حضر وبدو أم شيء آخر؟
محليات وبرلمانمايو 28, 2012, 11:55 م 8091 مشاهدات 0
رأينا
أثار مقال لكاتب مغمور قبل أيام ردود أفعال مختلفة لما احتواه من لغة مبطنة تحاكي عنصرية فئوية: كلوكم البدو، الجراد يغزو البلاد، اللفو كلو الديرة ... الخ الاسطوانة العنصرية الفئوية التي تحاول أن تحرف الصراع الحقيقي عن طبيعته وأساسه. المقالة، كشفت عن جهل كاتبها، وعن غباء المصدقين بها، ولكن أبعادها خبيثة المقاصد لمن روج لها ولمحتواها البغيض.
ففي الكويت يجري صراع واضح المعالم ومحدد الأطراف، ومضمونه باختصار أنه صراع مصالح بين طبقات واسعة من المجتمع الكويتي تتطلع نحو المساهمة في بناء هذا الوطن، والمشاركة على أسس المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص وتوزيع الثروة، وهي طبقة عريضة من المجتمع الكويتي تشكل الغالبية من أبناء هذا الشعب الكريم، وهي تضم الحضري والبدوي والشيعي والسني، هؤلاء هم النسبة العظمى من الكويتيين الذين يشكلون طوابير الآلاف من الباحثين عن فرص عمل، وآلاف من المسجلين في قائمة انتظار السكن الكريم، وآلاف ممن يتعرضون للظلم وعدم المساواة في المناصب والمواقع القيادية التي تذهب لأبناء متنفذين يقلون عنهم خبرة وتعليما وكفاءة، والآلاف الذين يعانون بين الوزارات والمؤسسات والهيئات لكي يفتح الواحد منهم محلا تجاريا، أو لكي يحصل على ترخيص تجاري للأعمال البسيطة، فالأعمال الكبرى –كالمصارف والفنادق والصيدليات وشركات النفط والسلاح وما شابهها- حكر على أشخاص معدودين عدا على الأصابع.
في مقابل هذا القطاع العريض من الكويتيين الذي يضم الشيعة والسنة والحضر والبدو، تنبري قلة من أشخاص متنفذين يدعون أنهم طبقة تجار وهم ليسوا كذلك، فللتجار في الكويت تاريخ في المساهمة في بناء هذا الوطن، وبصمات لا ينكرها إلا جاحد في تطوره ونهضته، ولكن قلة من قوى الاحتكار والفساد تحاول أن تجير تاريخ التجار الشرفاء لصالح احتكاراتهم ومصالحهم ومشاريع الفساد التي ولغوا فيها منذ بدايات الثروة النفطية، فامتصوا خيرات البلاد امتصاصا جشعا لا رحمة ولا هوادة فيه على مدى ستين عاما، وحاولوا احتكار حتى الإرث الشريف للتجار الشرفاء، وراحوا يلوحون عند كل محاولة استفسار أو محاسبة أو أية بادرة للحد من جشعهم بالتباهي بإرث التجار الكبار الذين عاشوا بالكويت قبل اكتشاف النفط.
لكن هذه الحيلة وهذا المبرر لاستمرار جشعهم وفسادهم لم يعد ينطلي على أحد، فراحوا هذه الأيام يحاولون صف الصفوف، وبناء جبهة أعرض من واقعهم من قوى 'حضرية' وأخرى 'شيعية'، الأولى يخوفونها بالبدو اللي كلوا الديرة، والثانية يخوفونها بالقوى الدينية السنية المتشددة التي تشكل خطرا –حسب ادعائهم- على الشيعة، وهم بذلك يحاولون تشويه المشهد، وحرف الصراع عن طبيعته.
لقد شحذت قوى الاحتكار والفساد سكاكينها هذه الأيام، وخصوصا بعد استجواب وزير المالية المستقيل مصطفى الشمالي، ذلك الاستجواب الذي كشف نزرا يسيرا من حقيقة 'الهمجة' التي يقتاتون عليها حكرا دون وجه حق، وكشف كيف أن مشاريع بمئات الملايين تذهب لأشخاص محددين دون مراعاة لقانون أو تشريع، وكيف أن مسئولين كبارا متورطين تورطا مباشرا وصريحا في مشاريع الفساد على حساب الشعب ومن المال العام دون رادع من قانون أو وازع من ضمير، ...
وتخطط قوى الاحتكار والفساد للهجوم الشرس على نواب وطنيين شرفاء على رأسهم النائب مسلم البراك لأنه نذر نفسه للتصدي لهذا النهب المبرمج لثروات الشعب الكويتي، ومعه نواب وطنيين صلبين يحاربون الفساد ويتصدون له بكل عزة وأمانة، وهم نواب من كافة فئات الشعب الكويتي من حضر وبدو ودينيين وغيرهم.
كما تخطط قوى الاحتكار والفساد للدفع بحل مجلس الأمة واستصدار مرسوم ضرورة بتعديل الدوائر إلى عشر علها تأتي بنتائج توافق مصالحهم وتمد في عمر احتكارهم وجشعهم وفسادهم، وذلك لقطع الطريق على مشاريع مخلصة لتحويل الكويت إلى دائرة واحدة كفيلة بالقضاء على الفئوية والقبلية والطائفية وشراء الأصوات والقضاء التام على نواب الخدمات، وهو مرسوم لو تم فلن يكون مرسوم ضرورة، وعلى 'المستشارين' الجهابذة أن يبرروا مشورتهم بمثل هذا المرسوم لو صدر وتحركت القوى الشبابية والشعبية للتصدي له ورفع سقف مطالبها.
هذه هي حقيقة الصراع وطبيعته: قوى احتكار وفساد متحالفة مع قلة من شيوخ الأسرة الحاكمة ممن يعتاشون على فتات عمولات مناقصات الفساد، مقابل قطاعات واسعة من الشعب الكويتي بكافة فئاته وقبائله وطوائفه.
ومحاولات حرف الصراع عن حقيقته هي محاولات خبيثة، تحاول أن تضرب الحضر بالبدو والشيعة بالسنة في آخر محاولة يائسة لتشتيت الانتباه عن حق الشعب بالمسائلة والمشاركة والعدالة والمساواة ومبدأ تكافؤ الفرص.
إن على القوى الكويتية الحية أن تنتبه لهذا المخطط الاحتكاري الفاسد، وأن تقطع الطريق على مروجيه، فنحن شعب واحد ينشد عزة وطن واحد وموحد، وعلى أبناء الأسرة الحاكمة الكريمة النأي بأنفسهم من هؤلاء الأشحاص المغرضين، وأن ينحازوا لمطالب الشعب العادلة التي بتحققها يتحقق الازدهار والاستقرار.
رأينا
تعليقات