عن مهزلة الإنتخابات السورية، يكتب سعد بن طفلة
زاوية الكتابكتب مايو 12, 2012, 5:50 م 1004 مشاهدات 0
انتخابات وإهانات!
تاريخ النشر: السبت 12 مايو 2012
في منتصف الثمانينيات، كنا في المعتقل لم أعد أذكر حينها كم مضى عليّ محبوساً دون محاكمة، لم أكن الوحيد الذي كان في تلك الحالة، فالكل في نفس المركب... لا أتذكر أية مناسبة كانت وذلك لكثرة المناسبات الوطنية والقومية والإصلاحية، طلبوا منا جميعاً الخروج من الزنازين، الخروج مثل الدخول تماماً: بالضرب والركل والرفس وأقذع ألفاظ السباب والشتيمة،خرجنا والشمس في رابعة النهار، كانت شمساً حارة محرقة، والأرض رمضاء تحرق أقدام الحفاة منا وهم معظمنا، طلبوا منا الجلوس القرفصاء، فجلسنا، وطلبوا أن نشبك أيدينا ونضعها خلف رؤوسنا، ففعلنا، لا ندري لماذا أخرجونا، ومعظمنا لا يدري لماذا ادخلونا أصلاً. كيف لمن لا يعرف لماذا أو كيف انتهى به المقام هنا، أن يعرف لماذا طلبوا منه الخروج؟ همس أحدنا: شو فيه شباب؟ سمعه أحد الحراس لسوء حظه، فانهالت عليه العصي والهراوات والرفس والركل «كول... ولا وعود ولا حيوان»، تحامل على نفسه، كتم أنات الضربات والركل والرفس، استرقت نظرة صوبه فقد كان على يميني، فشاهدت آلام الدنيا والقهر والحقد متجمعة في عينيه. مسؤول يصرخ فينا: اسمعوا ولا يا... الرئيس راح يخطب بمناسبة… بمناسبة... سكت، والله ما بتذكر! المهم، خطب الرئيس في تجمع جماهيري ما، أظنه مجلس الشعب، وكانت الهتافات والتصفيق تقاطعه بين جملة وأخرى، فصاح مسؤول الحرس فينا: ليش ما بتسئوا ولا يا كلاب، بدأنا بالتصفيق حتى دون أن ننتظر توقف الرئيس لالتقاط أنفاسه، صفقنا بحماس مصطنع منقطع النظير، وخاصة حين رأينا العصي تنهال على بعض المعتقلين «الخطرين»، هكذا كنا نسميهم، كانوا يضربونهم لأنهم لم يصفقوا للرئيس!؟ أتدري لماذا لم يصفقوا؟ توقف لحظة، تنهد، نظر في اللامكان، التفت نحوي ثانية وقال: لأن أيديهم كانت مربوطة إلى ظهورهم'.
تذكرت هذه القصة التي قصها لي صديق سوري منذ سنين، تذكرتها وأنا أتابع أخبار الانتخابات السورية التي جرت الاثنين الماضي! أكثر من عشرة آلاف قتيل وعشرات آلاف الجرحى ومئات الآلاف من المعتقلين والمهجرين على مدى سنة وأكثر، وآلام في كافة أنحاء الجسد السوري، وانهيار اقتصادي وعزلة دولية، ومبادرة دولية لإنهاء هذه المأساة سميت بمبادرة عنان، مبادرة تترنح أمام آلة القتل والذبح والدمار ومراقبون دوليون لا أحد يعرف ماذا يراقبون بالضبط، هل يراقبون موت السوريين أمام أعينهم؟ هكذا تساءل أحد أهل 'دوما' بريف دمشق يوم الانتخابات المهزلة. صارت لدى كثير من السوريين قناعة بأن مبادرة عنان هي مساندة للنظام وإطالة لعمره بدلاً من حماية أفراد الشعب ووقف ذبحهم وقهرهم.
أية انتخابات قام النظام الأسدي بتنظيمها يوم الاثنين الماضي؟ وهل هناك انتخابات تجري في هذا العالم بالقوة؟ وأية انتخابات تجري في بلد مقطع الأوصال يعيش حالة من الفوضى الأمنية والشلل الاقتصادي؟ كان الإعلام الرسمي السوري يكرس كافة برامجه عن الانتخابات وسيرها ويشيد بنزاهتها وحريتها وديمقراطيتها! ويشيد الإعلام طبعاً بالرئيس الأسد وبديمقراطيته، ويقابل من أتت بهم المخابرات أمام شاشة التلفزيون الرسمي ليشيد بالحرية والديمقراطية ويثني ويشكر الرئيس الذي وفر لهم هذه الحرية! كثيرون منهم بادروا دون سؤال المذيع بالإشادة بحرية اختيارهم وبأنهم لم يجبرهم أحد على التصويت والمشاركة!
تصور أن الجلاد يتوقع منك وأنت الضحية الشكر والثناء على جلده لك، وأن السجان يتوقع منك المديح والعرفان لمصادرة حريتك دون توجيه تهمة لك، وفي الغالب دون ذنب تقترفه.
قتل وانتخابات، دمار وانتخابات، تهجير وانتخابات، اعتقال وانتخابات، ذبح وانتخابات، 'مو بدهن حريّي' بقلب التاء المربوطة ياء، 'هاي هيّي الحريي'، قالها شبيح يندد بمن قاطع الانتخابات المهزلة.
تعليقات