سلمى العجمي تحارب الردة

زاوية الكتاب

كتب 527 مشاهدات 0


بلا أجندة عمل المرأة... رِدَّة تشريعية سيدة, أستاذة, محامية ترتدي روبها الأسود في أول يوم رمضاني, الساعة الثانية عشرة ظهراً وتترجل من سيارتها لتهم وتدخل مخفر السالمية لتخرج منه فجراً في الرابعة صباحاً في اليوم التالي, برفقة موكلتها المفرج عنها لإيمانها بقضيتها العادلة وتفعيلاً لأمانة القسم الذي أقسمته لإحقاق الحق ورفع الظلم عن سيدة قضت في »النظارة« ثلاثة أيام حجزاً كيدياً من زوجها. وفي يوم آخر, وهو يوم خميس, الساعة الثانية ظهراً »يوم عطلة نهاية الأسبوع« أيضاً تنطلق هذه الأستاذة, من مخفر السالمية باتجاه منطقة »السرة« حيث منزل محافظ حولي آنذاك »السيد الشملان« وتطرق بابه ظهراً وبغير موعد مسبق, معكرة صفو قيلولته, في يوم راحته متأسفة, لتشكو مخفراً في إدارته تقاعس عن أداء واجبه الأمني والتنفيذي لأحكام القضاء أيضاً, تأكيداً لمبادئ العدالة التي تؤمن بها. عزيزي القارئ ليست هذه بمشاهد سينمائية تديرها كاميرا المخرج, إنها مشاهد حية, واقعية أبطالها موجودون وشهودها أحياء. أنا تلك السيدة, وتلك الأستاذة المحامية (والعياذ بالله من كلمة أنا) لكنها أنا فعلاً في ظل قانون العمل القديم بالطبع لست هنا بصدد عرض بطولاتي ومواهبي الدفاعية كمحامية, بل أدعه لمن يعرفني ممن وكلوني عنهم على مدى ثلاثين عاماً من العمل في المحاماة, أو من قرأ مغامراتي في »من أجندة محام« الذي يعرض مسيرتي العملية أو من تعامل معي في المخافر والمحاكم من رجال القانون. ولكنني تساءلت بعد مرور هذين المشهدين »على سبيل المثال لا الحصر«, ودار أمام مخيلتي وقلت لنفسي ماذا سيكون مصير هذه الموكلة المظلومة? إذا كان حظها العاثر قادها لذلك في ظل قانون حظر عمل المرأة بعد الثامنة مساءً? هل كنت سأواجه الطرد من المخفر بعد الساعة الثامنة مساءً التزاماً من المحقق بالقانون الجديد? أو ستظل موكلتي المسكينة في النظارة مقيدة الحرية بل مسلوبة بغير تهمة أياماً أخرى لحين التقائي بها في الصباح? ولأنني سأخضع لتوقيفي قسراً عن العمل بعد الثامنة مساءً, وماذا عن موكلي في المكتب? هل سنقطع استشارته? عندما تدق الساعة »لتذكرنا بساعة عودة سندريلا مسرعة قبل كشف أمرها«? ومن استمر في العمل في مكتبه ما مصيره? هل سيواجه عقوبة إغلاق المكتب بالشمع الأحمر? ومصادرة الملفات والتحرز على الموكلين كأدوات إدانة? ومن طلبني من الموكلين واستنجد بي لحضور تحقيق وتزامن حبسه مع عطلة »الخميس والجمعة« الهم التشريعي الكبير لدى النواب أقصد العطلة المتنازع عليها بالقوات المسلحة. وهل سيتسرب الموكلون الأعزاء إلى المحامين الرجال الذين قد تكون مثل هذه التشريعات تصب في صالحهم بعد الثامنة مساءً لتفردهم بقضايا المخافر والتحقيق? وسيعزز هذا القانون التمييز ضد المرأة ويؤكده متعارضاً مع الاتفاقية الدولية »للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة«. خرجت من هذه التساؤلات التي أرهقت مخيلتي إلى مشهد أكثر إنسانية, وسرح بي خيالي إلى أن أدخلني غرفة عمليات الولادة لسيدة فاجأها المخاض وبولادة متعسرة بين يدي طبيبتها المعالجة, وزوجها في حالة يرثى لها يتمنى من الطبيبة البقاء معها لتقوم زوجته بالسلامة »متمنية أن تكون إحدى زوجات أو بنات أو قريبة النواب الأفاضل الذين صوتوا على هذا القانون«, ولتخرج الطبيبة مبتسمة لتقول له: عفواً... القانون يمنعني من البقاء مع المريضة لأن الساعة الثامنة مساءً, سيتولى موضوع ولادتها طبيب رجل »وما أكثر النواب الذين صوتوا على القانون ممن يرفض أن يولد زوجته طبيب نساء رجل, كما هو موقفهم مع الحق السياسي للمرأة« وبكل شماتة وكما يقول المثل الكويتي وينطبق عليهم »طبخٍ طبختيه... ... إكليه« ولينقلب السحر على الساحر. ثم ضرب مستوى الخيال عندي ليصل إلى أعلى مستواه لأجد معالي الوزيرة الدكتورة معصومة في زيارة فجائية مباغتة