المساس بالذات الأميرية!!
زاوية الكتابحسني حبس عيسى ومرسي حبس باسم دون جدوى ولنتعلّم من أحمد الجابر
كتب إبريل 24, 2013, 12:11 م 4177 مشاهدات 0
بقلم: عبد الله النيباري
تنفسَّ البلد الصعداء، هذا ما اتفق عليه الجميع، بأن قرار محكمة الاستئناف، بإيقاف تنفيذ حُكم المحكمة الابتدائية بسجن النائب مسلم البراك قد أدَّى إلى انفراج حالة الاحتقان، وإن كان جزئياً ونسبياً ومؤقتاً، في انتظار المداولة في محكمة الاستئناف وقرارها.
الشعور العام بأن الحُكم الابتدائي كان قاسياً، عندما قرر الحبس لمدة 5 سنوات، وهي الحد الأقصى في مواجهة جنحة، لإبداء رأي سياسي، ما يُثير التساؤل، فماذا سيحكم لو كانت القضية أكبر من اعتراض سياسي؟
ما تمر به الكويت حالة احتقان وتأزم، وهو ما يقود إلى طرح تساؤلات حول كيفية معالجة إفرازات الأزمة التي تعيشها الكويت، والتي هي استمرار لحالة عدم الرضا ولدت غضباً، وأنتجت حركات احتجاج على مواقف السلطة، سواء في موضوع قانون الانتخابات وما أفرزه مجلس الصوت الواحد، أو قضايا الفساد المستشري في جسم الدولة وسوء أداء الحكومات المتعاقبة، بما فيها الحكومة الحالية، التي قالت عنها أوساط مجلس الأمة الحالي بأن أداء الوزراء ليس بالمستوى المقبول.
وضع البلد مخلخل ومهلهل، إلى درجة تكرار حالات اللحوم الفاسدة وسرقة أسلحة وزارة الداخلية وازدياد الجرائم.. وهلم جرا، فهل ننتظر إزاء هكذا حالة إلا تصاعد حالات الاحتجاج؟
الكويت اليوم تحت أنظار العالم، فقضية النائب السابق مسلم البراك حظيت باهتمام وسائل الإعلام، المرئي والمسموع والمكتوب، فقد تحدثت عنها الإذاعة البريطانية، عربي وإنكليزي، وتناولتها الصحف العربية، مثل جريدتي الحياة والشرق الأوسط، فلم تعد الكويت بلداً صغيراً معزولاً.
فما يحدث فيها محط اهتمام الدول والمنظمات الدولية.
لجنة البحوث في مجلس النواب الأميركي أصدرت تقريراً عن الكويت أشارت إليه جريدة الراي بتاريخ 18/4/2013، جاء فيه «تظاهرات الاحتجاج التي بدأت صغيرة تفاقمت وتصاعدت في الفترة 2011/2012، للاحتجاج على جهود نظام آل الصباح، لصياغة قانون انتخابات ينتج برلماناً لصالحهم.
ورغم تنامي حركة المعارضة الاحتجاجية، فإنها مازالت تحدد مطالبها بتقييد سلطة آل الصباح، وليس إنهاءها».
إزاء هذا الوضع، هل من الصالح تصعيد الملاحقات القضائية بحق النواب والمغرّدين بدعاوى المساس بالذات الأميرية إلى مستوى التداول؟
الاعتقاد بأن المعالجة الانتقامية أو الانتقائية وزج القضاء في قضايا ذات طابع سياسي، قد تؤدي إلى ردع المحتجين أو إسكاتهم، قد يكون منهجاً خاطئاً. وربما أدى إلى تزايد التأجيج والاحتجاج لا ردعه وإيقافه.
عندما تصل حالة بلد إلى ما وصلنا إليه يثور الناس، ولا يبالون بالعقوبات الرادعة التي تهددهم السلطة بها، لا العنف ولا السجن يوقفان حالة الاحتجاج، نتيحة سوء الأوضاع، وشعورهم بأن نظام الحكم ينحرف عن طريق الصواب.
وطرح قضية المساس بالذات الأميرية للتدوال، كما هو حاصل الآن، والأسلوب الذي تتبعه السلطة في مواجهتها، لن يوقفها، بل سيزيد من اتساع انتشارها، فما قاله فرد واحد قد يردده العشرات والمئات والألوف، لدرجة أن سجون السلطة لن تتسع لاستيعابهم.
حسني مبارك أدخل من هاجمه أو تطاول عليه من الصحافيين السجون، مثل إبراهيم عيسى وآخرين، فماذا كانت النتيجة؟
واليوم مرسي اعتقل منتقديه، بحجة التطاول والحط من منصب رئيس جمهورية مصر، مثل الصحافي باسم يوسف وغيره، فاتسعت حركة الاحتجاج، وتصاعدت، وأطلق سراح باسم يوسف، كما أطلق قيد إبراهيم عيسى من قبل.. والأمثلة كثيرة.
في العصر الذي نعيش فيه لم يعد انتقاد القيادات السياسية، بمن فيهم رؤساء الدول، جريمة، والعلاج ليس بردع الناقدين، بل بعلاج الأسباب التي ولدت حالة عدم الرضا والغضب لدى الناس ورفضهم بالتعبير عنها بجميع الوسائل.
وتجارب الشعوب تشير إلى أنه لا العصى الأمنية، ولا الأحكام القضائية البالغة القسوة، ولا السجون، وسيلة ناجحة لردع الناس لإيقاف احتجاجهم أو إسكات أصواتهم.
ولعل الإشارة إلى ما حدث في مرحلة تاريخ الكويت تعطينا مؤشراً لكيفية معالجة الأمور، كما فعل الشيخ أحمد الجابر.
جاء في مذكرات خالد العدساني حول أحداث 1938-1939، أنه «في ليلة 29 ذي الحجة سنة 1357، جرت محاولة لاعتقال عبداللطيف محمد ثنيان الغانم، بتهمة إرساله برقية احتجاج على الوضع في الكويت إلى إذاعة قصر الزهور في بغداد، أثارت انزعاج الشيخ أحمد الجابر، وكان من يتولى أمر الأمن الشيخ علي الخليفة والشيخ فهد السالم، طالبا عبداللطيف ثنيان بالحضور فرفض، فذهبت قوة كبيرة مسلحة، على رأسها فهد السالم وعبدالله المبارك، وبيدهم أمر بالقبض عليه، فلم يجدوه، فذهبوا إلى بيت عمه أحمد الغانم، فلما فهم منهم أن بيدهم أمر القبض عليه، قال لهم: أنا ذاهب إلى عبداللطيف، وبعد العشاء أذهب إلى الأمير، وفي أثناء ذلك، توافد أعيان الكويت على بيت أحمد الغانم، ليحولوا بالإقناع واللطف دون القبض على المذكور. وذهبت أنا وابن عمي محمد صالح العدساني إلى الشيخ يوسف بن عيسى، لإبلاغه بما حدث، وقام الشيخ يوسف بن عيسى بالذهاب إلى فهد السالم، لتدارك الأمر، قبل أن يستفحل، ولما فهم الشيخ يوسف من فهد السالم أن أمر القبض صادر من الأمير، ذهب الشيخ يوسف إلى الأمير، ليبادره ويفاتحه بالأمر، ورد عليه الأمير «الحين أنا أرسل مرجان»، وأرسل مرجان إلى فهد السالم يستدعيه، وبعد ذلك ذهب الشيخ حمود الجابر إلى بيت الغانم، وقدم اعتذارا أمام المجتمعين من الأعيان، وكذلك فعل الشيخ علي الخليفة».
أذكر هذا الحادث التاريخي من مذكرات خالد العدساني عن ظرف كانت تجربة الكويت أخطر من ذلك مما نمر به الآن، لعلها تكون لنا مرشداً لكيفية معالجة الأمور.
تعليقات