قطاع تكرير النفط يعاني اختلال التوازن وطول التوريد بقلم د. نعمت أبو الصوف

الاقتصاد الآن

655 مشاهدات 0



لقد اعتادت مصافي التكرير أخيرا على التقلبات في أسواق قطاع تكرير النفط وتذبذب هوامش الأرباح. لقد ارتفعت هوامش أرباح مصافي التكرير في الربع الثالث من هذا العام إلى أعلى مستوى لها في عامين، لكنها انهارت بعد ذلك نتيجة لضعف الطلب على البنزين وزيت الوقود في هذا الربع (الرابع). بصورة عامة من الصعب تحقيق أرباح دائمة من المصافي، حيث إن هوامش الأرباح متقلبة والمنافسة شديدة. تحتاج المصافي إلى معدلات تشغيل واستثمار للطاقات المتاحة عالية لكي تتمكن من تحقيق أرباح.

بالإضافة إلى ذلك هوامش أرباح المصافي دائما تتقلب بصورة أكثر بكثير من الأسعار المطلقة للمنتجات، الأمر الذي يعكس دورها الرئيس كمؤشر في التوازن بين العرض والطلب على المنتجات النفطية، لكن هذه التقلبات في هوامش الأرباح هي في ارتفاع مستمر نتيجة الاتساع في سلسلة توريد إمدادات المنتجات النفطية، وزيادة الفترة الزمنية الفاصلة بين استجابة الطلب والعرض.

لقد حدث تحول كبير في التجارة العالمية للمنتجات النفطية نتيجة التحولات التي طرأت على الاستهلاك الإقليمي للمنتجات ونوعية المنتجات المطلوبة في كل منطقة. إن رفع مستوى طاقات التكرير، وبصورة خاصة رفع مستوى طاقات إزالة الكبريت، لم يواكب التغير الذي حدث في مواصفات المنتجات المطلوبة والتوزيع الجغرافي لاستهلاك المنتجات النفطية. إن تراجع الطلب على النفط في دول منظمة التعاون والتنمية منذ الركود الاقتصادي حول الولايات المتحدة إلى مصدر صافٍ للمنتجات النفطية وترك أوروبا مع فائض كبير من النفثا، البنزين وزيت الوقود. إن قيام المصافي بإغلاق الطاقات الفائضة ترك فجوة في إمدادات بعض أنواع المنتجات التي تم التعويض عنها عن طريق الاستيراد من أماكن بعيدة.

إن خطوط إمدادات المنتجات النفطية أصبحت أطول، ما جعل أسعار المنتجات النفطية أكثر عرضة للتقلبات المفاجئة في هوامش الأرباح عند تحول الأسواق من الفائض إلى العجز وبالعكس. يتم عادة شحن المواد الخام والمنتجات غير النهائية حول العالم، لأن شركات التكرير تسعى إلى الاستخدام الأكثر كفاءة لطاقات النفط المتاحة وطاقات وحدات التعزيز upgrading capacity المتاحة. على سبيل المثال، تقوم أوروبا بتصدير مكونات مزج البنزين إلى الولايات المتحدة، وتقوم الأخيرة بتصدير البنزين النهائي إلى أمريكا اللاتينية. مصافي دول الاتحاد السوفيتي السابقة تقوم بإرسال زيت الوقود والمواد الخام لوحدات التكسير إلى الولايات المتحدة وآسيا - المحيط الهادئ، ما يخلق فائضا في وقود الديزل في أسواق الولايات المتحدة الذي يتم شحنه بشكل منتظم إلى أوروبا.

إن أسعار المنتجات النفطية قد تتقلب فجأة، ما قد يؤدي إلى اتساع أو انخفاض هوامش الأرباح، في وقت يكون فيه وقت وصول شحنة النفط يحتاج إلى أكثر من بضعة أيام. لقد فقد الساحل الشرقي للولايات المتحدة أكثر من 500 ألف برميل في اليوم من طاقات التكرير في السنوات الثلاث الماضية، نحو ثلث رصيده، بينما الطلب على البنزين في هذه المنطقة المكتظة بالسكان قد انخفض فقط 100 ألف برميل في اليوم في الفترة نفسها. كما تتكيف هذه المنطقة أيضا مع توقف مصفاة بطاقة 350 ألف برميل في اليوم في وقت سابق من هذا العام في منطقة البحر الكاريبي ومع سلسلة من الحوادث والمشكلات التقنية في المصافي الفنزويلية، حيث فقد الساحل الشرقي للولايات المتحدة نحو 150 ألف برميل في اليوم من واردات البنزين نتيجة توقف هذين المصدرين وحدهما.

الأسواق المحلية في الساحل الشرقي للولايات المتحدة تعتمد الآن بصورة أكثر من قبل على شحنات البنزين المقبلة من أوروبا، كما تقوم بانتظام بتوجه بعض الشحنات من مناطق بعيدة مثل الهند. منذ أوائل عام 2011 شهدت هوامش أرباح البنزين على ساحل المحيط الأطلسي تقلبات أكبر بكثير وبصورة أكثر انتظاما مما كانت عليه في السنوات السابقة.

مصافي ساحل الخليج في الولايات المتحدة تعتمد على واردات المواد الأولية الثقيلة لرفع مستوى معدلات التشغيل والاستثمار الكامل لجميع طاقات وحدات التعزيز. لقد بلغت الواردات أكثر من 400 ألف برميل في اليوم هذا العام، أكثر من نصفها يأتي من روسيا حيث توجد طاقات تكرير ولكن وحدات التعزيز قليلة نسبيا. ثم يتم تصدير المنتجات النهائية لتلبية النقص في أمريكا اللاتينية وأوروبا وآسيا، نحو أكثر من مليوني برميل في اليوم من المنتجات النهائية خصوصا نواتج التقطير والبنزين تقوم الولايات المتحدة بتصديرها إلى هذه الأسواق.

أوروبا ما زالت تملك طاقات فائضة كبيرة على الرغم من قيامها بإغلاق عدد من طاقات التكرير في الآونة الأخيرة، منذ عام 2009 تم إغلاق أو إيقاف بصورة مؤقتة أكثر من 1.5 مليون برميل في اليوم من طاقات التكرير الأوروبية. مع ذلك ما زال هناك عدم توازن في المنتجات النفطية، حيث يوجد عجز كبير في نواتج التقطير المتوسطة وفائض من البنزين، النفثا وزيت الوقود. عدم التوازن هذا أدى إلى انخفاض هوامش أرباح التكرير بشكل عام. تستهلك روسيا بشكل متزايد زيت الغاز (الديزل) المنتج محليا، ما اضطر أوروبا إلى استيراد المزيد من الولايات المتحدة وآسيا - المحيط الهادئ. الأسواق الأوروبية تتنافس الآن مع الاقتصادات النامية في أمريكا اللاتينية وآسيا على وقود الديزل.

إن امتداد سلسلة توريد المنتجات النفطية لمسافات أطول جعل عملية توريد المنتج المناسب إلى المكان المناسب في الوقت المناسب عملية أكثر تعقيدا وتكلفة. إن وجود نقص في بعض المنتجات وفائض في منتجات أخرى، يضطر شركات التكرير إلى البحث عن أسواق أبعد للتخلص من فوائض المنتجات. في وقت تحاول فيه الأسواق معادلة هذه الاختلالات، لكن خطوط الإمداد الطويلة سوف تؤدي حتما إلى حدوث حالة من الإشباع في أسواق معينة أو عجز في أخرى. إن تذبذب هوامش الأرباح وأسعار المنتجات هو الثمن الذي يدفعه أصحاب المصافي والمستهلك نتيجة عولمة أسواق المنتجات النفطية.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك