«نوكيا» تتحالف مع «مايكروسوفت» لغزو الأسواق الناشئة بقلم أندرو هيل

الاقتصاد الآن

506 مشاهدات 0


حينما حجز ستيفين إيلوب المدير التنفيذي لشركة نوكيا فندق جراند تارابيا في إسطنبول للقاء السنوي على مستوى قيادات الشركة في نهاية شهر كانون الثاني (يناير)، خطط لخاتمة مذهلة. فبينما كان اللقاء مع 200 من كبار المديرين التنفيذيين على وشك الانتهاء، قدم موسيقيون أنفسهم في الغرفة، وعزفوا مقطوعة بوليرو للموسيقار رافيل، حتى أصبحت الفرقة الموسيقية كلها متواجدة للفاصلة الموسيقية الجياشة.

يقول إيلوب: ''كانت رسالتي هي أن الطريقة التي من الممكن أن ننجح بها في النهاية كانت إذا ما لعب كل منا دوراً، وتناسقت كافة الأدوات لبناء هذا اللحن الموسيقي الجميل''.

قصة رئيس نوكيا تماثل قصة مجازية. فقد مر عامان بعد أن أذهل شركة الهواتف النقالة الفنلندية والقطاع بمذكرة – سرعان ما تم تسريبها – كانت تحذر من أن ''نوكيا'' تقف على ''منصة تحترق''. سوف تهلك الشركة إذا لم يتم تجهيزها للقفز في المياه المتجمدة. وبعد ذلك بأيام في 11 شباط (فبراير) أعلن عن حدوث قفزة : تحالف مثير للجدل مع ''مايكروسوفت'' في مجال الهواتف الذكية لبناء ''نظام بيئي ثالث'' لمنافسة شركة ''أبل'' ونظام ''أندرويد'' لشركة ''جوجل'' وملاحقة متزايدة ''للمليار مستهلك القادمين'' في الأسواق الصاعدة.

في ذلك الوقت كان لا يزال هناك القليل داخل ''نوكيا'' ممن تشككوا في أن الوضع كان سيئاً إلى هذا الحد. فبعد كل شيء كانت الشركة أكبر مصنعة للهواتف في العالم. كانت لا تزال مصابة بما أسماه أحد المديرين التنفيذيين ''عجرفة نوكيا''. لكن إذا كان هناك بعض ممن لا يستطيعون شم الدخان، فإنهم سرعان ما شعروا باللهب خلال تنفيذ ''نوكيا'' لإعادة هيكلة جذرية.

ومنذ ذلك الحين، سعى إيلوب إلى معالجة ثلاثة تحديات داخلية تم تحديدها في جزءين من تحليلات ''فاينانشيال تايمز'' في شهر نيسان (أبريل) 2011 : أن تصبح أكثر انفتاحاً وأكثر مسؤولية وأكثر ذكاءً. لكن الشركة التي أطلقت أربعة أجهزة جديدة يوم الإثنين في مؤتمر الجوال العالمي في برشلونة، كان عليها أن تجيب بشكل ملائم على السؤال الأهم : هل سيشتري المستهلكون هواتف نوكيا بمعدلات كافية لضمان مستقبلها؟

عادة ما يتم سؤال إيلوب إذا ما كانت لديه ''خطة بديلة'' إذا أخفقت خطة هاتف ''ويندوز''، لكن كانت توجد خيارات أخرى قليلة لتفكك الشركة بأكملها. خيار ''أندرويد'' كمنصة للهاتف الذكي للشركة كان سيؤدي بشركة نوكيا إلى سوق مفككة وسلعية ومكتظة. صفقة شركة مايكروسوفت ''كانت الاستراتيجية الوحيدة المتاحة بالفعل لهم''، هذا ما قاله ريتشارد ويندسور، المحلل المستقل ومؤسس مدونة ''ردايو فري موبايل''.

كيفت ''نوكيا'' هيكلها وقاعدة تكاليفها على هذه الحقيقة. الشركة التي وظفت 65 ألف (باستثناء مشروع شبكات ''نوكيا سيمنز'' المشترك) في أوائل عام 2011، لديها الآن 45 ألف موظف. قامت بإغلاق أو دمج 200 من أصل 500 موقع في أنحاء العالم. اعتادت ''نوكيا'' على أن تطلق نحو 50 منتجا جديدا سنوياً؛ والآن تقدم 25 منتجا.

العام الماضي باعت ''نوكيا'' وأجرت مرة أخرى مقراتها في مدينة إيسبو، على مشارف العاصمة هلسنكي. وقد فسر بعض المحللين هذا على أنه علامة على عمق مأزق شركة نوكيا، لكن مراقب الشركة، كريستيان بولولا، يقول إن القرار أشار إلى أنه ''لا شيء يخيف حينما يتعلق الأمر بجذب الانتباه إلى النقود''. مرت شركة نوكيا بكافة مصادر التدفق المالي لتحديد ''مالك'' كل بند يقوم بتوليد النقود.

مع ذلك فبين شهر شباط (فبراير) 2011 ومنتصف شهر تموز (يوليو) من العام الماضي – مباشرة بعد أن أجبر إيلوب على إعلان تخفيض 10 آلاف وظيفة إضافية – هبط سعر السهم 83 في المائة. انتزعت ''نوكيا'' وشاح أكبر شركة مصنعة للهواتف على مستوى العالم. في شهر كانون الثاني (يناير) ألغت ''نوكيا'' توزيعها للأرباح لأول مرة في تاريخها الذي يرجع إلى 148 سنة.


التركيز، التركيز، التركيز

قال المديرون ما بدا من الخارج أنه أزمة متغلغلة عززت من تصميم ''نوكيا'' على إصلاح نظم إدارتها شديدة التعقيد. يدعي إيلوب أنه زاد من ''كثافة تنفيذ'' الاستراتيجية. ''التركيز'' هو الكلمة التي ظل يرددها المديرون الذين تم إجراء مقابلة معهم من أجل هذا المقال.

على سبيل المثال، قامت جو هارلو التي ترأس قسم الأجهزة الذكية، برسم هيكل إدارة ''نوكيا'' مقابل ذلك الخاص بشريكتها الأمريكية، لتحسين الكفاءة. أنشأت ''نوكيا'' أدوارا لمدير البرامج ورئيس الجودة ورئيس الهندسة لتماثل نفس الأدوار التي في شركة مايكروسوفت ''بحيث يكون بإمكان المهندسين أن يتحدثوا إلى مهندسين، ومديري الجودة إلى مديري الجودة، وهلم جرا''.

وتقول : ''قمنا باستبعاد الكثير من الأخطاء من دائرة تطوير البرنامج في المنتج بحيث إن (مطوري المنتج) الذين لديهم ابتكارات ناضجة يكون باستطاعتهم تنفيذها بعصرية ملائمة''.

شملت الأمثلة ''تثبيت الصورة البصرية'' – التي تعرض فيديو ثابت حتى وإن كانت الكاميرا تتحرك – في الجهاز الرائد ''لومينا 920''، والجهاز المبتدئ ''لومينا 620'' ذو ''التصوير الثنائي''، والغلاف المصبوب من طبقتين. تقول أنه في ظل نظام ''نوكيا'' القديم كان سيتعين على الشركة أن تختار بين منتج ابتكاري، نزل في السوق أخيراً، أو منتج جاء في موعده وبه القليل من الابتكار.

أحد الأسباب كانت أن القرارات التي كان يجب أن تؤخذ على المستوى المحلي علقت على مستوى اللجان في مقر الشركة. لكن في ''الهوس المخطط'' بتقديم جهاز ''ويندوز'' أول في أواخر عام 2011، تقول هارلو أن ''نوكيا'' تعلمت أن ''تعطي الفريق سلطة الإدارة أسرع''. وفي نفس الوقت تقول إن الشركة التي تشعر بالذنب من الإفراط في التعقيدات الخاصة بالمنتجات الجديدة، قامت ''باتخاذ قرارات صعبة ألا تفعل شيئا لأنه كان بإمكاننا اتخاذها''، فيما يتعلق بتحسين منصة برامج ''ويندوز''. جوها آكراس، رئيس الموارد البشرية في ''نوكيا''، يقول إن أحد التأثيرات الجانبية في أن تصبح أصغر هو التعاون الأكبر. ما أدهشه أن المقياس الداخلي لرضا طاقم العمل استمر في التحسن، حتى خلال النصف الأول المظلم من عام 2012.


عثرات في الطريق

لكن ''نوكيا'' واجهت أيضاً انتكاسات، أهمها عند محاولتها أن تقوي الركن الثاني من استراتيجيتها : أن تبيع هواتف نقالة أكثر في الأسواق سريعة النمو مثل الصين والهند. تعترف الشركة بأنها كانت بطيئة جداً في تقديم هواتفها المميزة الأكثر ابتكاراً والتي تعمل كاملة باللمس في هذه الأسواق في النصف الأول من عام 2012، ما سمح لشركة سامسونج وشركة إتش تي سي أن يسرقا حصة منها.

أحكم إيلوب سيطرته. ففي شهر حزيران (يونيو) جعل جوها بوتكيرينتا مسؤولاً عن المصانع والموارد والأعمال اللوجيستية، وكريس ويبر، رئيس التسويق والمبيعات الجديد، في فريق القيادة العليا. وكلاهما يقومان الآن بإرسال تقرير مباشر إلى المدير التنفيذي. ويقول إيلوب : ''قمنا بحق بتصعيد الدرجة التي جعلت القيادة العليا والرتب التي تليه منخرطين فيما يحدث''.

''فرقة عمل للتغيير''، تم تعيينها في عام 2011 أصبحت ''مجموعة قيادة لإحداث تغيير جذري في الشركة'' العام المضي، حيث أصبح من الواضح أكثر كما يقول بولولا، أن ''نوكيا'' كانت في حاجة إلى أن تصبح ''حتى أكثر انضباطاً وتركيزاً'' فيما يتعلق بالتحكم النقدي.

ما زال من هم من خارج الشركة قلقين أن النقص في سلسلة الإمداد – مثل عدم قدرة الشركة على تسليم مزيد من هواتف ''لومينا'' إلى المحال في الصين من أجل إجازة العام الجديد – تشير إلى مشاكل أعمق. ترد ''نوكيا'' بأن الطلب تعدى التوقعات. شركات التكنولوجيا أيضاً لديها تاريخ طويل من استخدام قلة الإمداد كحيلة تسويقية، لكن المحلل ويندسور يقول من الواضح أنه بالنسبة للموردين ''في الأجهزة الراقية جداً، فإنهم ليسوا اختيار العميل''.


هل سيشتريه العملاء؟

ما يثير القلق أكثر هو أن الهواتف الذكية الجديدة من نوكيا ليست الأجهزة التي يختارها العملاء. تقول كارولينا ميلانيسي من شركة جارتنر: ''يبقى التسويق أكبر نقطة ضعف لديهم من حيث قدرتهم على استعادة عنصر الإدهاش''. في حين أن حصة ''نوكيا'' من السوق للهواتف النقالة التي تباع بأسعار معقولة تراجعت أكثر من 4 في المائة ما بين عامي 2011 و2012 لتصل إلى 19.1 في المائة، هبط سهم هاتفها الذكي من 17.9 في المائة ليصل إلى 5.8 في المائة.

أفضل أرقام الربع الرابع التي نشرت الشهر الماضي أظهرت أول هامش ربح ضمني إيجابي في جوهر صناعة الهواتف المحمولة منذ أعوام – إضافة إلى تحسن في وضع صافي النقد لها. وهو ما تبع تصحيحها العام الماضي لمسار هواتفها المميزة التي تعمل بأكملها باللمس، هذه الأجهزة التي في المتناول أكثر – باعت أقل من العلامة الجارية الفرعية ''آشا'' (التي تعني ''الأمل'')– تبيع بشكل أفضل، وتوفر شبكة ''نوكيا سيمينز'' المنتعشة دعماً قوياً غير متوقع للشركة.

مبيعات هواتف ''ويندوز'' كانت متماشية مع التوقعات. نظراً لكمية ما تنفقه ''مايكروسوفت'' لتسويق نظام تشغيلها الأوسع نطاقاً، تعتقد السيدة هارلو أن العميل بدأ للتو في تقدير مزايا ''ويندوز 8'' حينما استخدمه على حاسبه الشخصي وحاسبه اللوحي وهاتفه. ''كمية الجهد المبذول في ويندوز 8 وكمية الدعاية – سوف يساعدان''، هذا ما أضافه إيلوب، الذي أعلن يوم الإثنين عن نماذج جديدة بأسعار معقولة وقال أيضاً إن ''نوكيا'' كانت تربح المزيد من أعمال الشركات. لكن بيكا يالا أنتيلا، مديرة البحث في مركز إي تي إل أيه البحثي في هيلسنكي، تقول إن ''التحالف مع شركة مايكروسوفت لم يتلاشى بعد وليس بإمكان أحد أن يقول إذا ما كان سينجح أم لا – إننا لم نكن حتى على دراية منذ ستة أعوام بأي شيء يتعلق بالأيفون''.

