عن تقسيمات المجتمع والبكتيريا والفيروسات وفوائدها تكتب عواطف العلوي

زاوية الكتاب

كتب 903 مشاهدات 0


تعايشوا مع فيروساتكم..!

عواطف العلوي

حضرتُ ندوة للدكتور محمد الوهيب عن التغيرات الاجتماعية في الكويت، أشار خلال حديثه فيها عن توزيعات المجتمع بين سنة وشيعة وحضر وبدو أو قبائل، إشارته تلك استفزت إحدى الحاضرات فلامته بشدة على هذا التوزيع غير المقبول (وطنيًا)، مستغربة أن يصدر من شخص أكاديمي مثقف واعٍ مثل الدكتور الوهيب، وأنهت عتابها له بالقول «كلنا كويتيون لا سني ولا شيعي ولا حضري ولا قبلي»!
أحترم تلك السيدة الفاضلة وأتفهّم ثورتها وغضبها على الدكتور بدوافع حبها للكويت ورغبتها الصادقة بأن ترى الكويت جسدا واحدا لا تقسيم فيه ولا تنافر!
لكني أجدني أختلف معها في تطرفها «العاطفي» ومثاليتها المتشنجة «حبتين»، وأميل إلى الدكتور الوهيب في تقسيمه «الواقعي» الذي لا أراه يخدش الوطنية بأي شكل من الأشكال، لو تعمقنا في فلسفة معنى الوطن والمواطنة والوطنية، وأدركنا المعنى الحقيقي لها.
فمنذ فجر التاريخ وحتى اليوم هناك في كل بلد مجموعات متباينة، سواء عرقية أو قومية أو دينية أو فكرية، ويكنُّ أفرادها الكثير من الولاء لمجموعاتهم، بل لعل الكثير منهم يحمل بين جنباته نزعات انفصالية لحوحة تؤججها تلك الولاءات المتضادة مع الولاء للوطن ككل، ولم تسلم منها حتى الولايات المتحدة الأميركية، حيث انتشرت أخيرا أصوات لشخصيات سياسية واقتصادية بارزة تنادي بإنهاء الفيدرالية الأميركية، وتؤيد انفصال بعض الولايات عنها.
وكذلك في بريطانيا وحكايتها معروفة مع الجيش الجمهوري الأيرلندي، وإسبانيا، حيث لاتزال منظمة إيتا تطالب بانفصال إقليم الباسك واستقلاله، أما دول العالم الثالث فحدّث ولا حرج، «نبتدي منين والّا منين»!
ما أريد الوصول إليه، أن الولاءات القومية والعرقية والطائفية..
هي كائنات طبيعية تعيش في جسم الوطن مثلها مثل البكتيريا والفيروسات التي لا يخلو جسم إنسان منها، يتعايش معها وتتعايش معه طبيعيا بسلام وقبول وتوافق و«حِنِّيَّة»، فلا تلحق الضرر به والأذى، إلا إذا كان الجسم أصلا ضعيفا مترهلا، عندما يفشل في القيام بواجباته وأداء مهامه بكفاءة، فتخور قواه وتضعف بنيته، حينئذ تعيث فيه تلك الفيروسات نخرا وتدميرا! 
فالعيب ليس في وجود من يعتز بأنه سني أو شيعي حضري أم قبلي، فتلك انتماءات فرعية لا يمكننا أن ننكر وجودها وقيمتها، فهي بمنزلة هوية فرعية لكل مواطن تأتي بالمرتبة الثانية تحت هوية الوطن الأم الذي يحملها، ولا تطغى تلك الهوية الفرعية مادام الوطن عصبة لمواطنيه كافة، حين يرعاهم بلا تمييز ولا انتقائية، ويطمئنهم بأنه يقف على الحياد من جميع الفئات، ويعمل جادا على محاربة الفساد والاحتكار، وعندما يؤكد على الحريات الفردية ويزرع فيهم الشعور بالثقة بعدالة القانون ووضوحه وتطبيقه على الجميع بلا استثناء، حينئذ سيسود الشعور بأن الدولة للجميع باختلاف مشاربهم وأطيافهم، فلا يضطر المواطنون للجوء إلى عصبهم الفرعية بحثا عن إشباع حاجتهم التي أخفقت الدولة في توفيرها لهم للشعور بالأمن على كيانهم ومستقبلهم، وحينئذ يكون الميدان السياسي ميدان منافسة نظيفة محكومة بقانون يحمي الجميع ويرضيهم، لا لعبة قذرة يمارسها من يسيل لعابه على تلك الكعكة الشهية، أو مندسون من هنا وهناك يتمنون نخر جسد الوطن وتدميره.
هذا فقط ما يجعل الولاء للوطن الأم هو الحاضر وهو الفاعل، دون خوف أو توجس من الانتماءات الفرعية، وليس الأناشيد وأسلوب التلقين الساذج الذي تمارسه وزارة التربية مع النشء في ما تسميه «التربية الوطنية»..!

 

الكويتية

تعليقات

اكتب تعليقك