هيمنة الصباح والتجار الى متى ؟
زاوية الكتابالجاسم: تجار الوكالات والمقاولات الحكومية في مواجهة قوى اجتماعية وقبلية جديدة
كتب مايو 12, 2012, 6:56 م 4187 مشاهدات 0
الملفات الأربعة!
ما هي طبيعة الصراع الدائر في الكويت اليوم، وما هي مناسباته القادمة؟
محمد عبدالقادر الجاسم
تغييرات كثيرة طرأت على المجتمع الكويتي القديم، تغيرت عادات الناس وطرق معيشتهم، تغيرت مساكنهم، تغيرت الشوارع، تغيرت التركيبة السكانية، حتى اللهجة الكويتية تغيرت.. كل شيء في حياة الناس تغير تقريبا.. فيما عدا مركز السلطة وآلية اتخاذ القرار.
وحين سعى أنصار النظام الدستوري الكويتي بزعامة المغفور له الشيخ عبدالله السالم إلى وضع أسس إنشاء مجتمع مدني حديث تحتفظ فيه ذرية مبارك الصباح بالحد الأدنى من السلطة السياسية الدستورية وتسود فيه قيم المساواة والعدالة الاجتماعية، قاوم الشيوخ من أنصار السلطة المطلقة هذا التحول، فيما رحب به التجار لكنهم قاوموا 'الفكر الاقتصادي الجديد' الذي جاء به هذا النظام، وتشهد مضابط جلسات المجلس التأسيسي ومحاضر جلسات لجنة الدستور على مقاومة كل طرف.
وعلى الرغم من الحراك السياسي المستمر في البلاد منذ إعلان دستور 1962، إلا أن الوضع في الكويت اليوم، كما هو في ثلاثينيات القرن الماضي.. فالقرار السياسي مركزي بيد أسرة آل صباح، والقرار 'الاقتصادي' بيد نخبة من التجار يتأرجح بين 'فصائلها' على الرغم من التغيير الجذري الذي حدث، فتجار الأمس كانوا أصحاب 'مبادرة ومخاطرة' فاستحقوا الريادة، أما تجار العهد الدستوري فهم تجار 'وكالات ومقاولات حكومية' حيث الربح فيها مضمون من قبل الدولة دائما. إن تأثير بقاء مراكز القرار وآليته كما هي دون تغيير، أقوى بكثير من تأثير كل التغييرات الأخرى التي شهدها المجتمع الكويتي.. أقوى من النظام الدستوري الجديد وأقوى من 'الحركة الوطنية النخبوية' القديمة، وما يزال هو الأقوى حتى مع انتقال مركز 'الحراك السياسي الشعبي المعارض' إلى يد شباب القبائل وشباب التيارات الإسلامية بشكل خاص.
وعلى الرغم من التأثير الهائل للحراك الشعبي المعارض، والنتائج المهمة التي حققها والتي تتمثل في إسقاط رئيس مجلس الوزراء السابق ورئيس مجلس الأمة السابق، ثم انتخاب أغلبية برلمانية 'معارضة' لأول مرة في تاريخ الكويت الدستوري، إلا أن هذه النتائج لم تنجح في إدخال تغيير مهم لا على ترتيب 'الهيكل السياسي' ولا على قوة 'المحفل الاقتصادي' في البلاد، فالقرار السياسي مركزي بيد آل صباح كما كان، والقرار الاقتصادي بيد نخبة من التجار كما كان أيضا، فيما يستمر 'الإعلام المؤثر' أداة بيد أصحاب القرار السياسي وأصحاب القرار الاقتصادي، سواء كان إعلامهم الرسمي أو شبه الرسمي، أو إعلامهم 'المستأجر'. ورغم المحاولات الجادة والقوية، لم تفلح صحيفة 'عالم اليوم' وتلفزيون 'اليوم'، المحسوب على 'إعلام القبائل'، حتى الآن في كسر احتكار 'التأثير الإعلامي' الذي مازال بيد آل صباح والتجار.. وبالطبع لا أغفل مزاعم البعض من أن مؤسسة 'عالم اليوم' الإعلامية (صحيفة وتلفزيون) محسوبة بذاتها، حقا أو باطلا، على أنها وسيلة إعلامية بيد الشيخ 'المعارض حاليا' أحمد الفهد الصباح.
إن العلاقة السياسية بين نخبة التجار وآل صباح في العهد الدستوري تتأرجح بين نقطتين: دون درجة الغليان وفوق درجة التجمد، فالتاجر يناور ويساوم.. يبتعد ويقترب، ويعلم 'تجار اليوم' أنه بإمكان آل صباح دائما قطع 'الماء والكهرباء' عنهم وإلغاء سيطرتهم على مراكز القرار الاقتصادي ومضايقتهم في علاقاتهم بالبنوك ومؤسسات التمويل الحكومية مثل 'التأمينات الاجتماعية' و'هيئة الاستثمار' وغيرها، لذلك فإن معارضتهم السياسية معارضة 'لينة' تحقق لهم الكثير من المكاسب، وهي تدور أيضا في فلك الأطراف المتصارعة من آل صباح. وفي الوقت نفسه، يعلم آل صباح أن انضمام تجار اليوم إلى المعارضة الشعبية له كلفة سياسية عالية جدا عليهم، لذلك تراهم يتركون أبواب 'الرزق' مفتوحة لهم وحدهم!
وفي إطار معادلة 'المنفعة المتبادلة' بين آل صباح و'تجار اليوم'، وانتقال مركز الحراك السياسي إلى شباب القبائل، يبدو الصراع السياسي الحالي وكأنه صراع طبقي بين نخبة التجار ومن يتبعهم من جهة، والقبيلة من جهة أخرى، إلا أن هناك من يصور الصراع السياسي الحالي على أنه صراع بين التيار 'الليبرالي النخبوي' والتيار 'الديني القبلي'، وهناك بالطبع من يصوره على أنه صراع سياسي بحت موجه ضد سلطة آل صباح. وهناك من يصوره على أنه صراع إقليمي محض.. فما هي طبيعة الصراع الدائر اليوم؟
في تقديري الشخصي أرى أن 'الصراع' الأساسي الحالي هو الصراع القديم ذاته الذي كان قائما حين قرر عبدالله السالم وضع نظام حكم دستوري.. صراع بين فكرة 'الدولة' وفكرة 'المشيخة'، وتحت هذا العنوان الرئيسي تظهر عناوين فرعية لصراعات 'جانبية' طبيعية مثل الصراع الطبقي والصراع بين التيارات والقوى السياسية والصراع الإقليمي والصراع الطائفي.. وأرى أن 'تجار اليوم' وآل صباح نجحوا، بسبب سيطرتهم على الإعلام، في إبراز عناوين الصراعات الجانبية وطمس عنوان الصراع الأساسي. ولأن آل صباح و'تجار اليوم' فقدوا السيطرة على 'الحراك السياسي الشعبي' وعلى أغلبية مقاعد مجلس الأمة الحالي، فإن الكويت مقبلة على موجة أخرى قوية من موجات الصراع السياسي.
وللتعرف على مستوى الموجة القادمة، أنصح بمتابعة الملفات التالية: الملف الأول هو ملف قوانين 'الإصلاح السياسي' التي ترفضها السلطة السياسية، مثل اقتراح قانون الدائرة الانتخابية الواحدة واقتراح قانون الهيئات السياسية، والملف الثاني ملف 'مكافحة الفساد' الذي يعارضه التجار، مثل مشروع قانون إنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد واقتراح قانون المناقصات العامة، والملف الثالث ملف لجان التحقيق البرلمانية في ممارسات 'عهد ناصر المحمد'.. أما الملف الرابع فهو ملف القضية رقم (383/2011 جنايات المباحث) وهو ملف قضية 'دخول' أو 'اقتحام' مجلس الأمة والمتهم فيها النواب: مسلم البراك (المطيري) ومبارك الوعلان (المطيري) وفيصل المسلم (العتيبي) وجمعان الحربش (العنزي) وخالد طاحوس (العجمي) وفلاح الصواغ (العازمي) وسالم نملان (العازمي) ومحمد خليفة (الشمري)، ومعهم النائب وليد الطبطبائي!
تعليقات