجادل المتظاهرون من أجل سياسات جديدة وسياسيون جدد – وليس من أجل التخلي عن النظام الديمقراطي. بالمقابل، لا يستطيع كل النجاح الاقتصادي في الصين أن يغير المفهوم السائد، في كل من الصين وفي مختلف أنحاء العالم، أنه لا بد للنظام السياسي الحالي من أن يتغير. إن قدرة الصين على إنجاز الأمور أثارت الاهتمام والغيرة، لكن من الصعب أن نفكر في أية أمة يوجد فيها طلب شعبي على تبني النظام السياسي الصيني.
إن الديمقراطيات العالمية، بصرف النظر عما تبدو عليه من أنها ترزح تحت ثقل الديون وتعاني من الاختلال الوظيفي، إلا أنها لا تزال هي الفائزة في مسابقة الجمال العالمي.
تعليقات