إحدى المستشفيات لتغلق الأبواب, عفواً معالي الوزيرة الساعة الثامنة مساءً, القانون يحظر دخولك في جولة تفقدية للمستشفى! وإذا بي أنتقل لقاعة الاجتماعات الخاصة بالوزيرة الأستاذة نورية الصبيح في اجتماع مهم مع قيادييها بشأن موضوع »لجان الثانوية العامة« وفجأة تدق الساعة الثامنة مساءً وينفض الاجتماع بقول هؤلاء: عفواً معالي الوزيرة الساعة الثامنة مساءً, غير مسموح لمعاليك بالعمل معنا, دوامك قانوناً انتهى! كل هذه المشاهد ستحدث لا محالة بعد العمل بالقانون الجديد! أريدكم أن تتخيلوا جميعاً, ثم تتساءلون منطقيا معي لتساعدوني على فك هذه الطلاسم التشريعية التي باتت عاراً علينا في زمن الحريات العامة, واعتلاء المرأة أسوة بهم حق التشريع »على افتراض نجاحها«. هذا القانون الذي تبناه بل ناضل من أجله منتصراً من الألف إلى الياء النائب الذي كان وزيراً للعدل, العدل, العدل هذا القانون شرع لمن? أليس للمرأة? هل تحت ذريعة حمايتها? حمايتها من ماذا? ممن? أين الهدف من التشريع? ويخاطب من في الشرائح النسائية? ويحدد أي نوع من الوظائف? وأي قطاع يقصد? القطاع الحكومي أم الأهلي أم النفطي? ما يؤخذ أولاً على هذا القانون وللأسف مروره على عدد ليس بالقليل من زملائنا القانونيين من النواب, ابتداء برئيس اللجنة التشريعية البرلمانية بمجلس الأمة ومروراً بالقانونيين من المحامين النواب الذين صوتوا عليه ثم عادوا ليفيقوا وليصدروا بيان الاعتذار والذي لا يليق أن يصدر ممن يفترض به أن يعرف أبجديات العمل السياسي والمسؤولية القانونية للتصويت في مداولته الأولى والثانية. أكان هؤلاء مغيبين, أم غرر بهم, ليعودوا من جديد لرشدهم?! وهنا لابد في هذه الحالة لنا كناخبات من وقفة معهم ومحاسبتهم. أما المأخذ الثاني فهو تصويت النواب من أعضاء »لجنة شؤون المرأة البرلمانية« بمجلس الأمة على هذا القانون لإخراجه من مكانه في النور إلى موقعه الجديد المظلم. والذي يجب حياله أن نتخذ أنا وزميلاتي أعضاء »لجنة شؤون المرأة البرلمانية« بمجلس الأمة موقفاً حاسماً تجاه النواب زملائنا في اللجنة من تجاهلهم لنا, ونحن لم نبخل عليهم وقتاً وجهداً بمراجعة مشروع »قانون الحقوق المدنية للمرأة«. وقد كنا ملتزمين بمراجعة هذه المشاريع بل المضحك المبكي أن من بينها قوانين العمل والإجازات, فكيف لم يستأنس برأينا على الأقل كمعنيين? وما الهدف من هذه اللجنة الخاصة بالمرأة في مجلس الأمة? والتي لم يرد في أذهاننا إلا أنها لصالح المرأة? كيف?! ونحن من تفاءلنا بجدية هذه اللجنة وعملنا حثيثاً لصالح المرأة نؤيد ما هو لصالحها ونرفض ما هو ضدها ونستبعد التافه من هذه التشريعات التي كلما زادت انفجرت, في زمن الانفجارات, إطارات التنمية وتعطلت مسيرتها. جهودنا كناشطات في لجنة شؤون المرأة بمجلس الأمة استمرت منذ تأسيس هذه اللجنة في المجلس السابق برئاسة النائب المحترم السيد عبدالوهاب الهارون. وها نحن الآن, نشعر بخيبة أمل بعد هذا الجهد المخلص في سبيل المرأة للارتقاء بها نحو تشريع أفضل جودة, وليس كماً غثاً سميناً يعود بها للوراء ولا يراد به سوى مصلحة النواب أمام ناخبيهم بأنهم أنجزوا كماً وعدداً لا يستهان به من التشريع كقانونهم هذا »حظر عمل المرأة بعد الثامنة مساء«. أما المأخذ الثالث فهو الطامة الكبرى والعلة التي لا نستطيع أن نبرأ منها وأقوى من كل جهودنا, وهو نساؤنا غير الواعيات واللاتي أوصلن مثل هؤلاء لآلة التشريع للأسف ليعبثوا بها للوراء, لا ليديروها. وأي ذهن هذا الذي تفتقت عبقريته لصياغة هذا القانون ليقول: خذوه على علاته, وتحملوا الذهاب للمحكمة الدستورية للطعن بعدم دستوريته لمخالفته لمواد الدستور الكويتي وحرية العمل? حقاً إننا لا نحسد على هذه النوعية من المجالس, إننا لا نعيش فقط ردة سياسية بل نعيش ردة تشريعية. * مستشارة ومحامية أمام محكمة التمييز والمحكمة الدستورية العليا
السياسة

تعليقات

اكتب تعليقك