الزراعة في الاستثمار الصناعي لحصاد أمثل بقلم عمر الجريفاني

الاقتصاد الآن

602 مشاهدات 0



تلعب بعض المفردات ـــ التي أضفى عليها طابع العصر رونقاً خاصاً ـــ دوراً في إسالة لعاب المعنيين بها، ولم نجد في تأريخنا المعاصر مفردة لقيت كل أنواع الحفاوة، ولا حظيت بكل هذا الانتشار مثل مفردة الاستثمار، لكن هل نعلم حقيقتها، ودلالاتها لندخل في صلب موضوعنا الجديد؟

يقول اللغويون إن الاستثمار: مصدر استثمر يستثمر، وهو للطلب بمعنى طلبا لاستثمار، وأصله من الثمر، وله معان عدة، منها ما يحمله الشجر وما ينتجه، ومنها الولد حيث قال: الولد ثمرة القلب، ومنها أنواع المال، ويقال: استثمرالمال وثمّره بتشديد الميم أي استخدمه في الإنتاج، وأما الثمرة فهي واحدة الثمر فإذا أضيفت إلى الشجر فيقصد بها حمل الشجر، وإلى الشيء فيراد بها فائدته، وإلى القلب فيراد بها مودته.

وقد وردت كلمة أثمر، وثمرة، وثمرات 24 مرة في القرآن الكريم، ولها دلالات تحتاج إلى بسط في مواضع أخرى، وقد قيل فيها نفائس من تفسير العلماء، وبشكل يجعلنا نفكر جدياً في أهمية أن يكون لها محل في حياتنا لنعمل ونعتبر ونستعد ونمضي في تسجيل آثار تثمر بعدنا، وتحكي سيرة منهج ومجتمع غني أصيل.

لكن كيف نفهم الاستثمار في ضوء ما نملكه من مقومات تجتمع في هبات الله سبحانه المتعددة في الوطن والقادة والثروات والشباب وسائر الطاقات والإمكانات والإبداعات، كيف يكون للثمار في أرضنا الخصبة أوسع مساحة، وللحصاد منها أكبر بضاعة؟ كيف؟

كلنا يعلم أن المملكة تعاني من محدودية الفرص الاستثمارية، إلا اللهم في عالم العقار الذي يعد الفرصة البديلة! حيث يتجه أغلب الناس إلى القطاع بسبب عدم وجود المخاطر، مع ضمان رأس المال بنسبة 100 في المائة تقريباً، وبعائد لا يقل عن 6 أو 7 في المائة، وهذا هو الحد الأدنى للاستثمار، أضف إلى ذلك، أنه لا توجد مصاريف تشغيلية في هذا النشاط الذي لا يضيف أي قيمة مضافة من بناء وحدات سكنية أو تطوير مخططات سوى المضاربة في الأراضي البيضاء ومن دون تطوير في الأراضي، مع أن أقيام التداولات في هذا القطاع تصل إلى نحو المئات من ملايين الريالات التي تدور وتدور من دون أي تأثير في الاقتصاد الوطني من ناحية رفع صادرات المملكة أو فتح الفرص الوظيفية أمام الشباب الراغب في العمل.

وقد أدى ارتفاع تكلفة الفرصة البديلة إلى الإحجام عن الدخول في أي مشروع تقل أرباحه عن 30 في المائة دون جهد، وهذا ما سيقود إلى أزمة في المستقبل، ويبرز إلى السطح السؤال الكبير: أين يمكن أن نوظف أبناء هذا الوطن الغالي؟

وبودي أن أطرح سؤالاً أمام أنظار وزير التخطيط فأقول: ما وجهة المملكة في السنوات العشر المقبلة، هل ستكون الدولة صناعية أم سياحية أم زراعية أم مصدرة للعقول؟

وبناء على هذا الجواب ستعمل باقي قطاعات الدولة، فلو افترضنا أننا سنكون دولة رائدة في مجال الهندسة الصناعية وصناعة الطاقة، فإني أفترض أن يقوم وزير التعليم العالي بتخريج مهندسين أكثر بمعنى أن يكون خريجو كليات الهندسة لا تقل نسبتهم من إجمالي الخريجي عن 50 في المائة ويقوم وزير التجارة بتسهيل وتذليل العقبات أمام المستثمرين في هذا القطاع.

يجب أن تكون خريطة الاستثمار لدينا مبنية على عاملين أساسيين: الأول، كيف سيؤثر هذا الاستثمار في التوظيف؟ بمعنى آخر، كم وظيفة سيؤمن هذا الاستثمار؟ والعامل الثاني: كم سيضيف هذا الاستثمار على الميزان التجاري للمملكة؟ بمعنى آخر أيضاً: كم ستصدر المملكة من هذا الاستثمار لزيادة ناتجها الإجمالي العام؟

أنا أعتقد أنه يجب إعادة النظر في أسلوب الاستثمار في القطاعات على الوجه الذي يؤمن فائدتين للمملكة وأبنائها من جهة، وللمستثمرين من جهة أخرى في ضوء حرص المملكة على الارتقاء بالقطاعات كافة، ويجب أن تقدم كل التسهيلات للقطاعات المنتجة التي تضيف قيمة مضافة للاقتصاد الوطني وأبناء الوطن، ويشدد على القطاعات التي لا تضيف أي قيمة اقتصادية للدولة مثل العقار الذي يضارب ولا يطور.

ونحن إذا لم نتحرك اليوم ونضع هدفاً واضحاً للجميع، ونتكاتف لتحقيق هذا الهدف سنواجه أزمة بطالة كبيرة في المستقبل، وعلاجها لن يكون بغير تطوير قطاع الصناعة، وليس مجرد التجارة والمضاربة التي تبدأ من الصفر وتنتهي إليه وإن امتلأت منها جيوب البعض، وخلت منها جيوب الأكثرين.

أيها السادة، ادعموا الحل الأجدى للاقتصاد، وازرعوا مفردة الاستثمار في العقول لعلها تثمر حصاداً على أرض الواقع، فتلد الصناعة لتشكل حلها الأمثل في عالمنا المعاصر.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك