باراك أوباما أثناء توقيعه في المكتب البيضاوي قانون التحكم في الميزانية لعام 2011بقلم ريتشارد ماكريجور

الاقتصاد الآن

958 مشاهدات 0



بدا كأن الرئيس أوباما لم يختر كلماته بعناية أثناء وقوفه إلى جانب الرئيس المكسيكي، إنريكو بينيا نيتو، في القصر الوطني للدولة الجارة مساء الخميس الماضي.

فقد التفت الرئيس إلى نظيره المكسيكي ليمدح الروابط الثنائية بين البلدين، قائلاً: ''إذا ازدهر أحد البلدين، فهذا يعني ازدهار البلدين معاً''. كان هذا بعد ساعات من إعلان أوباما عن تعيين اثنين من أعضاء الحكومة للبحث في معالجة مسائل التجارة والصادرات في البيت الأبيض، والقفز إلى الطائرة الرئاسية التي ستنقل الرئيس إلى الجنوب.

تعتبر هذه المفاهيم أساسية في تفكير الداعين إلى زيادة حرية التجارة، لكن ليست هناك كلمات أقل ملاءمة من أوباما لوصف سياسات الدولة التي غادرها لتوه.

وفي الوقت الذي تعمل فيه التعاملات التجارية على جلب المنافع لكلا البلدين، نجد في واشنطن الواقعة بين حزبين، أن مبدأ اربح وربِّح يطل بمنتهى الوضوح من الأفكار التي لا تلقى حظوة فيها، وهي واحدة من حقائق الحياة الصعبة بالنسبة لرئيس لديه أجندة طموحة ليحققها في فترة رئاسته الثانية.

كان فشل مجلس النواب الشهر الماضي في إقرار قانون لتوسيع عمليات الكشف عن خلفيات المشترين للأسلحة النارية، سبباً في إعادة النشاط لمنتقدي أوباما من الذين يشتكون من أن رفع وتيرة الخطابة - التي يجيدها أوباما - لن يكون بديلاً عن مهارات السياسيين العنيدين. وعند توجيه سؤال لأوباما في البيت الأبيض عما إذا كان قد بقي في رئاسته أي عزم أو طاقة، بدا أنه كان يَجهَد في تقديم الأعذار حول بعض القضايا مثل قانون السيطرة على الأسلحة، أو إغلاق معسكر الاعتقال في خليج غونتانامو، أو قضية الميزانية.

كان ذلك شيئا مختلفاً جداً عما قاله في حفل تنصيبه رئيسا لفترة رئاسية ثانية في كانون الثاني (يناير). في ذلك الحين كان أوباما يشع بالثقة، في الوقت الذي كان فيه الجمهوريون يلعقون جراحهم من الهزيمة الانتخابية الساحقة التي لحقت بهم.

وبحلول نهاية الأسبوع، تُرك الأمر للنائب الجمهوري، بات تومي، ليشن أكبر دفاع عن إخفاقات أوباما. تعمد تومي، الذي شارك في رعاية مشروع قانون الأسلحة الفاشل في مجلس النواب، أن يزل لسانه ويكشف عن أن رفاقه من الجمهوريين لن يسمحوا للرئيس بأن يربح أية قضية، مهما كانت هذه القضية.

قال لصحيفة محلية في ولايته بنسلفانيا: ''الخلاصة أن القانون لم يمر لأننا مسيسون أكثر من اللازم. كان بالقرب مني أناس لا يريدون أن يظهروا بأنهم يساعدون الرئيس على عمل شيء يريد عمله، وذلك لمجرد أن الرئيس يريد عمل ذلك''.

وأوباما ليس أول رئيس يبدو بلا حيلة أمام كونجرس معاد. فبعد أشهر من كسب نيوت جنجريتش مجلس النواب لمصلحة الجمهوريين، أصر على إحراج بيل كلنتون في مؤتمر صحافي في نيسان (أبريل) 1995، بقوله: ''لا يزال للرئيس علاقة بالأمر''.

استطاع كلينتون في حينه العودة ثانية إلى المسار بسرعة بعد أن ألقى خطاباً حول تفجيرات أوكلاهوما التي وقعت في اليوم التالي. ومع أن أوباما كسب تصفيقاً مماثلاً حول موقفه من المآسي التي حدثت أخيراً، إلا أن الفوز السياسي كان في حده الأدنى على إجراءاته التي اتخذها حول حوادث أخرى - مثل حادث إطلاق النار في إحدى مدارس كونيتكت في كانون الأول (ديسمبر) وتفجيرات بوسطن والحادث الصناعي في تكساس في الشهر الماضي.

ومع أن أوباما كان يمزح وهو يعيد عبارات مارك توين التي قال فيها إن الأخبار عن سقوطه السياسي مبالغ فيها، إلا أن من المبكر جداً الإعلان عن التوقعات المحتملة للفترة الرئاسية الثانية لأوباما.

ويقول جيم كوبر، عضو الكونجرس الديمقراطي عن ولاية تنيسي، الذي يمثل كتلة الوسط: ''لا تلوموا أوباما على هكذا كونجرس. لدينا حكومة يصعب السيطرة عليها، الكثير من الديمقراطيين لا يعرفون كيف تصرف أوباما بصورة حسنة''.

وإذا كانت أسعار الأسهم يمكن اعتبارها مقياساً من أي درجة للطاقة والعزم الرئاسي، فإن أوباما يكون قد أبلى بلاءً حسناً. وإذا رجعنا إلى المؤشر القياسي للأسهم، ستاندارد آند بورز 500، فقد سجلت الأسعار أمس الأول رقماً قياسياً بعد بيانات الوظائف القوية.

ومثل غالبية الرؤساء، لدى أوباما مجال أوسع للتحرك في السياسة الخارجية مقارنة بالسياسة الداخلية، رغم أنه بالنسبة لسورية ما زال يتوخى الحذر تجاه الاستجابة للضغوط الرامية لتدخل الولايات المتحدة في النزاع. وبعيداً عن صقور وزارة الدفاع، يُظهر أوباما ترددا في إشراك الولايات المتحدة في النزاع بصورة مباشرة أكبر في الحرب الأهلية ذات الرؤوس المتعددة في سورية، على الرغم من الدعم الواسع، غير المنطوق به غالباً، في أوساط الكونجرس والجمهور.

وبعد البطء الذي شهدناه في تحرك أوباما تجاه المبادرات الاقتصادية العالمية في أثناء فترته الرئاسية الأولى، نجد الآن أن لديه أجندة مكدسة لينجزها في السنوات الأربع المقبلة. وقد تم البدء في المحادثات التجارية مع أوروبا وأيضاً مع دول منطقة آسيا - الباسيفيك، في إطار مبادرة الشراكة عبر آسيا - الباسيفيك.

ومرة أخرى يتعاون الكونجرس مع أوباما وهو متردد. وكان الجمهوريون دائماً أكثر تأييداً من أوباما للتجارة الحرة. ومن الداعمين لهذه القضية الديمقراطي البارز من ولاية مونتانا، ماكس بوكوس، الذي يرأس اللجنة المالية في مجلس النواب.

وكان تعيين أوباما لمايكل فرومان، كبير مستشاري الرئيس للشؤون الاقتصادية في البيت الأبيض، ممثلا تجاريا جديدا للولايات المتحدة، إشارة واضحة تدل على أن الرئيس عازم على القتال لأجل كل من الاتفاقيتين.

لكن الرمال المتحركة للسياسة المحلية هي التي تحظى بأكبر قدر من الاهتمام، وهي المنطقة التي يرجح أن تستقر فيها تركة أوباما. ومن خلال هذه العدسة الضيقة، تبدو التحديات الماثلة أمامه في استخلاص الفوز من براثن مشهد سياسي معادٍ، أكثر صعوبة.

وبعد أن هزم أوباما كل العوائق التي وضعها أمامه الجمهوريون في الكونجرس في حملة عام 2012، نجح الشهر الماضي في التودد إلى أعضاء في مجلس الشيوخ، حيث لعب على مشاعر الإحساس بالاستقلالية لدى النواب وتراث المجلس في إبرام الصفقات. ويقول بوكوس في هذا الصدد: ''أنا أرغب في أن أراه هنا أكثر، أعتقد أن طريقته ناجحة''.

لكن لم يكن الحال على هذا النحو في مسألة الأسلحة. فقد كان بوكوس واحداً من أربعة ديمقراطيين صوتوا ضد القانون، وساعد على ضمان عدم الحصول على عتبة الـ 60 صوتاً - وهو النظام الجديد لإقرار القوانين في مجلس مكون من 100 عضو من النواب. ويقول نورم أورنستاين، من معهد المشروع الأمريكي: ''كان ذلك بالنسبة إليه مثل المرور بتجربة حارقة، فقد كان لديه سبب قوي ليعتقد أن المجلس هو أمله''.

ولم يذهب النقاش حول الأسلحة بعيداً، إذ كانت ردة الفعل التي قادتها عائلات الضحايا في ولاية كونتكيت ضد بعض الجمهوريين ممن صوتوا ضد القانون، هي أن اللوبي المضاد للأسلحة راح يخطط لإحضار مشروع قانون جديد إلى المجلس.

وأكبر لعبة تأتي للمدينة هي الخطة التي تحدث مرة واحدة في الجيل الواحد، وهي خطة إصلاح نظام هجرة منهار ترمي إلى إخراج ثمانية ملايين عامل غير شرعي في الولايات المتحدة من الظل. ومنذ البداية اكتسبت مسألة الهجرة زخماً من الحزبين. فقد رشح ميت رومني نفسه في عام 2012 بوصفه مرشحا جمهوريا يتبنى سياسة هجرة أساسها ''الإبعاد الذاتي'' للغرباء غير القانونيين، ولذلك فقد أصوات الأقليات. والمحافظون منقسمون حول هذه القضية، لكن أغلبيتهم تعتقد أن عدم التعامل معها سيكون عملية انتحارية بالنسبة لهم.

ويقول بين لابولت، المتحدث باسم حملة أوباما في 2012: ''يدرك الحزبان أن مصلحتهما السياسية تقضي بإقرار القانون. يعلم الجمهوريون أنه إذا حصل الديمقراطيون على 70 في المائة من أصوات اللاتينيين مرة أخرى في 2016، فسيخسرون البيت الأبيض''. ومن بين ''عصبة الثماني''، وهي لجنة من الحزبين في مجلس الشيوخ أدخلت مشروعاً للقانون، هناك ماركو روبيو، وهو جمهوري عن فلوريدا، ينظر إليه على أنه مرشح محتمل للرئاسة في انتخابات 2016.

ولم يغير مؤيدو أوباما جوهر شبكته الأساسية التي كانت فاعلة للغاية في حملته الانتخابية، تحت شعار ''التنظيم من أجل العمل'' لمساندة أجندته التشريعية.

وجمعت أجندة التنظيم من أجل العمل نحو خمسة ملايين في الربع الأول، ونظمت عشرات الاجتماعات والمسيرات في مختلف أنحاء البلاد، وبالدرجة الأولى حول قضايا مثل الأسلحة والهجرة، من أجل الضغط على خصوم الرئيس. ويقول لا بولت: ''لم يكن هناك من قبل أي شيء مثل التنظيم من أجل العمل''.

لكن قدرة التنظيم، والرئيس، على تجميع الأصوات في المجالات التي يحتاج إليها أكثر ما يمكن – وهي مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون – غير موجودة حتى الآن.

والجمهوريون الذين يمثلون مناطق انتخابية مأمونة إلى حد كبير لا حاجة لهم إلى الإنصات للناشطين المدافعين عن أوباما. وليس جمهوريو مجلس النواب هم فقط الذين ظلوا يشعرون بعداء عميق تجاه أوباما - في الأشهر الأخيرة أخذوا بالانقلاب على بعضهم البعض.

ومن الناحية النظرية ينبغي أن يكون جون بيمر، رئيس مجلس النواب، هو كبير المفاوضين أمام أوباما. لكن الانقسامات ضمن صفوفه شلت قدرته على تحريك قواته.

وهذا الجمود بين أوباما ومجلس النواب، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، مستمر في أن يجعل من المستبعد التوصل إلى صفقة كبيرة بخصوص الميزانية. والعداوة المتأصلة تعمل كذلك على تقليل الفرص المتاحة في المواجهة حول رفع سقف الدين أمام الحكومة الأمريكية في وقت ما من أيلول (سبتمبر) أو تشرين الأول (أكتوبر) – وهي نقطة سلبية أخرى في اقتصاد لا يزال ضعيفاً.

ورغم أن الجمهوريين مختلفون حول التكتيك، إلا أنهم متحدون بصورة عامة حول مسألة واحدة: استخلاص أكبر قدر ممكن من المزايا السياسية من التنفيذ المعقد لبرنامج الرعاية الصحية الكاسح من أوباما.

وقررت أكثر من 30 ولاية ألا تدير بورصات خاصة بها لشراء التأمين الصحي - وهو جزء أساسي في برنامج ''أوباما كير'' - وضمن الجمهوريون في الكونجرس ألا تتولى الحكومة الفيدرالية التمويل نيابة عن الولايات. وبالتالي، فإن ملايين الأمريكيين من ذوي الدخل المتدني لن يكون بمقدورهم الحصول على التأمين الصحي من خلال القانون الجديد، لأن كثيراً من الولايات الجمهورية لم توقع على توسيع برنامج الرعاية الطبية Medicaid المصمم لرعاية الفقراء.

وقال بوكوس إنه يرى دماراً كبيراً في الطريق. فالجمهوريون الذين حصلوا على فوز ساحق في الانتخابات النصفية عام 2010 من خلال مهاجمة الإصلاحات الصحية، يتلمظون شوقاً للاستفادة من الإمكانات المقبلة.

وقال أوباما الأسبوع الماضي: ''حتى لو قمنا بكل شيء على أكمل وجه، سيظل هناك سقطات ومطبات''. وهذه الكلمات تصلح وصفاً للحياة السياسية للرئيس. وليس هناك في واشنطن من يتوقع تغيراً ضخماً في العاصمة خلال وقت قريب.

الآن:الاقتصاديات

تعليقات

اكتب تعليقك