إلى متى نبقى متخلفين سياحيًّا؟ بقلم وليد محمد الحديثي

الاقتصاد الآن

604 مشاهدات 0


الجميع يعلم أن سياحتنا الداخلية تعاني هشاشة البنية التحتية، وأنها خيار من لا خيار آخر له، وأنها تعاني فقرًا شديدًا على مستوى الخدمات السياحية، وأنها تفتقر إلى الخبرات المرموقة في القطاع السياحي، فيكون جلوسك في بيتك في بعض الأحيان أفضل وأكثر متعة من ذهابك إلى تلك الأماكن السياحية البائسة، فلا مدن ألعاب ضخمة لترفية الصغار والكبار، ولا يوجد بها سيرك أو حديقة حيوانات ولا مطاعم راقية متنوعة ومتعددة المستويات كنجوم الفنادق، ولا ألعاب بحرية متقدمة، ولا سفينة ضخمة تستطيع فيها أن تتناول وجبة العشاء وأنت تجلس على طاولة بجانب شباك يطل على منظر البحر الرومانسي، وعلى الرغم من ذلك فإنك ستواجه صعوبة بالغة في إيجاد مسكن مناسب في فترات المواسم، فيجب عليك التخطيط المسبق وبفترة كافية للحصول على سكن مناسب ولا أضمن أن يكون مريحًا، وسيكون بأسعار عالية جدًّا قد تفوق الأسعار في السياحة الخارجية، وإذا حالفك الحظ وحصلت على مسكن معقول بالمعايير المحلية، فلن تجد أماكن ترفيه لتقضي فيها وقتًا جميلاً بصحبة عائلتك، حتى الأطفال لن تجد ما يناسبهم إلا أن يرتعوا ويلعبوا بطريقة أخو نبي الله يوسف، وعندما تعود إلى المنزل ستجد أن تكلفة إجازتك في تلك الأماكن السياحية البائسة ستكفي لقضاء إجازة رائعة بالخارج.

 

إن هذا الكلام ينطبق على مدننا السياحية مثل جدة وأبها والطائف والمنطقة الشرقية، أما المدن الأخرى مثل العاصمة الرياض، فلن تجد فيها إلا المطاعم ومدن الألعاب الخاصة بالأطفال، ولكي أكون منصفًا ومولات معقولة للتسوق، فلا مكان فيها لترفيه الكبار بالمفهوم السياحي المتعارف عليه دوليًّا، فقط تستطيع فيها أن تأكل وتتسوق، حتى إذا أردت مثلا أن تزور حديقة الحيوانات فستجدها تقريبا خالية لا حياة فيها ولن أقول خاوية على عروشها.

 

ولن ألقي اللوم على رجال الأعمال؛ لأنك ستخسر إذا استثمرت في بناء فنادق ومساكن سياحية لا يمكن تأجيرها واستغلالها إلا في فترات المواسم المحدودة، كما أنك ستخسر إذا استثمرت في الترفيه السياحي فيها، للسبب نفسه، ولا شك أن هيئة السياحة قد بذلك جهودًا رائعة في السنوات الأخيرة لدعم السياحة الداخلية، وذلك لن يؤتي ثماره الحقيقية إلا إذا تم خلق بيئة تكون فيها الاستثمارات السياحية مربحة، فينطلق القطاع الخاص في الاستثمار في القطاع السياحي، ولكي ننجح في ذلك علينا أن نجعل تلك الأماكن السياحية مقصدًا يزوره الناس طوال فترات السنة، فيكون بناء الفنادق والشقق الفندقية ذا جدوى اقتصادية، ويكون الاستثمار السياحي مربحًا، وبذلك نخلق بيئة تزداد فيها الخدمات السياحية وترتفع جودتها بشكل مستمر؛ لأن تلك المنشآت السياحية ستعمل بمعظم فترات السنة، مما يجعل العرض في المساكن والمنشآت السياحية كبيرًا، فيكون ذلك أحد العوامل التي تساهم في تخفيض تكلفة السكن والمعيشة فيها، ويمكننا أن نجعل تلك الأماكن السياحية مقصدًا للناس طوال العام عن طريق خلق أسباب إضافية غير سياحية لزيارتها، مثل أن نبني فيها مدنًا اقتصادية، أو أن نبني فيها مدنًا للتدريب تنتشر فيها مكاتب التدريب العالمية والمحلية، ونقوم بتحقيق الفوائد المزدوجة عن طريق إجبار القطاع الخاص والحكومي بمنح جميع الموظفين 'سعوديين وأجانب' دورات سنوية، فبذلك نحقق نموًّا في مهارات الموظفين في القطاعين العام والخاص، ونخلق بيئة مناسبة للاستثمار السياحي.

 

إن الارتقاء بالقطاع السياحي يحتاج إلى تضافر جهود القطاعين العام والخاص، والعمل لتحقيق نمو جذري مهم فيه، فلا القطاع العام وحده قادر على تنمية هذا القطاع بشكل مفيد؛ لأنه عاجز عن إدارة دفته بشكل ربحي يضمن له الاستمرار والتطور، ولا القطاع الخاص يستطيع أن يتولى وحده أمر تنميته؛ لأنه سيحتاج إلى توفير الدعم الحكومي في توفير البنى التحتية وفي دعم الشركات السياحية الناشئة حتى تصل إلى مستوى من القوة تستطيع معه أن تعمل بشكل منفرد، كما يجب علينا تشجيع الاستثمارات الأجنبية في قطاع السياحة، وهذا لن يجلب لنا أموالاً إضافية فقط، بل سيجلب خبرات سياحية متقدمة نفتقد إليها، فجميع الدول حاليًّا بدأت تتجه إلى السياحة لتحقيق دخل مهم منها، ومن أمثلة ذلك دبي التي أصبحت مقصدًا سياحيًّا على مستوى عالمي، فإلى متى نبقى متخلفين سياحيًّا؟

 

 

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك