تساؤلات حول رسوم العمالة الوافدة في المملكة .. تجارة الإقامات وتحويلات العمالة بقلم أ.د. محمد إبراهيم السقا
الاقتصاد الآننوفمبر 27, 2012, 5:34 م 721 مشاهدات 0
تناولنا في الحلقة السابقة من هذا المقال تحليل التساؤل الخاص بمدى قدرة أرباب العمل في القطاع الخاص في المملكة على تحويل عبء الرسوم على عاتق العمال في هذا القطاع، اليوم نتناول بالتحليل قدرة الرسوم على العمالة الوافدة على القضاء على تجارة الإقامات، وهل ستؤدي الرسوم إلى التأثير في تدفقات تحويلات العمالة الوافدة إلى خارج المملكة؟
لنبدأ بالتساؤل الأول؛ هل سيؤدي القرار إلى القضاء على ظاهرة تجارة الإقامات ومن ثم انتشار العمالة العشوائية أو ما يطلق عليه العمالة السائبة في المملكة، التي لا تنتمي إلى قطاع محدد في الدولة؟. للإجابة عن هذا السؤال لا بد أن ندرك أن تجارة الإقامات بطبيعتها تقوم على تحقيق عوائد ريعية من جانب من يمتلك حق بيع تراخيص الاستقدام في المملكة للعامل الوافد، وتعتمد هذه التجارة بشكل أساسي على رغبة التاجر في بيع ما يملكه من تراخيص استقدام، ومدى استعداد العامل الوافد لدفع ثمن مثل هذه التراخيص، ويعتمد ثمن ترخيص الاستقدام بالطبع في هذه الحالة، مثله مثل غيره من الأثمان، على عوامل العرض والطلب في سوق العمالة السائبة، وطالما أن العامل الوافد مستعد لدفع الثمن المطلوب للتصريح فإن تجارة الإقامات ستستمر في الانتعاش. إن تحليل أثر الرسوم في تجارة الإقامات ينبغي أن يأخذ في الحسبان العوامل الآتية:
أولا: قيمة الرسم المفروض على العامل الوافد التي تحدد مدى استعداد العامل الوافد على دفع هذا الرسم، بالطبع كلما ارتفعت قيمة الرسم انخفضت رغبة العامل الوافد في القدوم إلى المملكة للعمل في القطاع غير المنظم نظرا لارتفاع تكلفة مخاطر العمل في هذا القطاع.
ثانيا: فروق الدخول التي يمكن أن يحصل عليها العامل في المملكة وفي بلده الأصلي، فكلما ارتفعت هذه الفروق في الدخول ازداد إقبال العامل الوافد على قبول الانخراط في القطاع غير المنظم في المملكة.
ثالثا: احتمال حصول العامل على فرصة عمل في القطاع غير الرسمي في المملكة. فكلما ارتفعت احتمالات الحصول على فرصة عمل في هذا القطاع ازداد الإقبال على هذا النوع من التجارة.
وبتحليل هذه العناصر نجد أن قيمة الرسم المفروض حاليا لا تعتبر كبيرة (200 ريال شهريا). من ناحية أخرى، فإن الفروق الدخلية بين المملكة وتلك المستويات السائدة في دول الأصل لمعظم العمالة الوافدة تعتبر كبيرة إلى الدرجة التي تحفز العامل الوافد على شراء ترخيص الاستقدام. من ناحية أخرى أيضا يلاحظ أن سوق العمل غير الرسمي كبير في المملكة، حيث يشمل تقريبا معظم المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم وقطاع الخدمات غير المنظم، الذي يكون أكثر استعدادا لاستخدام هذه النوعية من العمالة بصورة غير رسمية طالما أنها لن تضاف إلى رصيد العمال المصرح لهم بالعمل في المنشأة، ومن ثم لن تؤثر في نسبة استخدام العمالة الوافدة إلى العمالة الوطنية التي تفرض عليها الرسوم. في ظل هذه الظروف فإنه ليس من المتوقع أن تؤدي الرسوم على العمالة الوافدة إلى التأثير في تجارة الإقامات.
إن القضاء على تجارة الإقامات يقتضي إذن أن يكون هذا الرسم مرتفعا إلى الحد الذي يقضي على الفروق الداخلية بين المملكة ودولة الأصل، وفي الوقت ذاته التعامل بصورة صارمة عند ملاحقة العمالة السائبة وسد فرص العمل أمامها في القطاع غير الرسمي، بهيكل غرامات مكلفة للغاية للمنشآت التي يعمل فيها هؤلاء العمال، بالشكل الذي يجعل صاحبها يفكر ألف مرة قبل استخدام عامل غير رسمي.
والآن هل ستؤدي الرسوم على العمالة الوافدة إلى تقليص حجم التحويلات التي يقوم بها الأجانب سنويا؟ الإجابة تعتمد مرة أخرى على ما إذا كان رب العمل سيحمل العامل هذه الرسوم أم لا، أغلب الظن أن رجال الأعمال سيحملون العمال هذه الرسوم، كما شرحنا ذلك في الأسبوع الماضي، لكن حتى لو تم ذلك فإن تقييم أثر الرسوم في تحويلات العمالة الوافدة لا بد أن يأخذ في الاعتبار العوامل التالية:
الأول: وهو أن الكثير من العمالة الوافدة غالبا ما تأتي للمملكة وفي ذهنها تحقيق مستويات مستهدفة من الادخار أو التحويل Target remittances، ويحاول العامل الوافد تحقيق هذا المستوى المستهدف من المدخرات المحولة شهريا حتى لو كان ذلك على حساب استهلاكه اليومي داخل المملكة. فإذا ما تم فرض الرسوم على العامل فإنه غالبا ما سيستجيب لهذه الرسوم من خلال تخفيض استهلاكه للتمكن من تحويل المستوى المستهدف من المدخرات شهريا، وعلى ذلك فإنه من المتوقع في حال تم تحويل عبء الرسوم على العامل ألا تنخفض تحويلات العمالة الوافدة، لأنها ستستمر في تحويل المستويات المستهدفة لهذه المدخرات، خصوصا تلك التحويلات التي تتم لتمويل احتياجات معيشة الأسر في دول الأصل بغض النظر عن تأثير الرسوم.
الثاني: وهو إجمالي حصيلة الرسوم المتوقعة إلى إجمالي تحويلات العمالة الوافدة في المملكة. كما سبقت الإشارة إلى أن أقصى حصيلة متوقعة لهذه الرسوم هي نحو 12 مليار ريال، وهي تقديرات أعتقد أنها مبالغ فيها جدا لأسباب عدة أهمها هي أن هذه التقديرات قائمة على إجمالي العمالة الوافدة في المملكة، بينما الواقع أن هذه الرسوم ستفرض على نوع واحد من العمالة فقط وهو العمالة الوافدة في منشآت القطاع الخاص التي تزيد فيها نسبة العمالة الوافدة على العمالة الوطنية، معنى ذلك أن المنشآت التي تستوفي هذه النسبة لن يدفع عن العاملين فيها هذه الرسوم، ومن ثم يجب ألا تدخل في تقديرات إيرادات الرسوم.
الثالث: أن الرسوم ستفرض فقط على منشآت القطاع الخاص، معنى ذلك أن العمالة الوافدة التي تعمل في القطاعات الحكومية مثل قطاع التعليم والصحة وكل مؤسسات الدولة الأخرى لن تكون خاضعة لمثل هذه الرسوم، وبالتالي فإن أعداد العاملين في هذه المصالح، التي تمثل نسبا جوهرية في بعض الحالات، لن تدفع رسوما.
الرابع: أن إجمالي التحويلات السنوية للعمالة الوافدة من المملكة ضخم جدا إلى الحد الذي لا تؤثر الإيرادات المتوقعة للرسوم في العمالة الوافدة عليها، فوفقا لآخر البيانات المتاحة من البنك الدولي، فقد تم تحويل 27,069 مليون دولار في عام 2010، وهو ما يمثل نحو 101,509 مليون ريال. معنى ذلك أن الحد الأقصى المتوقع للرسوم، على الرغم من المبالغة الواضحة في تقديراتها، سوف لن يشكل سوى 12 في المائة من إجمالي تحويلات العمالة الوافدة إلى الخارج.
الخامس: أن التأثير النهائي للرسوم في تحويلات العمالة الوافدة سيعتمد على الأثر المتوقع للرسوم في أعداد العمالة الوافدة، والأثر المتوقع للرسوم في سعودة سوق العمل، وقد تناولنا في الحلقتين السابقتين بالتحليل هذا الأثر وتوصلنا إلى أنه بالمستويات الحالية للرسوم وبطبيعة الأوضاع السائدة في سوق العمل السعودية، والقيم التي تحملها العمالة الوطنية حول طبيعة العمل الذي يجب أن تعمل فيه، فإن الأثر المتوقع للرسوم على السعودة سيكون ضئيلا.
الخلاصة هي أن حصيلة الرسوم المتوقعة من هذا القرار ستكون أقل بكثير من تلك المستويات المقدرة لها، حتى لو فترضنا أن هذه التقديرات صحيحة فإنها ستشكل نسبة صغيرة من إجمالي التحويلات السنوية للعمالة الوافدة، ومن ثم لا تأثير جوهري للرسوم في تحويلات العمالة الوافدة، فضلا عن أنها لن تؤدي إلى توقف تجارة الإقامات.
وأخيرا، لقد أثير ضمن ما أثير من آثار للرسوم هي أنها ستؤدي إلى رفع مستويات الأسعار في المملكة، فهل بالفعل سيترتب على الرسوم على العمالة الوافدة ارتفاع معدل التضخم في المملكة، هذا السؤال نتناوله بالتحليل في الحلقة الأخيرة من هذا المقال - بإذن الله تعالى.
تعليقات