المقاطع: هذه أسباب فشل الإصلاح واستمرار الفساد في الكويت!

زاوية الكتاب

كتب 3119 مشاهدات 0


القبس

الديوانية  /  الإصلاح ومحاربة الفساد.. إلى مجاملات!

أ.د محمد عبد المحسن المقاطع

 

المعضلة الحقيقية وراء عدم إمكانية نجاح جهود الإصلاح واستمرار انتشار الفساد في الكويت، تكمن في ثلاثة عناصر رئيسية، كل منها يعرقل الإصلاح، ويتيح أرضية مناسبة لازدياد رقعة الفساد وتمكين الفاسدين، من أن يعيثوا بالبلاد والعباد فسادا، وهذه العناصر هي:

1 ــ غياب الإرادة السياسية في محاربة الفساد

إن المتعقب لسلوك وطريقة إدارة الحكومات المتعاقبة في الكويت بشؤون الدولة العامة وأموالها، يخلص، وبصورة واضحة، إلى أن الارادة السياسية لدى الحكومة في محاربة الفساد، والسير نحو الإصلاح، تكاد تكون معدومة، فعلى الرغم من التصريحات الكثيرة والمتتالية التي تصدر عن الحكومة في شأن محاربتها للفساد، وعلى الرغم من الشعارات الرنانة التي تعتلي الخطابات الحكومية، وربما بعض برامجها في شأن سيرها نحو الإصلاح، فإن ذلك جميعه لا يصمد أمام الحقيقة المُرة، التي تتمثل في أن الممارسات الفعلية والواقعية للحكومة، إنما تعمل على إشاعة الفساد وتشجيعه وحماية أشخاصه، بل ورموزه، ولا أدل على ذلك من أن الحكومة تفتح مجالات التنفيع والتكسّب في تسهيل عطاءات مالية وخدمات عامة من دون أن يكون لديها أساس في ذلك، اللهم إلا الترضيات السياسية أو الاجتماعية أو المصلحية البحتة، فرحلات العلاج للخارج باب مفتوح على مصراعيه، وما زال كذلك من أجل كسب الولاءات والترضية، فظهرت علينا السياحة العلاجية بسبب فساد البعض في الإدارة الحكومية، وظهرت لدينا التعيينات الوهمية أو التنفيعية أو الوظائف المحجوزة التي يتم توزيعها كما لو كانت عطاءات شخصية وامتيازات خاصة، فلا يعين الشخص لكفاءته ولا مؤهله ولا لحاجة الوظيفة إليه، وإنما لأسباب تنفيعية أدت إلى ترهّل الجهاز الحكومي، وشيوع حالات اللامبالاة والتسيب والبطالة المقنعة في الوظيفة الحكومية، وكذلك في التعليم، الذي راجت في دهاليزه الشهادات العليا المضروبة والشهادات الجامعية المزوّرة، وتزايد سماسرة الشهادات الجامعية يوما بعد يوم، حتى صارت الشهادات تمنح في دول خارج الكويت وبلغة أجنبية، والطالب في معظم أوقاته متواجد في الكويت، والحكومة تتفرج، بل تقوم بالاعتراف بهذه الشهادات واعتمادها بعد أن يكون قد زاد عليها الضغط يوما تلو الآخر، فغدت الحكومة فاقدة للإرادة السياسية في البلاد، وربما راعية للفساد أحيانا. ويتكرر المشهد ذاته في العمل السياسي والثقافي والاقتصادي، بما جعل الفساد دليلا على أن الإرادة الحكومية ليست غائبة فقط، وإنما قد تكون داعمة له. وقد كان لمجلس الأمة منذ التحرير وحتى اليوم مشاركة مباشرة في وأد الإرادة السياسية التي تسعى إلى محاربة الفساد وتحقيق الإصلاح في البلاد.

2 ــ وسائل لكسب الولاء والاسترضاء

يلاحظ أنه منذ خمس سنوات تقريبا والبلد يتحقق فيه ارتفاع صارخ في مستوى الموازنة العامة للدولة، التي وصلت إلى 3 أضعاف قياسا إلى حجمها قبل 10 سنوات، ومع ذلك هناك سؤال مشروع: أين ذهبت أموال هذه الميزانيات التي يبلغ حجمها التقريبي 100 مليار دينار في السنوات الخمس الماضية، إذا لم تتحقق أي مشروعات على أرض الواقع؟ فلا مستشفيات ولا محطات لتحلية المياه وتوليد الكهرباء ولا جسور أو أنفاق وقطارات، بل ولا جامعات أو مستشفيات، بل البنية التحتية في شبكات الصرف والمطر في ترهّل مستمر، فإذا قبلنا بأن نصف المبلغ، وهو 50 مليارا، صُرف على المرتبات والمعاشات والمكافآت وغيرها، فإن هناك 50 مليارا آخر لا توجد مشروعات تقنع الناس بأنها تمثل هذه المبالغ، وفي ظل تضخم ثروات البعض من المسؤولين والنواب والشخصيات التي ظهرت عليها مظاهر الغنى الفاحش في السنوات القليلة الماضية، فإن رائحة الفساد المالي هي السبب الآخر المباشر لتعطل جهود الإصلاح وشيوع أحوال الفساد، وقد ضاع الناس بقصائد محاربة الفساد المالي، التي يتغنى بها النواب وقبلهم الحكومة، ولكن الواقع يقول إن كل تلك القصائد هي لمجرد الاستهلاك الشعبوي، فشركاء الفساد المالي ربما هم من يدّعون الدفاع عن الأموال العامة بكل أسف.

3 ــ المجاملات في طرح مواطن الفساد

إن الطبيعة المجاملة للشعب الكويتي -للأسف- طغت عليه حتى في تعامله مع الفساد والمفسدين، فتجد أغلب السياسيين والشخصيات العامة والمثقفين يطرقون الفساد وشخصياته ومواطنه على استحياء، ويسبقونه بمقدمات وبخاتمات تؤدي الى تمييع الموضوع وتضييع جوهره، بل إن التورية والعبارات غير المباشرة والتعميم هي من الأساليب التي أدت إلى عدم شعور الحكومة ومؤسساتها، بأن الناس معترضون على الفساد أو رافضون له، حتى بلغ الأمر أن الناس في مجالسهم ودواوينهم يتكلمون عن الفساد بشدة وقسوة تظن أنهم بعدها ستكون لهم وقفة حازمة في وجه الفساد والمفسدين، وفجأة يدخل عليهم أحد رموز الفساد وشخصياته، فيقدمونه في مجالسهم ويُسمعونه أفضل الكلام ويخرجونه بانطباع أنه مصلح ويقود حركة إصلاح، على الرغم من أنهم قبل دخوله عليهم بـ5 دقائق كانوا يتكلمون عليه بأقسى العبارات وأشد الانتقادات، فصاروا كالتي نقضت غزلها، فانهارت قيم وشجاعة المصارحة وجرأة الكلمة وسداد الرأي أمام المجاملة والحرص على المصالح الخاصة، فلا عزاء للإصلاح ولا محاربة للفساد في أجواء المجاملات هذه.

اللهم إني بلغت..

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك