'شبه مستحيلة'.. خليفة الخرافي واصفاً مهمة إصلاح الكويت

زاوية الكتاب

كتب 720 مشاهدات 0


القبس

إنها.. بلد الأحرار  /  لن نتركهم يخطفونها ليخربوها!

خليفة مساعد الخرافي

 

انها وطن الأحرار لن نتركهم يخطفونها ليخربوها، الله يحفظها من كل شر.. قالها تاجرنا البحار وهو جالس على سطح يخته قادما من طلعة حداق، مقتربا من مدينة الكويت، وقبل الغروب مباشرة وقف تاجرنا البحار ينظر الى مدينة الكويت الجميلة بعماراتها الشاهقة وساحلها الجميل بعشق وهيام، وهو يستمع إلى أغنية المطرب عبدالكريم عبدالقادر «وطن النهار»، متأثرا بكلماتها، وقال لابنه حسين، الذي يمسك دفة اليخت: {يا حسين أهل الكويت جُبِلوا منذ القدم على الحرية وعمل الخير، لا يقبلون بالضيم ولا يهابون الصعاب. فتعاون بدوها وحضرها، شيعتها وسنتها، وأقاموا بجدهم وإخلاصهم وعطائهم وتضحياتهم وطناً في صحراء لا زرع فيها ولا ضرع. ولحمايتها بنوا بأيديهم النحيفة أسوارها الثلاثة}.

ردَّد تاجرنا البحار: «سبحان الله موزع الأرزاق!»، فقد سََخَّرَ الله للكويت موقعاً استراتيجياً متميزاًً مجاوراً لبلد النخيل والتمور (البصرة)، التي تحتاج إلى من هو قادر على تحميل ونقل إنتاجها العظيم من التمور لتسويقه، وكان الكويتيون ماهرين في صناعة السفن الشراعية كما كانوا بحارة مهرة، سفنهم تجوب البحار بإقدام وشجاعة، قادرين على نقل تمور البصرة إلى موانئ الهند وأفريقيا. 

ولتعامل النخب الكويتية المتنورة المباشر مع العراق الديموقراطي في تلك الحقبة، طالب رجالات الكويت الحاكم بمجلس ديموقراطي يمثل الشعب للمشاركة في إدارة الوطن، وهو أمر يليق بأهل الكويت التي لها خصوصيتها في تعاون الحاكم مع شعبه، وبعد مشاورات تمت في ديوان ناصر البدر (كتاب الثقافة في الكويت الطبعة الأخيرة د. خليفة الوقيان وثيقة تاريخية نادرة لموقعي المطالب)، وافق الحاكم الذي اشتهر بحلمه. ففي عام 1921 تأسَّس في عهد المرحوم الشيخ أحمد الجابر مجلس الشورى برئاسة المرحوم حمد الصقر، ومن أعضائه هلال بن فجحان المطيري. ويذكر تاجرنا البحار: في عام 1930 تأسست البلدية وشُكل مجلسها بالانتخاب المباشر، وكان رئيسها الشرفي المرحوم الشيخ عبدالله الجابر ومدير البلدية المرحوم سليمان العدساني. وطالب الشباب الوطني في تلك الفترة بمجلس أكثر سلطة للشعب، ووافق الحاكم الحليم وأنشأ مجلس 1938 وبعده مجلس 1939 بالانتخاب المباشر، وترأسهما المرحوم الشيخ عبدالله السالم، وتذكر تاجرنا البحار مرحلة الاندفاع الزائد للشباب الوطني أعضاء المجلس التشريعي للسيطرة على جميع السلطات لإدارة الدولة، مما أغضب الحاكم بعد أن أوغرت البطانة صدر الحاكم، فحل المجلس، فثار الشباب وقمع الحاكم الثورة بالعنف وبالنار والحديد، وسميت سنة المجلس «دون سكرتير المجلسين التشريعيين الأول والثاني المرحوم خالد سليمان العدساني في مذكراته». نجح أعضاء المجلس التأسيسي عام 1961، بعد شد وجذب مع السلطة، في تشريع دستور 1962 لدولة الكويت مكون من 183مادة.

شعر تاجرنا البحار بأسى وحزن لمصير نضال أهل الكويت من أجل الديموقراطية ونجاحهم في تطبيقها في البداية وإيصال من يتصدى من نواب منتخبين للفساد، وفرضوا تطبيق القانون بحزم وصرامة، مما جعل السلطة تتخوف من أهل الكويت ولم تأمن لهم، فأشارت البطانة الفاسدة على السلطة بالتجنيس وتوسَّعوا فيه، فهناك ممن تم تجنيسهم مَن أخلص وضحَّى بعلمه وعطائه، مقدراً بامتنان دور من بنى كويت الماضي ممن جاء قبله من أهل الكويت، ومقدراً حكامها. وهؤلاء ينحطُّون على الراس لطيبهم ورقي أخلاقهم وتضحياتهم «والغزو يشهد لهم». إلا أن البعض الآخر أصبح يتصيد ويحقد بأسلوب فج مُنَفّر ويتهكم و«يتمسخر» وينقم على من بنى أجداده الكويت ويثير النعرات ضدهم، يا ولدي حسين، لقد تمادوا كثيراً في غيّهم إلى درجة أصبح بعض أهل الكويت منزعجين من أسلوب هؤلاء الاستفزازي، جعلهم يرددون «البيت بيت أبونا والقوم خانقونا»! لا، بل ولّدت تصرفاتهم الرعناء رد فعل عكسياً، فجعل البعض نكاية فيهم يصوّت لمحمد جويهل الذي نرفض طرحه شكلاً وموضوعاً وجملة وتفصيلاً. لقد أنعم الله تعالى على أهل الكويت لشقائهم وطيبتهم وحسن نواياهم، بأن عوّضهم بثروة النفط، فأتى من اختطفها منهم، وهو لا يحمد ولا يشكر. وللأسف - يا ابني - سمعت بأذني وشاهدت بعيني من يشمت من الشامتين بالسلطة التي عانت وعانت معها البلاد والعباد لقرار التجنيس المتسرع «كالمستجيرِ من الرمضاءِ بالنارِ»، ويتهكم هؤلاء الشامتون على السلطة بخطيئة التجنيس بالمثل المعروف «خبزٍ خبزتيه يالرفلة أكليه»، وبمثل آخر «اصبر على مجنونك لا يجيك أجن منه»، فأتاها من هم أكثر جنوناً واندفاعاً وشرّاً من شباب حقبة الثلاثينات والستينات، لا بل عاثوا في الوطن فساداً برضا وقبول وتهاون ورضوخ وتواطؤ من السلطة، فبطروا النعمة وطغوا وتمادوا في التطاول والتجريح والتهكم برموز الأسرة!

إن مهمة الإصلاح صعبة أو شبه مستحيلة، لأنها تحتاج جهداً كبيراً لتوعية الشباب ليكون الجميع تفكيره واحد، وهو إصلاح الكويت وتطويرها وتطبيق القانون على الكبير قبل الصغير، فعلاً لا قولاً، كما يدعي رموز المعارضة وهم من يكسرون القوانين بوساطاتهم الجائرة وخذونا بالصيحة، فأصبحت الأولوية لمن لا يستحق الأولوية له، لأنه ينتمي إليهم، وهذا هو الحل الوحيد والسبيل الأمثل لتطوير مفاهيم شباب الكويت من أجل مستقبل أفضل لأطفالنا. 

 ***

في ساحة الإرادة تجمّع بشكل راق وحضاري مجاميع من أهل الكويت لتطوير الديموقراطية وليس للمطالبة بعدم تكميم الأفواه وليس لتطالب بلقمة العيش، ولم يكن أحد من حضور تجمع ساحة الإرادة يرغب في إشعال النار في جسده، كما فعل المواطن التونسي البوعزيزي، وبعدما اشتعلت النار في جسد البوعزيزي الذي هَدّ جسدهُ النحيل الفقر والقهر والفاقة وانتقلت النار من جسدِهِ وأشعلت ثورات في دول: تونس ومصر وليبيا واليمن، فطردوا حكامهم شر طردة وستتبعها قريباً سوريا.

أذكر أنني حين كنت في إجازتي في فرنسا وكنت جالساً في أحد المقاهي الشعبية التي يرتادها بسطاء العرب العاملين في فرنسا من تونسي ومصري وليبي وسوري، وتبادلت الحديث معهم تمنوا جميعاً أن يحصل المواطن العربي على ربع ما يحصل عليه المواطن الكويتي من امتيازات، خصوصاً أنه لا يوجد في الكويت سجناء رأي يُنَكل بهم، بل كان لأحدهم صديق فرنسي جالس ترجموا له ما أذكره من امتيازات يحصل عليها الكويتي والكويتية، لم يصدق الفرنسي أن بإمكان أي كويتي أن يحصل من الدولة على مهر للزواج وبعد زواجه يُعطَى ربع مليون دولار ليشتري شقة كبيرة ويدفع 90 ديناراً فقط أقساطاً شهرية، إلا أن الكويتيين يفضلون أرضاً وقرضاً، كما يُعطَى له مبلغ 150ديناراً يعينه على الإيجار ودعم عمالة لتشجيعه على العمل في القطاع الخاص وراتب بطالة، وتساعد الدولة المعسر في ديونه، والمطلقة والأرملة وكبير السن والمعاق يُعطون راتباً، والعلاج في الكويت مجاناً، بل يُبتعث المرضى للعلاج في الخارج ويكثر الابتعاث في فترة الصيف لتصبح سياحة، والولادة مجاناً، والدفن في المقبرة مجاناً، والتعليم مجاناً، بل إن الطالب يتسلم إعانة شهرية تبلغ مائتي دينار، ومؤونة البيت مدعومة، والكهرباء والماء مدعومان، وتعطي الدولة للمواطنين قسائم هجن ومناحل وإسطبلات ومزارع وللصناعيين قسائم صناعية، والخبز مدعوم، فتمنى صديقنا الفرنسي أن يكون كويتياً.

***

 أنا من أشد المؤيدين لتطوير ديموقراطيتنا العرجاء القاصرة، والتي أبرزت معارضة منتفعة تكسر القوانين لواسطات جائرة وتهدد وتتوعد باستجوابات لترهب الوزراء المرتجفين المرتعبين منهم، لتمرير واسطاتها الجائرة. ديموقراطيتنا التعيسة خلقت حكومات متخبطة مقصرة مبذرة تحمي الفساد والمفسدين وتدافع عنهم، لا تُطوَّر ديموقراطيتنا بالتحدي والتهديد والوعيد والتعنت والصدام، بل بالحكمة والتفاهم والإقناع. لتقديرنا الكبير لشيوخنا لا نقبل الإساءة إلى من يتقلدون المناصب الوزارية منهم. فما يخسره الشيوخ من مكانتهم وهيبتهم بالتعاطي بالشأن العام قد يجرح كرامتهم، كما حصل لرئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد، بالمطالبة برحيله فرحل مجبراً.

مطالبات المعارضة الطارئة لتطوير الديموقراطية هي أقرب إلى المشاكسة والمناكفة منها كقناعة، لأنهم منذ شهرين فقط يحذِّرون من المساس بالدستور، لهذا لتخبطهم لم يجدوا تجاوباً كبيراً معهم من الشعب.

 ***

دراسة قيمة نشرت أمس الخميس في الزميلة {السياسة} عن المجالس التشريعية والشورى والمعارف والبلدية قبل حقبة النفط ذكرت فيها أسماء اعضائها.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك