مطلوب عسكري خليجي متقاعد

عربي و دولي

8759 مشاهدات 0


تصر النواة الصلبة من المستشارين حول صانع القرار الخليجي على القول بحرصها في تلمس معاناة المواطن ونقلها مع حلولها الناجعة لمن في يده الأمر .لكن الحقيقة أن تلك النواة مستمرة في إنتاج القوانين والمقترحات التي تحتل فيها الموقع المركزي دائما. ولأن التعميم هو أبسط آلية يداري بها العقل البدائي فشله، فلن نقول إن جميع مستشاري السلطة من ذوي الأعماق الأخلاقية المقفرة.لكن جلهم ينتج مقترحات قابليتها للتطبيق تقترب من الصفر بدليل العجز عن حل مشاكل التعليم والصحة والإسكان والبطالة. ففي الكويت مثلا لدينا مايصل الى 22 ألف مواطن ينتظرون فرصة العمل، في الوقت الذي هناك فيه من يتغنى بنجاحه في خلق فائض ميزانية بلغ 45 مليار دولار وصندوق سيادي بقيمة 400 مليار دولار في بلد يبلغ تعداد سكانه من الكويتيين1.2 مليون نسمة فقط . فكيف لايجد المواطن عمل أو سكن في الوقت المناسب من عمره مع كل هذه الأموال.وإذا لم يكن هذا ساخرا فأين تكمن الكاريكاتورية ؟

ويبدو أن 'المقترحات الصفرية' قد انتقلت من المستوى القطري الى المستوى الإقليمي.فعلى موقع الأمانة العامة لمجلس التعاون نشر الدليل اﻹرشادي للاستفادة من العسكرﯾﯿن المتقاعدﯾن بـدول المجلس. وأعتذر مقدما أن كنت قد أعدت صياغة أفكار الموقع بطريقة قريبة من الأصل أكثر مما ينبغي. حيث أتت المقدمة معزية ومحاولة أن تجبر خواطرنا إلى إن التقاعد للعسكري لﯿس نھاﯾة المطاف بل ھو تجدد في البذل والعطاء والانتماء والوﻻء. ثم تحاول تسويقنا –معشر العسكر المتقاعدين -من إن لنا دورًا رياديا في تعزيز القوات المسلحة بدول مجلس التعاون وليس في أوطاننا فقط. وتحرص على أن تضع حكمة (الخبرات ﻻتتقاعد) بين قوسين مكملة التعزية بأن هناك الكثير من العسكرﯾﯿن المتقاعدﯾن الذﯾن ﯾتمتعون بالحزم والانضباط والتزام النظم والقواعد، والذي من شأنھ أن ﯾعزز منظومة العمل العسكري في مناحي الحياة في جمﯿع دول المجلس من أصحاب التخصصات الفنﯿة الذﯾن تحتاجھم المؤسسات العسكرية للاستفادة من خبراتهم العملية والفنية خاصة وان الأجيال الجديدة غالبا ما تفتقر إلى ھذه الخبرات.

ويذهب الدليل الاسترشادي الى أنه يمكن الاستفادة من خبرات وكفاءات العسكرﯾﯿن المتقاعدﯾن للمساهمة في تقلﯿل اﻻعتماد على العاملﯿن من غﯿر أبناء دول المجلس.ولا أعلم كيف سيتم ذلك إذا كانت شركات صيانة الأسلحة والتغذية والطبابة توظف من شرق آسيا من تشاء ولا وجود لشرط توظيف المتقاعدين الخليجيين إلا في أضيق الظروف لعدد لايتجاوز الخمسة ولمدة لاتتجاوز العامين فقط في الشركة الواحدة .

كما يشير الدليل الى دور المتقاعدين في المساھمة بنقل الخبرات والمعارف التراكمﯿة لﻸجﯿال الشابة من أبناء القوات المسلحة في الدول اﻷعضاء.وهو كما نعرف أمر يتناقض مع واقع الاتفاقيات الأمنية التي يشمل العديد منها توقيع بروتوكولات تعاون تعليمي و تدريبي بين وحدات التعليم العسكري الخليجية مع وحدات أميركية وأوروبية وبالكاد يجد العسكري العامل فرصة ممارسة التعليم في المعاهد التي تخرج منها فما بالكم بالعسكري المتقاعد ! لقد كان أكثر ما أغاضني عند قراءة الدليل الاسترشادي فقرة الشروط الواجب توافرھا في المتقاعد؛ والتي انحصرت في أن يكون خليجيا،ﻻئقاً طبﯿا،من ذوي اﻻختصاص،وﯾتم التعاقد وفقاً لنظام الدولة المستفﯿدة،وخاضعا لنظام التقاعد العسكري في دولتھ، وان توافق دولته. ومرد الغضب هو سهولة الشروط لدرجة تصوري لاصطفاف ثلاثة ألوية من المتقاعدين أمام مكتب التوظيف.

 بمعنى إن هناك من يبيع الحلم مغلفا بالسهولة واليسر، مما يدل على بعده عن الواقع أو لرفع العتب من أبناء للخليج امضوا فترة شبابهم في الذود عن حياض الوطن.

ثم يعرض الدليل المجاﻻت التي ﯾمكن اﻻستفادة فﯿھا من العسكرﯾﯿن المتقاعدﯾن،وتشمل وظائف مرموقة كمستشارين في مختلف المؤسسات والقطاعات العسكرﯾة والمدنﯿة.بل وفي المؤسسات الحقوقﯿة والقانونﯿة والمالﯿة وفي مراكز الدراسات اﻹستراتﯿجﯿة وفي المؤسسات التعلﯿمﯿة والتدرﯾبﯿة،وأيضا في مجاﻻت العمل في تخصصات الھندسة بجميع فروعھا وفي الطﯿران وأجھزة المشبھات والطب والتمرﯾض والوظائف الطبﯿة المساعدة. بل إن الأمانة العامة قد تجاسرت لتقترح توظيفهم كمستشارين أو مدراء في المنظمات أو الھﯿئات الدبلوماسﯿة بدول المجلس.

وهنا نقر إن المهنة الوحيدة التي ذكرت في الدليل ومفتوحة للمتقاعدين العسكريين هي الحراسة في الشركات اﻷمنﯿة الخاصة. ومما يحزن أن يفرح بالعمل فيها جنود لديهم الخبرة لفك وتركيب محرك طائرة مقاتلة من الجيل الرابع في سويعات. بينما يفرح ضباط بالعمل في لجنة في البلدية تهدم أسوار المنازل المعتدية على الطريق، وفي الوقت نفسه يترحمون على أيام كانوا فيها قادة لمراكز توجيه المقاتلات، ووضع خطط تحرك وحدات المناورة.

ولا نجد حين ننهي التعليق على الدلﯿل اﻹرشادي لﻼستفادة من ذوي الخبرات والكفاءات من العسكرﯾﯿن المتقاعدﯾن بـدول المجلس سوى الكلمات الأكثر تقليديّة وتكرارا في وسائل أعلامنا تجاه عمل الأمانة العامة لمجلس التعاون وهو أنها تنتج الكثير من المواد الاسترشادية لا إلزامية ، فكيف تتوقع الأمانة أن تلزم أحد بتوظيف المتقاعدين ! و كيف يتم توظيف العسكري المتقاعد في غياب نقابات وجمعيات المحاربين القدماء في الخليج وهي التي تحولت لمناصب شرفية اقتسمها البعض للوجاهة! كما لايخفى على أحد إن جل منتسبي القوات المسلحة في العالم يأتون من الشرائح الاجتماعية الأقل ثراءا.

ولا شك أن أخذهم بالحسبان بعد التقاعد يعد لفتة شاعرية حالمة من مجلس التعاون الذي حرص منذ سنوات عدة على إنجاز المواطنة الخليجية للتجار عبرا لمواطنة الاقتصادية قبل غيرهم. حيث أرى انه لن يتم توظيف عسكري متقاعد من دولة خليجية في دولة خليجية أخرى بالصورة التي زخرفها الدليل الاسترشادي. ولا أعرف عسكري خليجي متقاعد وأحد تم توظيفة في دولة خليجية أخرى حتى الان إلا أمين عام مجلس التعاون الفريق الركن الدكتورعبداللطيف بن راشد الزياني .

الآن: د.ظافر محمد العجمي-المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك