بالغمز واللمز والسخرية السياسية نتصدى للقهر العربي.. ناصر المطيري
زاوية الكتابكتب مارس 4, 2013, 5:30 ص 659 مشاهدات 0
شر البلية ما يضحك!
ناصر المطيري
قالت العرب قديما: شر البلية مايضحك، ويرى علماء النفس أن الإنسان عندما يتعرض لضغوط اجتماعية أو ضيق اقتصادي أو استبداد سياسي فإنه نفسيا يلجأ لوسائل تنفيسية عن تلك الضغوط وإلا تحولت إلى أمراض وعلل في جسمه.. لذلك ليست هناك وسيلة للتخلص من العواطف المؤلمة ومشاعر الضيق إلا بحركة ذهنية داخلية تطرد هذه الآلام خارجا، ولا تتولد هذه الحركة إلا بالضحك..
ومصادر الضحك إما أن تكون الفكاهة أو السخرية، وليست الفكاهة كالسخرية بل هما مختلفتان في الأسلوب والهدف فالفكاهة ضحك من أجل الضحك والهزل فقط، بينما السخرية لها اسلوب مختلف وتصاغ بقالب لاذع مؤلم..
والتراث الأدبي العربي زاخر بالأدب الساخر الذي يستخدم الضحك والفكاهة لأهداف اجتماعية أوسياسية ومن رموز الأدب العربي الساخر ابن المقفع والجاحظ وجرير وأبو العيناء وغيرهم..
في تاريخنا العربي المعاصر استخدمت السخرية السياسية بكثرة فتميزت العديد من الشعوب العربية «بالنكتة السياسية»، وهذا بلا شك انعكاس لحجم الضغوط التي يعاني منها المواطن العربي المسجون في وطنه الكبير خلف قضبان المنع والحجب وقمع حرية الرأي وما تمارسه بعض الأنظمة من استبداد سياسي ضد شعوبها.. لذلك برزت النكتة السياسية كأسلوب تنفيسي ساخر في التعبير عن التمرد على الواقع العربي المؤلم.
وكان العديد من زعماء العالم يتابعون النكت السياسية التي يرددها الشارع، فمنهم من كان يعتبرها كاستطلاع رأي واستفتاء حول شعبيته ومن أمثال هؤلاء الرئيس الفرنس الأسبق شارل ديغول الذي قال ذات مرة: لقد تدنت شعبيتي في فرنسا، فأنا لم أعد أرى نفسي في الرسوم الكاريكاتورية ولا أسمع اسمي في النكات السياسية التي تنتقدني..
الرئيس جمال عبد الناصر كانت تُجمع له جميع النكات التي ابتلي بها بعد هزيمة حرب 1967، حتى اضطر لإثارة ظاهرة النكات التي يرددها الشارع في خطبة مشهورة له، فهو أقر بأنه من المستحيل أن يتخلى الشعب المصري عن النكتة التي هي جزء من ثقافته وشخصيته، ولكن الرئيس عبد الناصر ناشد المصريين أن يتقوا الله في أنفسهم ويرشدوا النكتة السياسية بما لايؤذي الشعور الوطني..
وفي زمن الربيع العربي الراهن راجت النكتة السياسية والتعليقات الثورية الساخرة في المظاهرات وما خطته أقلام الكتاب الساخرين وما تضمنته تغريدات المغردين والمدونين من «غمز ساخر ولمز طريف»، ولعلنا هنا نستشهد بما قالت العرب قديما: شر البلية مايضحك
وهذا الغمز واللمز والسخرية السياسية ماهي إلا تعبير عن مكنون هذه الشعوب التي أخذت تتنفس الحرية بعد عقود من زمن القهر العربي..
تعليقات