أصحاب الفكر الشمولي، من نواب سابقين وشباب، لايملكون مشروع دولة.. هذا مايراه عامر التميمي

زاوية الكتاب

كتب 570 مشاهدات 0


معنى الحراك؟

عامر ذياب التميمي

نشرت القبس قبل فترة حوارات مع من أطلقت عليهم «شباب الحراك السياسي في الكويت»، ولقد تمعنت كثيراً في طروحاتهم خلال تلك الحوارات المنشورة، ومن المؤسف إنني لم أجد ما يؤشر إلى برنامج عمل وطني مستقبلي واضح المعالم ويتسم بالواقعية بما يؤدي إلى حياة سياسية واقتصادية مواتية للكويت خلال السنوات والعقود المقبلة. إن ترديد نغمة مسألة الصوت الواحد، وهي قضية جدلية قد يتم حسمها بحكم من المحكمة الدستورية، لا يجب أن يكون أساساً لحراك إصلاحي محدد المعالم والأبعاد.. لم يأت هؤلاء الشباب، ومن وراءهم من أعضاء سابقين في مجلس الأمة أو منتسبين لحركات سياسية، بأي طروحات توضح أهداف الإصلاح السياسي والاقتصادي في البلاد. وإذا كان هؤلاء يريدون بلوغ الحكومة البرلمانية، بمعنى أن يتشكل مجلس الوزراء من أعضاء منتخبين في مجلس الأمة وبما يحول النظام السياسي في الكويت إلى نظام برلماني كامل، فإن المطلوب قبل ذلك إقامة حياة حزبية تعددية مقننة تعتمد معايير الدولة المدنية. لكن كيف يمكن أن تتسق هذه الأهداف مع قيم الناشطين العاملين ضمن هذا الحراك وهم يسعون إلى إقامة الدولة الدينية في البلاد، ويؤكد على ذلك سعي الأغلبية المبطلة إلى تعديل المادة الثانية والمادة 79 من الدستور بما يؤكد الهوية الدينية للنظام السياسي في الكويت، بالإضافة إلى سعيهم لقمع الحريات الشخصية والدينية؟
 
بطبيعة الحال أن مشروع تحويل النظام السياسي إلى النظام البرلماني الشامل يتطلب تعديلات دستورية أساسية، وكما هو معلوم، هناك آليات لتعديل الدستور... وقد حددت المواد 174 و175 و176 من الباب الخامس من الدستور تلك المبادئ والآليات المتعلقة بتنقيح أو تعديل مواد الدستور. وتؤكد المادة 174 بأن حق اقتراح تنقيح الدستور بتعديل أو حذف حكم أو أكثر من أحكامه، أو بإضافة أحكام جديدة إليه منوط بصاحب السمو الأمير أو ثلث أعضاء مجلس الأمة. كما اشترطت ذات المادة «موافقة صاحب السمو الأمير وأغلبية أعضاء مجلس الأمة على مبدأ التنقيح وموضوعه، وكذلك اشترطت موافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس الأمة، ولا يكون التنقيح نافذاً بعد ذلك إلا بعد تصديق الأمير عليه وإصداره». كما أوردت المادة 175 أن «الأحكام الخاصة بالنظام الأميري للكويت وبمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها ما لم يكن التنقيح خاصاً بلقب الإمارة أو بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة». إذاً كيف سيتم تعديل الدستور دون حصول توافق وطني واسع النطاق وبما يعزز قيم الحرية والعدالة والمساواة والقيم المدنية غير المؤدلجة والبعيدة عن التمترس الديني والعقائدي؟ هل يملك الحراك رؤية واضحة للتعديلات المطلوبة، وقبل ذلك هل يملك تصورات لتطوير الحياة السياسية بما يتوافق مع استحقاقات التحول إلى نظام برلماني فعال؟
 
من الأمور التي أثيرت في حوارات القبس أن الشباب يعانون من عجز الجامعة عن توفير مقاعد دراسية للمتدفقين من التعليم الأساسي.. كأن الأزمة في التعليم تقتصر على القبول في الجامعة. معضلة التعليم في الكويت هي في تردي مستواه وتدهور نوعيته وكفاءته وضحالة مخرجاته، والمطلوب هو الارتقاء بمستوى التعليم الأساسي وتحسين قدرات الهيئات التدريسية وتطوير المناهج، وفي الوقت ذاته الارتقاء بالمستوى الأكاديمي للجامعة ومعاهد التعليم العالي ورفع معايير القبول في تلك الجامعة والمعاهد وضبط نوعية التعليم في الجامعات الخاصة ووضع شروط للابتعاث الخارجي بما يؤدي إلى تحسين كفاءة البشر في البلاد. وإذا أريد لجامعة الكويت، وأي جامعة في الكويت، أن ترتقي أكاديميا وربما تتمكن من الالتحاق بأفضل خمسمائة جامعة في العالم فإن عليها أن تعيد النظر في مستويات قبول الطلبة ووضع أنظمة للاختبارات قبل القبول والتأكد من كفاءة الهيئات التدريسية لديها... كذلك لا بد من معالجة زيادة أعداد الطلبة المتخرجين من الثانوية العامة من خلال تبني التعليم المهني الذي يتيح توفير عمالة وطنية ماهرة تتمكن من شغل العديد من الوظائف والمهن الحرفية والمهنية في مختلف القطاعات الاقتصادية يتعين على أي طرف سياسي يريد الإصلاح أن يوضح مواقفه وبرامجه من كافة القضايا المحورية التي تتصل بعملية التنمية الاقتصادية والتي يمكن أن تعزز الإصلاح البنيوي والارتقاء بأداء البشر بدلاً من دغدغة حواسهم ببرامج شعبوية مكلفة على المال العام.
 
إن أزمة الكويت ليست أزمة سياسية بمعنى أن هناك خلافا بين السلطة وأطراف معارضة بقدر ما هي أزمة مجتمعية بنيوية نتجت عن نمط حياة اتكالي ممنهج معتمداً على فلسفة الاقتصاد الريعي. ولا يمكن لأطراف يحلمون بالدولة المدنية أن يطوروا اقتصاد البلاد باتجاه التنمية والعمل المنتج أو يعززوا قيم الكفاءة والفعالية. كما أن هؤلاء لن يتمكنوا من التواؤم مع حياة سياسية مبنية على التعددية السياسية والثقافية نظراً للفكر الشمولي الذي يتحكم بهم. ولذلك فإن ما هو مطلوب هو حوار بين العقلاء في المجتمع الكويتي لوضع هندسة اجتماعية تهتدي بالدستور الكويتي وقيمه وتؤكد نصوصه الهادفة لبناء دولة العدل والقانون. أي أن ما هو منشود هو الارتقاء بالمفاهيم السياسية ودفعها للتواؤم مع قيم الزمن المعاصر بدلاً من العودة إلى الوراء بموجب قيم أيديولوجية لا يمكن أن تكون صالحة لبناء الدولة الدينية. هل يمكن للقوى السياسية الفاعلة أن تطرح برامجها لكي يمكن الحكم على مدى ملاءمتها لتطوير النظام السياسي والحياة الاقتصادية؟ ونعني بهذه القوى تلك القائمة في الوقت الراهن مثل عدد من القوى الإسلامية وتلك التي تزعم أنها قوى عصرية، أو ذات برامج تقدمية.. هذه هي التحديات التي يجب أن تطرح على مسرح الحياة السياسية بدلاً من التمترس والاستقطاب والدوران حول قضايا شكلية يمكن أن تعالج من خلال الأطر القانونية أو القضائية!
 

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك