عيوب القطاع المصرفي تدعو إلى إصلاح ثقافي وهيكلي .. بقلم باتريك جينكنز وجون
الاقتصاد الآنيوليو 1, 2012, 1:42 م 773 مشاهدات 0
''نحن حالياً غير شرفاء بحكم التعريف و(نحن) معرضون لخطر تشويه سمعتنا في السوق ومع الجهات التنظيمية''.
كتب هذا أحد المصرفيين في بنك باركليز يوم 4 ديسمبر2007 إلى ''المديرE''، طبقاً لوثائق تنظيمية نشرتها هذا الأسبوع هيئة الخدمات المالية البريطانية. خمس سنوات مرت وأصبح من الواضح أن موضوع هذه الكلمات التنبوئية - فضيحة التلاعب في الأسعار داخل سوق الإقراض بين المصارف والتي تم الكشف عن أنها ذات نطاق واسع من جانب الجهات التنظيمية هذا الأسبوع - قد تجاوزت كونها مجرد تشويه للسمعة فقط.
وقد قام بنك باركليز بدفع رقم قياسي يقدر بـ 290 مليون جنيه استرليني كغرامة مركبة لتسوية التحقيقات التي أجرتها هيئة الخدمات المالية، ووزارة العدل الأمريكية، و هيئة تداول السلع الآجلة، والجهة المنظمة الآجلة المستقبلية.
والآن تهدد الفضيحة بالإطاحة بالإدارة العليا للبنك، كما يطالب بعض المساهمون والمعلقون والسياسيون برأس بوب دايموند، المدير التنفيذي. وقد ذهب ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني، إلى أبعد من ذلك، حيث صرح يوم الخميس'' أن على الناس تحمل مسؤولية أفعالهم وإظهار الكيفية التي سيحاسبون من خلالها على تلك الأفعال''.
على رأس أخطاء الفضيحة المتعلقة بالتلاعب في معدل الفائدة السائد بين المصارف ''الليبور'' – وهي نقطة مرجعية مالية مركزية لكل شيء بداية من المعدلات المفروضة على مستخدمي البطاقات الائتمانية إلى تحديد أسعار القروض التجارية – في نظر الكثير من الساسة والكثير من الرأي العام أن السيد دايموند يحمل وصمة عار: كونه رجلاً مصرفياً.
في العديد من العالم الغربي، حصل المصرفيون على وصف منبوذين منذ أن بدأت الأزمة المالية في عام 2007- وقد أُلقي باللوم على عاتقهم لأنهم ساعدوا في حدوث هذه الأزمة ولاستمرارهم في جمع الثروات الطائلة، حتى بعد إنقاذ الحكومات لهم وبعد أن شهد المساهمون انخفاض في استثماراتهم.
الأمر الذي فاقم الأزمة هو أن الفضيحة كانت سلسلة من فضائح البيع المضلل للمستهلك، فأحدثها وأكبرها تلك التي كانت داخل المملكة المتحدة والتي أجبرت المصارف على إبداء توقع بستة مليارات جنيه استرليني من دفعات التعويض عن تأمين حماية الدفع المضلل. وقد تمت إضافة ثمة فشل هائل في نظم تكنولوجيا المعلومات حدث أخيراً في مجموعة رويال بنك أوف اسكوتلاند المملوكة للدولة الذي أظهر عدم قدرة العميل على إجراء الأعمال المصرفية الأساسية إلى الأسئلة العامة عن كفاءة هذا القطاع.
مثل هذه الكلمات التي أدلى بها رئيس الوزراء كانت بمثابة تعبير بليغا للغضب المتصاعد بين الساسة حول التجاوزات التي حدثت في حق واحدة من أكبر الصناعات في المملكة المتحدة، ولكنها أيضا أحد الأشياء التي سخر منها الجمهور بشكل كبير والتي يتعين على صانعي السياسات - حتى الآن - أن يعيدوها إلى الالتزام.
تضيف مشكلة ''الليبور'' بعداً قويا لكارثة السمعة التي تخيم على قطاع الصرافة – مع القدرة على لفظ رؤساء المصارف حول العالم ودعم عزيمة الجهات التنظيمية لتكديس قواعد أكثر صرامة على القطاع المتعثر بالفعل.
على الرغم من أن الأمر يبدو أنه أكثر صعوبة من أي فضيحة أخرى حدثت أخيراًً، إلا أن ''الليبور'' له تأثير حقيقي جداً في العالم كله، الأمر الذي سيعزز شروط 350 ترليون دولار لعقود الاقتراض في جميع أنحاء العالم. تحدد معدلات ''الليبور'' لجنة من البنوك على أساس ما يكشفون أنها تكلفتها في المتوسط للاقتراض بين البنوك. ولكن توحي الوثائق التي كشفتها الجهات التنظيمية في التسوية الخاصة بـ ''باركليز''، بأن العملية قد أسيء استخدامها من قبل عدد من المجموعات بشكل ممنهج على مدى سنوات عديدة، قبل وأثناء الأزمة.
قال لورد ترنر، رئيس هيئة الخدمات المالية، ''سنخدع أنفسنا'' إذا افترضنا أن الممارسات الخاطئة المزعومة في ''الليبور'' لم تكن قائمة في الأنواع الأخرى من التداول. ''فهناك درجة من التهكم والطمع الصادمة إلى حد ما بالفعل .... والتي تقترح بأن هناك بعض القضايا الثقافية الواسعة جداً التي تحتاج إلى معالجتها بشدة''.
في حال بنك باركليز، أول شيء يجب أن تقوم بتوثيقها الجهات التنظيمية بشكل كامل، الدلائل التي تشير إلى أنه يقوم بخرق القواعد التي تمنع أجزاء مختلفة من البنك من التحدث إلى بعضها البغض وفي الوقت نفسه الدلائل التي تشير إلى قيام البنك بالكذب في تقاريره إلى عملية تحديد سعر الفائدة. قبل اندلاع الأزمة، سعى التجار إلى التلاعب بمعدلات ''الليبور'' للمساعدة في تحقيق الربح. في أثناء الأزمة في أواخر عام 2007 وأوائل عام 2008، وفي ظل تشجيع إدارة متوسطة المستوى، قدم المصرف عمداً تقارير معدلات أقل من الواقع التي يمكن عندها الاقتراض لكي يهدئ من توتر المستثمرين.
'' طلب مني (المديرE) أن أضعه أقل مما كان عليه بالأمس....وأن أرسل رسالة مفادها أننا لسنا في كثير من المتاعب''. شارك أحد الأشخاص في تقديم معدلات الاقتراض الخاصة به إلى اللجنة الخاصة بـ ''الليبور'' طبقا لما قاله في رسالة بالبريد الإلكتروني في ذلك الوقت.
ولا يزال هناك وقت أمام فضيحة ''الليبور'' لتستمر، ومن المتوقع أن يتم تغريم مصارف أخرى. وأولها بنك باركليز الذي سيواجه غرامات كبيرة، في حين أن بنكي ''يو بي إس'' و''سيتي جروب'' كانا منظمين في اليابان وأمثال بنك إتش إس بي سي وبنك رويال بنك أوف كندا وبنك رويال بانك أوف اسكتلندا فقد ورد ذكرها في وثائق المحكمة. ويقول النقاد إن ''الليبور'' كانت قضية تلاعب بالسوق مرتقب حدوثها، حيث إنه في مجالات عدة بأسواق السندات والمشتقات والسلع، غالباً ما يتم وضع المؤشرات على أساس الأسعار التي تقدمها البنوك والمتداولون. وهذا يتناقض مع مشتقات الأسهم التي يتم تسعيرها بالرجوع إلى كيفية تداول الأسهم في البورصة العامة. ونظراً لعدم وجود ما يعادل سوق الأسهم في الكثير من السندات والمشتقات، فإن عملية تحديد الأسعار تصبح أكثر غموضاً- وعرضة لإساءة الاستعمال.
فهذه المؤشرات تلعب دوراً حيوياً في أسواق المشتقات لأن تريليونات الدولارات لعمليات المقايضات والعقود الآجلة يتم تداولها على أسس التسعير هذه، مع تحديد مستوى المنتجات مثال حسابات الرهون العقارية والادخار. وهذا يعطي المتداولين حافزاً كبيراً لتحريف الأسعار لمصلحتهم الخاصة.
''المشكلة هي إن لم يكن لديك سوق مركزي حيث تحدد فيه الأسعار، فكيف لك أن تحصل على ذلك'' قال ذلك كراج بيرونج، أستاذ في جامعة هيوستن. وأضاف قائلاً: ''عند وجود الكثير من الأموال على المحك، تميل الآليات إلى الحصول على الفتات''.
إن ''الليبور'' ليست أول قضية تلاعب بالأسعار في القطاع المصرفي ولكنها واحدة من أخطر المسائل، فهي تشير إلى فضيحة سندات الخزانة في بنك سالمون براذرز في عام 1991 التي عرضت بنك سالمون للخطر، وهو الآن جزء من ''سيتي جروب''. وتحتم على رئيسها التنفيذي، جون جوتفريند الاستقالة بعد أن قدم باول موزر، متداول سندات، عطاءات مزيفة في أذون الخزانة.
واندلعت فضيحة مماثلة في سوق الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة في عام 2002 عندما قامت هيئة تداول السلع الآجلة بتغريم عدد من الشركات، عندما وجدت أن هذه الشركات قد احتفظت بجداول بيانات الأسعار موضوع عليها علامة ''مزيف'' على أنها جداول حقيقية. وفي كلمة ألقاها سكوت أوماليا، مفوض هيئة تداول السلع الآجلة أخيراً أشار إلى أن قطاع الطاقة بمثابة ''الغرب المتوحش'' وفيه ''لا أحد يعرف من الشريف ومن الخارج عن القانون''.
وفي الآونة الأخيرة أُثيرت أسئلة حول سوق مقايضة الدولار – المشتقات المتعلقة بأرباح السندات الحكومية – حيث تحدد الأسعار في الساعة 11 صباحاً في نيويورك. كما هو الحال مع ''الليبور'' حيث عملية التسعير فيه يهيمن عليها عدد قليل من المصارف.
وبالمثل، فإن عملية التسعير في سوق النفط، التي تقوم بها مؤسسات إخبارية مثل ''بلاتز''، قد خضعت للتدقيق والفحص. ولقد حذرت ''إوسكو''، مجموعة تنظيمية دولية، من خطر أن المؤشر ''يتلاعب وذلك بتقديم أسعار مزيفة.''
كما أن التوضيح المفصل لفضيحة ''الليبور'' سيزيد من قوة المنظمين في صراعهم مع المصارف حول كم من أسواق المشتقات يجب إخضاعه للدخول في التبادلات أو المسح المركزي وذلك لضمان شفافية الأسعار.
وكانت أحكام إصلاح هذه الأسواق جزءاً من قانون دود فرانك الذي اعتمده الكونجرس الأمريكي عقب الأزمة المالية في عام 2008، ومع هذا فإن هيئة تداول السلع الآجلة قد واجهت مقاومة شرسة من قبل المصارف حول تنفيذها.
كما أن القضية ستزيد على نطاق واسع من الآثار التي ترتبت على فضيحة التداول الأخيرة في بنك جيه بي مورجان، حيث خسر البنك حتى الآن ما يقدر بخمسة مليار دولار حتى الآن في مناطق عدم تطابق تغطية المخاطر مما زاد الحدة على أن يركز المنظمون على مراقبة البنوك عن قرب وإجبارهم على أن يكونوا أكثر شفافية.
وهذا المحرك سيكون هو الأقوى دائما نظراً لاتساع رقعة تحقيقات ''الليبور''، مع تعاون المنظمين من أوروبا والولايات المتحدة واليابان لبحث سبل التعاون بشكل مقرب مع 20 مصرفا.
وبالنسبة لبنك باركليز فإن الصدى قوي جداً – ومفهوم كذلك. ولقد تعرض البنك لموجة من التحقيقات التنظيمية والضريبية على جانبي المحيط الأطلنطي، وتم تغريمه في المملكة المتحدة بسبب التقارير المغلوطة حول صفقات التداول وتقديم المشورة غير المناسبة، وتم تغريمه كذلك في الولايات المتحدة لمخالفته لقانون لعقوبات وذلك بتمويله لأنظمة قمعية.
وفي وقت سابق من هذا العام تمكنت حكومة المملكة المتحدة من منع بنك باركليز من تنفيذ اثنين من المخططات الضريبية ''المسيئة للغاية'' التي قد تكلف الخزانة 500 مليون جنيه استرليني، أضف إلى ذلك المسائل المستمرة لأمد طويل حول هيكلة ضريبته.
ومن ثم فإن هناك جدل حول السيد دايموند نفسه. ففي الاجتماع الأخير للمساهمين صوت ثلثي المساهمين ضد تقرير السداد للعام الماضي، وبعد ذلك ظهر أن السيد دايموند قد تلقى نحو 25 مليون جنيه استرليني كإجمالي الأجور بما فيها سداد ''المعادل الضريبي'' المثير للجدل الذي بلغت قيمته قرابة ستة ملايين جنيه استرليني.
وفي وسط أجواء الأخبار الساخنة في الشهور الأخيرة، واصل السيد دايموند التأكيد على إصراره بأن بنك باركليز يهتم ''بالمواطنة'' – وهذا الزعم قد قال عنه النقاد بأنه يبدو أجوف أكثر من ذي قبل.
وفي الساعات الـ 48 الماضية كرر شعاره وذلك في خطاب بعث به إلى أندرو تيري، رئيس اللجنة المعنية باختيار مجلس عموم وزارة الخزانة، وهي الهيئة التي إلزاماً عليه أن يوضح موقفه أمامها في غضون الأيام أو الأسابيع المقبلة. ''إنني مصمم على أن بنك باركليز يلعب دوره كمؤسسة وطنية كاملة، ويعمل دائماً بشكل صحيح وعادل ويساهم بإيجاب في المجتمع في كل المجالات التي نعمل فيها'' حسبما كتب السيد دايموند.
وهل سيكون هو الرجل الذي يرى هذه المهمة بالاعتماد الآن على قاعدة المساهمين المثيرة للقلق على نحو متزايد بالإعداد لمنحه فرصة أخرى – وسط استهجان من الحكومة الناقدة بصورة متزايدة.
لقد مر أكثر من ثلاث سنوات على عزل فريد جودوين من منصب الرئيس التنفيذي لبنك اسكتلندا الملكي، وأقل من عام على مقولة السيد دايموند التي وجهها إلى لجنة السيد تيري قائلاً ''إن زمن الندم والاعتذار'' من قبل المصارف قد انتهى. ولقد وضعت الأحداث التي وقعت في الأيام الأخيرة علامة استفهام على هذا الزعم. حيث يتحتم عليه تقديم اعتذار عام للجنة كما أنه يواجه استجوابا قاسيا أمامها.
وصرح السيد دايموند أنه لا يعزم الاستقالة، ولكن إذا تم إجباره على الرحيل فهذا سيكون بمثابة إرسال إنذار آخر لجميع رؤساء البنوك، لاسيما تلك التي متعلقة بالمؤسسات المتورطة في فضيحة ''الليبور''.
فهذا السيناريو قد يعمل على تهدئة حدة غضب الجمهور، وسواء أكان هذا يعالج المشكلة الأساسية التي هي موضع الشكل أم لا. ودعا السيد ميرفين كينج، محافظ بنك إنجلترا، إلى ''إحداث تغيير حقيقي في ثقافة'' مجال الصناعة المصرفية حيث يتحتم عليها أن تنظر إلى ما هو أبعد من قضايا الموظفين.
''ليست هناك مجال للتفكير إذا ما اختفى شخص أو اثنين، بأنك قد حللت المشكلة،'' ذكر ذلك بالأمس السيد ميرفين كينج، وأضاف قائلاً ''إذا ظل الهيكل كما هو، فسيأتي أناس آخرون ويفعلون كما فعل الأولون''.
تعليقات