الشفافية.. هل هي مجرد إسقاط على الآخرين فقط؟ بقلم د. عبد الله الحريري
الاقتصاد الآننوفمبر 27, 2012, 5:31 م 826 مشاهدات 0
تكثر في عالم اليوم الأعمال والمهام على مختلف توجهاتها، وقد أدى هذا إلى تسابق محموم قاس. تسابق طغى - في كثير من الأحيان - على مبادئ الإنسان وقيمه، فظهر نوع جديد من الجرائم، التي تختلف في جوهرها وطريقتها عن الجرائم التقليدية التي كانت تحدث من فجر الإنسانية كالقتل والسرقة، فجرائم اليوم ذات طريقة مختلفة ونوع مختلف، وهذا النوع من الجرائم يتمثل في الفساد بمفهومه الشامل ويتمثل في كثير من الممارسات السلوكية كظلم إنسان وغمط حقوقهم الإنسانية في العمل والترقية، أو أن يكون هذا الفساد في عدم الأمانة والوفاء بالالتزامات التعاقدية والإشرافية مثل أن يرسي مشروعا على مقاول فيقوم بالبناء وفق مواصفات أقل مما تم الاتفاق عليه، ليوفر المال، أو أن يقوم مسؤول بإخفاء ما لديه من وظائف وتجييرها لمعارفه وذويه والمقربين منه، في تجاهل لحق تكافؤ الفرص. هذه بعض النماذج والسلوكيات غير النزيهة التي يكون وقعها أكبر وأعظم من الجريمة المباشرة الواضحة، فعندما تتم سرقة بنك فنحن نعرف أن هناك عملية سطو قد وقعت وأننا خسرنا مبلغا محددا من المال، لكن النوع الأخطر من الجرائم هي تلك التي يصعب اكتشافها وأيضا تكون نتائجها فادحة وعلى مدى الزمن. هذا النوع من الجرائم لا يمكن السيطرة عليها أو مكافحته دون مبدأ معروف ومشهور في العالم وهو الشفافية، التي تعني الوضوح، وهي نقيض السرية بشكل تام، أو ما يعرف لدينا بالستر، وعدم الفضيحة وعدم التشهير. فالشفافية تعني سهولة الحصول على المعلومات سواء للأفراد أو المؤسسات المعنية، ويقصد بالمعلومات، على سبيل المثال تلك التي فيها تفاصيل عن المشروع وتكلفته ومدته ومراحل تنفيذه واسم المنفذ ونحوها من المعلومات التي تؤطر وتضع المواطن في الصورة ويستطيع أن يتابع هذا المشروع الذي يتم إنشاؤه ليستفيد من خدماته. وبشكل عام فالشفافية تعني الإفصاح والوضوح وأيضا سهولة الفهم. وأهمية هذا المبدأ العظيم – الشفافية – أنها تقلل الضبابية وبالتالي خير ما تكافح به الفساد، وهي من أهم الأدوات التي بواسطتها يمكن زيادة فاعلية المواطن ومشاركته في الرقابة العامة على المنجزات الوطنية وفق تنظيم وعدم تجنٍ أو ظلم، ذلك أنها ترفع حس الرقابة الذاتية لدى المسؤولين، وأصاحب القرار، بل الأخطر والأجمل في آن أنها تساعد بشكل بالغ على معرفة الأداء، وأين حدث الإخفاق أو الفشل، وأين النجاح والتميز، فكل الأمور واضحة ولا شيء مغطى أو مستتر، فالجميع يعلم. ومن خلال تجارب كثيرة سواء على مستوى مؤسسات أو حتى على مستوى دول كان واضحا أن الشفافية محرك رئيس ساعد على تحقيق تنمية عالية مستقرة ومكاسب كبيرة في مجالات عدة منها التعليمية أو المهنية أو الاقتصادية وغيرها. وغني عن القول أنها أيضا أسهمت في كسب الوقت وتوفير جهود كبيرة سواء في الجهد أو التكلفة وبالتالي لم تحدث فوضى أو تشتت في الأعمال والمهام، لسبب بسيط أن كل عامل يدرك تماما أنه مسؤول، وأنه يعمل تحت الضوء ولا يوجد أي مبرر ليخفي أي شيء.
الشفافية ليست نظاما أو تنظيما أو نظرية بقدر ما هي ممارسة سلوكية واعتقاد فكري يمارسه الإنسان في حياته اليومية، فمن السهل أن تطالب الآخرين بالشفافية، ولكن لا تمارسها، وهذا تناقض واضح في المعايير وازدواجية، وإذا أردنا من الآخرين أن يكونوا شفافين فلا بد أن نمارسها في أغلب شؤون حياتنا حتى تصبح ثقافة مجتمع وليست ثقافة فردية، لأن المسؤول غير الشفاف هو في حقيقة الأمر مواطن وأب أسرة ومربٍ لا يؤمن بمبدأ الشفافية وأنها تجاوز أخلاقي أو اجتماعي وعرفي وخط أحمر من الصعب عليه تقبلها في بقية الممارسات الأخرى، وعلى ضوء ذلك عندما ظهرت الكثير من المفاهيم والمصطلحات كالنزاهة والفساد والعنف الأسري وحقوق الإنسان والشفافية وغيرها لم تجد آذانا صاغية عند الغالبية واعتبرها البعض تعديا على الحقوق الأسرية أو الشخصية في مجتمعنا وحاربها البعض كلاميا ولم يمارسها واقعيا، وآخرون مارسوها من خلال جمعيات المجتمع المدني وأسقطوها على تلك الجمعيات لأنهم لا يستطيعون أو لا يؤمنون بممارستها في حياتهم الطبيعية، وسيبقى هناك صراع بين الشفافية وهو محور حديثنا اليوم وبين النزاهة حتى يتخلص الناس من ثقافة (هذا سري)، ومن ارتباط العيب بالشفافية في الحياة اليومية.
تعليقات