خطوة نحو إعادة التوازن للاقتصاد الصيني ..بقلم مارتن وولف
الاقتصاد الآنإبريل 9, 2012, 3:22 ص 730 مشاهدات 0
إن اقتصاد الصين آخذ في التغير، وهو في الواقع ينبغي أن يتغير، كما زعمت منذ أسبوعين مضيا. ويكمن الخبر السار في مستوى إعادة التوازن الخارجي، أما الخبر السيئ فهو أن هذا المستوى سيكون على حساب اختلالات داخلية أكبر.
إن توازن المدفوعات في الصين في صعود وهبوط، وهكذا فقد ارتفع فائض الحساب الجاري من 2.8 في المائة إلى 10.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2003 و2007، ثم هبط الفائض بحدة إلى 2.9 في المائة بحلول عام 2011، وخلال الفترة نفسها، انفجرت أسهم الصادرات والواردات في الناتج المحلي الإجمالي صعوداً ثم هبطت مرة أخرى.
من الناحية النظرية التقليدية، نجد أن مستوى الفائض والعجز في الحساب الجاري إنما هو انعكاس لقرارات ادخار واستثمار طوعية: فالبلدان التي لديها فائض في المدخرات، مثل الصين، تصدر رأس المال بينما تستورده البلدان التي لديها عجز، وتتمتع دول الفائض بعائد أكبر في مدخراتها بينما تعاني دول العجز نفقات أقل في الاستثمار، فكل شيء في أفضل العوالم الممكنة هو ملك للأفضل، ويبدو من الغريب أن تصدر دولة فقيرة رأس المال إلى الدول الغنية، كما فعلت الصين، إلا أنه من وجهة النظر هذه، ليس هناك من سبب للتساؤل عن حكمة الخيارات الضمنية.
للأسف هذه النظرة البنغلوسية (التفاؤلية) هي بالكاد منطقية بعد الصدمات المتكررة في الشؤون المالية العالمية على مدى العقود الثلاثة الماضية، التي بلغت ذروتها مع الأزمة التي اندلعت عام 2007 في الدول ذات الدخل المرتفع. فقد أثبتت الولايات المتحدة على وجه الخصوص عجزها عن استغلال تدفقات رأس المال لديها بحكمة؛ فقد قامت بتمويل العجز الضريبي وبناء منازل لا حاجة لها بها. بالطبع، الولايات المتحدة تحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية لمثل هذه النتيجة المحزنة، كما هو الحال مع الدول الأخرى المستوردة لرأس المال، إلا أن للعجز الخارجي الكبير تأثيره أيضاً على تقلص الطلب، ولم يبدُ لذلك العجز أهمية طالما كان الأخير قوياً، إلا أن أهميته قد ظهرت الآن بعد أن أصبح الطلب ضعيفاً.
وفوق هذه النقاط العامة، ظهرت مشكلات محددة بعد الانفجار الماضي في فوائض الصين، وبشكل جزئي كانت هذه المشكلات نتيجة التدخلات في أسواق العملات الأجنبية وهو ما ترتب عليه تراكم احتياطيات العملات الأجنبية، فقد ارتفعت هذه الأخيرة من 170 مليار دولار في كانون الثاني (يناير) عام 2001 إلى 3.2 تريليون دولار في نهاية العام الماضي. ثمة أداة واحدة في حزمة السياسات لتطهير العواقب النقدية لهذه التدخلات، وكل هذه السياسات هي سياسات تجارية.
وعلاوة على ذلك، فلو تمتعت دولة ما بازدهار هائل في الاستثمار ووضع خارجي قوي، فمن الطبيعي أن يحدث قمع في الاستهلاك وتشجيع في المدخرات، وهذا ما حدث بالفعل؛ فقد انخفض الاستهلاك الخاص في الناتج المحلي الإجمالي من 46 في المائة عام 2000 إلى 36 في المائة فقط عام 2007، كما انخفض الاستهلاك العام والخاص معاً في الناتج المحلي الإجمالي من 62 في المائة إلى 49 في المائة بينما قفز إجمالي الادخار من 38 في المائة إلى 51 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وقد تم استثمار جزء كبير منها في أصول أجنبية ذات عوائد منخفضة وبتكلفة كبيرة، وتقدر احتياطيات الصين الخارجية بـ 2300 دولار لكل رجل وامرأة وطفل، أو ما يصل إلى 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وبالتالي، نجد أن انخفاض حجم الفائض الخارجي يصب في مصلحة دول العالم والصين في آن معا، وبذلك ما هو كم السعادة الذي ينبغي أن تمنحنا إياه هذه النتائج؟ الجواب هو: لسنا فرحين.
أولاً، حتى التراجع في فائض الحساب الجاري كحصة من الناتج المحلي الإجمالي قد يعني زيادة في الفائض فيما يخص ناتج باقي دول العالم. في عام 2008 كان فائض الصين 412 مليار دولار أو 9.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبحلول عام 2011 كان أقل من نصف مستوى عام 2008 بقليل بمبلغ 201 مليار دولار، لكن انخفضت حصة الناتج المحلي الإجمالي في الصين إلى 2.9 في المائة، فلو افترضنا بقاء السهم عند 2.9 في المائة فإن الفائض سيتجاوز 400 مليار دولار بحلول عام 2016 إذا ما ارتفع دولار الناتج المحلي الإجمالي في الصين بنسبة 15 في المائة سنوياً، وهذا المعدل يعتبر معقولاً لأن سعر الصرف الحقيقي في الصين من المرجح أن يرتفع، فلو أراد شخص أن يقدر التعديل المفروض على آخرين فعليه أن ينظر إلى الفائض في الناتج المحلي الإجمالي الخاص بهم لا بالصين.
ثانياً، يتألف النظير المحلي للتعديل الخارجي من الاستثمار الأعلى كحصة من الناتج المحلي الإجمالي، فبين عامي 2007 و2010 ارتفعت حصة الاستثمار في الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يقرب من سبع نقاط مئوية، وقد نما الاستثمار الثابت الحقيقي كل عام منذ عام 2007 بشكل أسرع من الناتج المحلي الإجمالي، وقد أبرزت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية هذه النقطة في الصين؛ ''إلى هنا، فقد انعكس التعديل على الطلب المحلي بالكامل تقريباً في شكل استثمار قوي للبنية التحتية العامة التي تم تمويلها من خارج الميزانية''، حتى رئيس الوزراء وين جياباو نفسه وصف في كثير من الأحيان التنمية في الصين بأنها ''غير متوازنة وغير مستدامة وغير متناسقة''، ولسوء الحظ فقد أدت عملية القضاء على خلل واحد مهم - وهو الفائض الخارجي- إلى تفاقم الاختلالات الداخلية الأكثر أهمية – وهي الاستثمار المتزايد بشكل غير عادي.
لنفترض أن الصين ستنمو على مدى العقد المقبل بنفس المعدل المرتفع 7 في المائة سنوياً، ولنفترض أيضاً هبوط الاستثمار (بما في ذلك الاستثمار في المخزونات) من 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 40 في المائة وهي نسبة أيضاً مرتفعة، بسبب الاحتياج إلى نسبة صغيرة من الاستثمار لدعم النمو المنخفض، ولنفترض أيضاً بقاء نسبة الفائض الخارجي عند 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، فلتحقيق معدل النمو المتوقع للناتج المحلي الإجمالي وهو 7 في المائة هناك حاجة لنمو الاستهلاك (العام والخاص) بمعدل حقيقي قدره 9 في المائة ونمو الاستثمار بنسبة 4.6 في المائة. وهذا من شأنه أن يكون انعكاساً مذهلاً وسيكون مستحيلاً دون حدوث تحول كبير في توزيع الدخل بالنسبة للأسر، وهذا بدوره يتطلب إجراء إصلاحات شاملة في النظام المالي الحاكم للشركات وكذا في هيكل السلطة في البلاد، وعلاوة على ذلك فهناك خطر يكمن في أن مثل هذا الإصلاح سيخفض من معدلات الاستثمار أكثر بكثير مما سيضيف إلى الاستهلاك، وقد تكون المحصلة من ذلك هبوطا حادا جداً.
وقد قامت الصين بعمل أفضل بكثير مما كنت أتوقع للقضاء على حسابها الجاري الضخم وفوائض التجارة، ومع ذلك فإن السبب الداخلي الرئيسي لهذا التحول هو التدفق المفاجئ في الاستثمار نحو ارتفاعات لا تزال تعاني الدوار ويساعدها على ذلك الارتفاعات في قيمة سعر الصرف الحقيقي، إلا أن ذلك جعل من التعديل الداخلي أمراً مطلوباً الآن بشكل أكبر مما كان عليه حتى قبل الأزمة، فإذا ظلت حصة الفائض الخارجي في الناتج المحلي الإجمالي ثابتة بينما تباطأ معدل النمو الاقتصادي، فحدوث انقلاب في المعدلات النسبية لنمو الاستهلاك والاستثمار أمر ضروري. لنقولها صراحةً، لا بد من عكس ديناميكية النمو في الـ 15 سنة الماضية. هل هذا ممكن؟ ربما، لكن يتطلب ذلك توسعاً هائلاً في الاستهلاك بالتناسب مع الاستثمار. هل سيحدث ذلك بينما ينمو الاقتصاد بقوة؟ ربما ليس تماماً.
تعليقات