وفي محاولة لتمييز منتجات ''نوكيا''، دفع إيلوب الشركة للتأكيد على كيف أن الهواتف الجديدة سوف تحسن من حياة العملاء. على سبيل المثال، اقترح على موظفي المبيعات أنهم بدلاً من تفصيل السمات التقنية لكاميرات هواتف ''لومينا''، عليهم أن يقولوا ''إنها تلتقط صوراً جيدة ليلاً'': ''إذا ما ذهبت إلى هذه المتاجر ونظرت إلى هذه الأجهزة، فمن الصعب أن تميز بين معظمها. بإمكانك النظر إلى قطعة من الورق إلى جانبها وترى أن فيها نظام ''سنابدراجون'' رباعية المركز .. إلخ. (بدلاً من ذلك)، سألنا: ما هي تجربة العميل التي تحسنت والتي أحدثت فارقاً بالفعل؟''

بانكاج جيماوات، أستاذ الاستراتيجية العالمية في كلية إيسي لإدارة الأعمال، يقارن تحدي ''نوكيا'' الأكبر مع ذلك الذي واجه جهاز ''نينتيندو'' في مطلع هذا القرن حينما كان يحاول أن يحرز تقدماً في سوق ألعاب الفيديو. التغير التدريجي لم يكن كافياً لتجاوز المتنافسين المتناحرين صندوق ألعاب إكسبوكس من ''مايكروسوفت'' وصندوق ألعاب بلايستيشن من ''سوني''، لذا خطرت للشركة فكرة جهاز ''وي'' الذي أحدث ثورة. يقول إن شركة نوكيا : ''عليها أن تبني مدينة وجسرا لتصل إليها في نفس الوقت''.


هل هذا يكفي؟

يبدو أن مديري ''نوكيا'' واثقين من أن الشركة قد طوت صفحة ماضية، فقد تضاعف سعر السهم منذ شهر تموز (يوليو) الماضي.

ضباط الهجرة في مطار هيثرو في لندن – الذين تستخدمهم السيدة هارلو المولودة في الولايات المتحدة كمقياس للمنظور العام – بدأوا يسألونها عن أجهزة ''نوكيا'' الجديدة بدلاً من التعاطف معها بشأن مشاكل موظفيها. تعتقد السيدة ميلانيسي من ''جارتنر'' أن ''نوكيا'' جمعت أخيراً عناصر النظام البرمجي القابل للتطبيق والجهاز الجذاب.

لكن لم يبق أحد آخر مستقراً. ما زالت شركتا ''أبل'' و''سامسونج'' في ارتفاع، ومنصات برمجة نظام ''أي أو إس'' من ''أبل'' و''أندرويد'' هما المهيمنان على سوق الهواتف الذكية. حتى شركة بلاك بيري، التي بدت أنها تهبط أسرع من ''نوكيا''، أعلنت عن قفزتها مرة أخرى مع منتج ونظام تشغيل تمت مراجعتها جيداً، في حين أن مصنعي ''المنتجات التي يتم تسويقها من شركات أخرى'' تفوقوا تدريجياً على ''نوكيا'' في الأسواق الصاعدة.

تعهد إيلوب بشكل شخصي لفريق كبار المديرين في اسطنبول أنه سوف ''يجعل شركة نوكيا تغني مرة أخرى''. لكنه ما زال في حاجة إلى العمل كي يسمع أكثر من أصوات أخرى قوية نشاز بشكل غير عادي.


تواريخ مهمة في إعادة الهيكلة

 

* شباط (فبراير) 2011 : حث ستيفين إيلوب شركة نوكيا على القفز من ''المنصة التي تحترق''؛ عاقداً صفقة هواتف ذكية مع شركة مايكروسوفت.

* تشرين الأول (أكتوبر) 2011 : كشف عن أول هواتف تعمل بنظام ''ويندوز''؛ أطلق آشا، علامة تجارية جديدة من الهواتف، وركز على الأسواق الصاعدة.

* حزيران (يونيو) : أعاد ترتيب فريق الإدارة وأعلن عن تخفيض 10 آلاف وظيفة إضافية؛ وتراجعت مرتبة الديون إلى ''ذات مخاطر عالية''.

* أيلول (سبتمبر) 2012 : أطلق الهاتف الذكي ''الرائد'' ''لومينا 920''.

* كانون الثاني (يناير) 2013 : عاد عمل الهواتف إلى الربحية الأساسية؛ وتم إلغاء توزيع أرباح الأسهم للمرة الأولى في تاريخ الشركة الذي يرجع إلى 148 عاما.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك