لمصلحة من هذا التشرذم العربي؟.. مساعد الظفيري متسائلاً

زاوية الكتاب

كتب 573 مشاهدات 0


الكويتية

من بحاجة لمن؟

مساعد الظفيري

 

في الوقت الذي رحبت فيه شعوب المنطقة بثورات الربيع العربي على الظلم والقهر، استاءت كثير من الأنظمة في منطقتنا العربية، وتحديدا في منطقتنا الخليجية، ليس هذا فحسب، بل بالغت بعضها في هذا الاستياء إلى درجة الاستعداء، واتخذوا من السياسات المعلنة وغير المعلنة ما ينسجم مع هذه السياسات الغريبة، كنوع من العقاب للشعوب التي شهدت ثورات لتغيير أنظمتها الديكتاتورية، وكان الأولى لهذه الدول الانحياز لخيارات الشعوب واحترام إرادتها، قولا وفعلا.
فسياسات استعداء الربيع العربي أعادت للأذهان مفهوما مغايرا واكب الغزو العراقي الغاشم، وهو مفهوم «دول الضد»، وكان وقتها يقصد به الدول التي اتخذت موقفا داعما ومؤيدا للغزو العراقي الغادر.
ومع اختلاف المشهد، وتغير الظروف، وبعد أن أنعم الله علينا بنعمة التحرير، نرى أن البعض بيننا الآن يستدعي هذا المصطلح من تابوت التاريخ، ليجعله واقعا، بعد ثورات الربيع العربي، ليصبح المقصود به الآن الدول التي قامت فيها ثورات هي دول الضد، وهذه مغالطة تاريخية فادحة، تقطع أواصر الشعوب العربية، وتجعلنا ندير ظهورنا للشعوب التي وقفت معنا قبل أنظمتها إبان الغزو العراقي الغاشم، وتجعلنا هذه السياسات الفاشلة نتساءل: من بحاجة لمن؟!
شئنا أم أبينا، قامت الثورات في دول كان خيارها الخلاص من قيود الديكتاتورية التي فرضت عليها عقودا طويلة، وهذا حقها في اختيار مصيرها، من أجل الحرية والعيش الكريم والكرامة الإنسانية، بل من واجبنا أن ندعمها، لترسم حياتها الجديدة، ونكون لها نعم العون والنصير، لذا علينا أن ننظر لما يحدث من منظور جديد، فما نملكه ونعتقد بأنه يمثل مصدر قوة لنا من «نفط» و«وفرة مالية»- نحمد الله عليها - لا نجعله سببا في أن نتمادى في هذا العداء، وخصوصا أن الدراسات المؤكدة تشير إلى نضوب هذه المصادر خلال عقود آتية، طالت أم قصرت.
في حين أن البعض منا، وهو يعيش حالة الزهو هذه والاستطالة بنعمة الله، يتناسى أن الأرزاق بيد الله عز وجل، فلم يمت شعب من الجوع، حتى غزة التي حاصرتها أنظمة المجتمع الدولي والعربي التي ساهمت وتساهم بحصار مليون مسلم في القطاع، إما صمتا أو تآمرا أو دعما للسياسات «الصهيو أميركية» في المنطقة، على الرغم من ذلك، صمدت غزة ولم تيأس. وعليه، لن تموت ولن تتراجع دول الربيع العربي عن ثوراتها، ولو خطط الأغبياء والبلهاء لقلب أوضاعها، ولو منعنا عنها الدعم، وأوقفنا معها التعاون المزعوم، الذي نظن بأنه دائم، وأنه سيقهر خياراتها وإرادتها، فمن يظن ذلك واهمون في ذلك أشد الوهم.
 فالكثير من المعطيات على الأرض الآن تتغير، فمصر الثورة، ولأول مرة في تاريخها، تحقق الاكتفاء الذاتي من القمح منذ عقود طويلة، بنسبة تتراوح ما بين 60 إلى 65 بالمئة، بعد أن كانت تستورد في ظل النظام السابق معظم احتياجاتها من القمح، وافتتحت مشروعات اقتصادية بمنطقة خليج السويس، التي تعد من أكبر المناطق الاقتصادية والصناعية في مصر حاليا، وتضم استثمارات ضخمة.
وهذه مؤشرات، وغيرها الكثير، نتابعها كل يوم، وعلى غرارها تشهد دول الربيع العربي في كل من ليبيا وتونس مؤشرات قوية على التقدم والنهضة والاستقرار، فمن بحاجة لمن؟ وهل تدرك دولنا الخليجية ماذا يعني أن تستقر مصر وتنهض من جديد؟ وأين هي منظومة التكامل التي علمونا إياها في مدارسنا، من أننا أمة واحدة ذات رسالة خالدة، وأنه لو تكاملت الدول العربية، دول الخليج برأس المال ومصر باليد العاملة والعقول والخبرة، وتم استثمارها في أرض السودان الخصبة، لحققنا أعظم نهضة في التاريخ؟ أليست دولنا ذاتها التي يناصب بعضها دول الربيع العربي العداء الآن، هي التي علمتنا ذلك في الصغر؟ فما الذي تغير؟ ومن يرسم سياستنا الخارجية؟ ولمصلحة من هذا التشرذم العربي؟ ولماذا هذا العداء لشعوب وأنظمة منطقتنا العربية والإسلامية الذي لا يصب في مصلحتنا مطلقا؟ فمن بحاجة لمن؟ نحن جميعا بحاجة لبعضنا، ولنترك عقلية الاستكبار والاستعلاء.. فلم ولن يفلح في يوم من استعلى، وبقليل من التواضع يتحقق المزيد من التفاهم.

الكويتية

تعليقات

اكتب تعليقك