رحل طالب البدون، بدون ضجة

وفيات

نموذجا للباحث والكاتب وبعبع لصوص البحوث ورسائل الشهادات المزورة

6218 مشاهدات 0

(بدون ميديا)

 لإن كان لكل امرئ من اسمه نصيب، فقد كان طالب طالبا على اسمه بكل معانيه،عاش معظم حياته بالمكتبة، يقرض الكتب قرضا، نهل من المعرفة ما يزيد على كلمات وأوراق الكتب التي كان يلتهمها منذ نعومة أظفاره، لم يعرف الكذب والخداع واللف والدوران، وكان كابوسا للتزوير والمزورين، كشف عن عشرات السرقات العلمية لغيرته على الحقيقة ونسب الفضل العلمي والبحثي لأهله، سببت له ذلك حروب لصوص الكلمة ومشاكل كان في غنى عنها، فلقد عاش طيلة حياته مظلوما ظلم البدون المستحق للجنسية.

طالب سعيد العنزي- كويتي بدون- عرفته منذ كنا صغارا، تزاملنا دراسيا، تخرج من جامعة الكويت في وقت كانت مشكلة البدون مسألة أشهر تتجدد وعود الحكومة بحلها شهرا بعد شهر. تفاقمت، فظلمت آلافا غير طالب. طالب دون كلل أو ملل بحقه، لكنه في نهاية الأمر أنهكته الدولة والأمراض فاستسلم لظلم ظالميه، آخر مرة سألته عن أخبار الجنسية، فرد بحرقة من فارقه الأمل: 'يا سعد أي جنسية وقد بلغت هذا العمر، لم تعد تهمني، لكن ما يهمني هو أطفالي. ومستقبلهم'.
لم يكن لطالب من أعداء سوى اللصوص، كان تلقائيا طيبا محبا متواضعا لا يكره أحد ولا يحقد على أحد، حتى أولئك العنصريون الذين آذوه وحالوا بينه وبين حقه لم يحمل عليهم حقدا ولا كرها.
الموت حق، لكن رحيل طالب ولّد عند كل من عرفه شعورا بالذنب، فقد أقعدته الأمراض، وأصابه العمى قبل سنين من وفاته، وأكل القهر والظلم فؤاده قبل رحيله لحرمانه من حقه في المواطنة التي حال حظه العاثر وصدف البيروقراطية وظلم الدولة دون حصوله المستحق عليها.
رحل طالب عن هذه الدنيا بهدوء آلمني، فالصحف لا تنشر سوى أسماء المتوفين الكويتيين فقط، حتى بالموت نميز بين الإنسان حسب جنسيته. تألمت لموته، لكن ألمي الأشد أني لم أعرف عن وفاته إلا بعد مرور أيام عليها، كنت بديوانية محارب العنزي بالعيون ليلة غاب إلى الأبد. قال لي صديق أنه افتقده تلك الليلة، فهو يعتاد ديوانية محارب كل أثنين. سيفتقده إلى الأبد.
سأفتقدك يا طالب، فقدكنت نعم الصديق الصدوق...
إلى جنان الخلد يا طالب، فلقد رحلت بدون جنسية، لكنك لم ترحل بدون إنسانيتك ووطنيتك، فلقد تركت وراءك احترامك لنفسك وآدميتك...

كتب سعد بن طفلة

تعليقات

اكتب تعليقك