إيطاليا تفشل في معرفة تأثير التقشف العكسي بقلم فولفجانج
الاقتصاد الآنيناير 22, 2013, 4:41 م 485 مشاهدات 0
تلاشت الأزمة المالية في إيطاليا، لكن الأزمة الاقتصادية ازدادت. فلا يكاد يمر يوم دون أخبار عن أزمة الائتمان المتفاقمة، والانخفاض في كل من العمالة والإنتاج والاستهلاك وثقة الشركات. مرة أخرى أخطأت حكومة أوروبية في الحكم على الأثر المتوقع من التقشف. وبعد أن شهد حالة من انعدام النمو لمدة عشر سنوات تقريبًا، فإن الاقتصاد الإيطالي عالق في حالة ركود طويل وعميق.
ومثل البلدان الأخرى على الحافة الجنوبية لمنطقة اليورو، تواجه إيطاليا ثلاثة خيارات. الأول، البقاء في اليورو على أن تتحمل وحدها عبء التكيف بالكامل. وأعني بذلك التكيف الاقتصادي، من حيث تكاليف وحدة العمل والتضخم، إلى جانب تصحيح الأوضاع المالية العامة. والثاني، البقاء في منطقة اليورو، اعتمادًا على التكيف المشترك بين الدول الدائنة والدول المدينة. أما الخيار الثالث فهو أن تترك اليورو. وقد حاولت الحكومات الإيطالية المتعاقبة خيارًا رابعًا هو البقاء في اليورو، مع التركيز على التكيف المالي قصير المدى فقط والانتظار.
ولأننا نعرف من التاريخ الاقتصادي كيف يمكن لهذه الحلقات أن تنتهي، فإن الخيار الرابع يؤدي في نهاية المطاف إلى خيار واحد أو اثنين أو ثلاثة. والمفضل عندي هو الخيار الثاني: جعل عضوية اليورو مشروطة بالتكيف المتناظر، لكن لماذا لم يواجه ماريو مونتي، رئيس وزراء إيطاليا، أنجيلا ميركل. لم يخبر المستشارة الألمانية بأن مشاركة بلاده المستمرة في العملة الموحدة يجب أن تعتمد على اتحاد مصرفي سليم مع قدرة كاملة على تفكيك المصارف وتأمين الودائع، فضلاً عن سندات لمنطقة اليورو، ومزيد من السياسات التوسعية الاقتصادية في برلين. وفي حديث مع ''فاينانشيال تايمز'' الأسبوع الماضي، طالب ماريانو راخوي، رئيس الحكومة الإسبانية، بالتكيف المتناظر - مرة أخرى، في وقت متأخر نوعًا ما؛ لأن ألمانيا تخطط بالفعل لميزانية تقشف عام 2014. وفي ضوء كل القرارات السياسية التي اتخذت بالفعل، يتراجع خيار التعديل المتناظر ببطء.
فأين يترك ذلك إيطاليا قبل انتخابات الشهر المقبل؟ بوصفه رئيسًا للوزراء، وعد مونتي بالإصلاح وإنهاء زيادة في الضرائب. وحاولت حكومته إدخال إصلاحات هيكلية متواضعة، لكنها تقلصت إلى إصلاحات عديمة الأهمية على صعيد الاقتصاد الكلي. وبعد أن بدأ قائدًا لحكومة تكنوقراط، أظهر أنه مشغل سياسي قاسٍ. وكانت روايته أنه أنقذ إيطاليا من حافة الهاوية، أو بالأحرى من سلفه سيلفيو برلسكوني. ولعب الانخفاض في عائدات السندات دورًا في هذه الرواية، لكن معظم الإيطاليين يعرفون أنهم مدينون بذلك إلى ماريو آخر؛ ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي.
على اليسار، دعم بيير لويجي برساني، الأمين العام للحزب الديمقراطي، التقشف لكنه حاول في الآونة الأخيرة أن ينأى بنفسه بعيدًا عن تلك السياسات. كما كان أكثر ترددًا في الإصلاحات الهيكلية. وكانت مواضيع حملته الانتخابية الرئيسة هي ضريبة الثروة، ومكافحة التهرب الضريبي، وغسل الأموال، وحقوق المثليين جنسيًا. ويقول إنه يريد أن تبقى إيطاليا في منطقة اليورو. وهناك فرصة ضئيلة لأن يكون أكثر نجاحًا في الوقوف في وجه ميركل؛ لأنه في وضع أفضل للعمل مع فرانسوا هولاند، الرئيس الفرنسي والزميل الاشتراكي.
على اليمين، كان تحالف برلسكوني وحزب رابطة الشمال متراجعًا في الاستطلاعات، لكنه أحرز تقدمًا. وحتى الآن، يتمتع رئيس الوزراء السابق بحملة جيدة. وقد ألقى رسالة مناهضة للتقشف أصابت وترًا حساسًا لدى الناخبين المحبطين. ويواصل كذلك انتقاد ألمانيا لترددها في قبول سندات منطقة اليورو والسماح للبنك المركزي الأوروبي بشراء السندات الإيطالية دون قيد أو شرط.
فهل يمكن تفسير هذا على أنه موقف الخيار الثاني: الإصرار على التكيف المتناظر أو الخروج من اليورو. لكننا نعرف برلسكوني جيدًا. فقد كان رئيسًا للوزراء لفترة طويلة بما فيه الكفاية لتشكيل مثل هذا النقاش في وقت سابق. وكي تكون هناك صدقية، لا بد له من وضع استراتيجية واضحة ترسم الخيارات بالتفصيل. وكل ما لدينا الآن هو بعض المقاطع التلفزيونية.
وانطلاقًا من استطلاعات الرأي الأخيرة، ستكون نتيجة الانتخابات على الأرجح هي الجمود، ربما في شكل ائتلاف برساني - مونتي من يسار الوسط، مع احتمال وجود أغلبية من يمين الوسط في مجلس الشيوخ، حيث تطبق قواعد تصويت مختلفة. وهذا من شأنه أن يترك الجميع، بشكل أو بآخر، في موضع المسؤولية، لكن لا أحد لديه السلطة لتنفيذ أي سياسة، مع تمتع الجميع بحق الاعتراض.
وإذا كان الأمر كذلك، ربما تستمر إيطاليا في تدبر أمرها والتظاهر بأنها اختارت البقاء في اليورو، لكن من دون تهيئة الظروف لجعل العضوية مستدامة. وفي غضون ذلك، أتوقع ظهور توافق في الآراء السياسية المضادة لليورو، الأمر الذي ربما يفوز إما بالغالبية المطلقة في الانتخابات اللاحقة، أو يؤدي إلى أزمة سياسية مع التأثير نفسه في النهاية.
أما بالنسبة إلى مونتي، فإن أفضل تصور عندي هو أن التاريخ سيمنحه دورًا مماثلاً لذلك الذي لعبه هاينريش برونينج، مستشار ألمانيا في الفترة 1930 ـ 1932. فهو أيضًا كان جزءًا من توافق آراء أجمع على عدم وجود بديل عن التقشف.
ولا يزال أمام إيطاليا عدد قليل من الخيارات المفتوحة، لكن يجب عليها صنعها
تعليقات