دورة العمل بين البيروقراطية والمرونة بقلم عبد الوهاب بن عبد الله الخميس
الاقتصاد الآنمايو 9, 2013, 12:57 م 1259 مشاهدات 0
أحد أهم التحديات التنظيمية التي تعانيها دوائرنا الحكومية هي كيفية خلق توازن بين بيروقراطية حكومية تقود إلى بطء في الإجراء وبين أنظمة إدارية مرنة تعطي المؤسسات الحكومية صلاحيات موسعة لكنها صلاحيات قد يساء استخدامها. لا شك أن النظم الحكومية البيروقراطية يراد منها تحقيق المساواة والصرامة في منع التلاعبات. لذا فالأنظمة البيروقراطية تسعى لتحقيق أهداف سامية من عدالة ومساواة في الوقت الذي تحاول منع وجود بيئة خصبة للفساد من قبل متنفذي تلك المنشآت. فالأنظمة البيروقراطية تسعى نحو تحقق التنظيم على حساب سرعة الإنجاز، كما أن الأنظمة البيروقراطية ليس هدفها التيسير وإنما التنظيم. لذا فإن الأنظمة البيروقراطية قد لا تتمتع بفعالية عالية في الأداء بقدر ما تسعى لتحقيق درجة عالية من المساواة والعدالة. فعدم فعالية وكفاءات الأنظمة البيروقراطية أدى إلى تذمر الناس منها حتى أصبحت كلمة بيروقراطية كلمة سلبية وإن كانت في أساسها كلمة إيجابية تحقق مصالح مهمة في النظم الإدارية الحكومية. لكن في ظل تأخر الإجراءات الحكومية بسبب بيروقراطية الأنظمة الحكومية تعالت أصوات تطالب بمزيد من مرونة النظم الإدارية، وهي دعوات صادقة في ظاهرها لكنها تحتاج إلى ضبط لأن مرونة الأداء قد يقود إلى فوضى وفساد. فالمرونة في الأنظمة لا يقود بالضرورة إلى تسهيل الإجراء وإنما قد يقود إلى فساد مالي وإداري وتنظيمي في ظل غياب ضوابط تحكم هذه الصلاحيات.
أما بالنسبة إلى تأثير النظم البيروقراطية على القطاع الخاص، فإن ضررها أكبر من نفعها. لذا فإنه من الخطأ تطبيق النظم البيروقراطية على القطاع الخاص بسبب أن أولويات القطاع الخاص ليست بالضرورة هي أولوية القطاع الحكومي. فالقطاع الخاص يسعى لتحقيق قفزة عالية من الربحية كأحد أهم أولوياته. فالموازنة بين تقليل التكلفة وزيادة الربح هو ما يحرك القرار في مؤسسات القطاع الخاص. لذا فإن بيروقراطية القطاع الخاص مذمومة بسبب أنها تشل كفاءة الأداء 'إنجاز الأعمال وفق وقت محدود'، وكما هو معلوم أن تحقيق درجه عالية من الكفاءة من أهم أولويات القطاع الخاص. لذا نجد أن كثيرا من العاملين يفضلون العمل في القطاع الحكومي على حساب القطاع الخاص على الرغم من وجود مميزات وظيفية عالية من قبل القطاع الخاص، بسبب أن تحقيق مفاهيم العدالة والمساواة وعدم مرونة الأنظمة الحكومية في فصل الموظفين جعل الكثير يفضلون العمل في القطاع الحكومي على القطاع الخاص.
لذا فإيجاد معادلة تحقق جزئيا مميزات القطاع الحكومي من عدل ومساواة وتنظيم كما تحقق مميزات القطاع الخاص من كفاءة عالية في الأداء ومرونة في الإنجاز هي معادلة ليس بالسهل تحقيقها. كثير من الدول سعت لإنشاء ما يعرف بالمؤسسات غير الربحية من أجل تحقيق توازن بين تحقيق حد أدنى من الأرباح (أقل من 5 في المائة عادة) مع السعي لتحقيق كفاءة معقولة في الأداء. لكن تلك الدول لم تكتف فقط بوضع معايير مالية وتنظيمية وتشغيلية تحكم أداء تلك المؤسسات بشكل سنوي، بل طورت نظم المراقبة والمحاسبة في تلك المؤسسات، حيث يقيم القائمون على تلك المؤسسات وفق معادلة الأداء والإنجاز والكفاءة، وليس مجرد انطباعات شخصية يختلف تقيمها من شخص إلى آخر.
ما لا أتقبله هو سعي مؤسساتنا الحكومية لأن تكون لديها مرونة القطاع الخاص، بينما لا تريد أن تراقب إنجازاتها المالية والتشغيلية والتنفيذية بشكل دقيق وتفصيلي وشفاف. نحن في حاجة إلى إعادة تنظيم ما يعرف بالهيئات أو المؤسسات الحكومية، حيث تطبق عليها شروط ما يعرف بالمنظمات غير الربحية. مع الأسف إن كثيرا من مؤسساتنا الحكومية لديها مرونة القطاع الخاص وميزانية القطاع الحكومي ولا يتعاملون مع التكلفة التشغيلية كما تتعامل معها المؤسسات غير الربحية. كما أن مؤسسات الدولة وهيئاتها تدار وتقيم وكأنها إحدى الوزارات الحكومية. فمؤسسات الدولة وهيئاتها تتمتع باستقلالية في الميزانيات ومرونة في التعيينات ونظام مالي وإداري مرن جدا يتيح لتلك المؤسسات إضافة وتحوير في مسميات وظائفها وإضافة وتجميد بعض أنشطتها. كما يمكن لتلك المؤسسات أن تتحكم في الصرف والنقل بين البنود وإضافة مصادر دخل في الوقت الذي لا توجد عليها التزامات مالية وأرباح سنوية متوقعة منها، بل إن ميزانيتها السنوية في ازدياد مستمر، ومع الأسف أنها لا تربط مع ما حققته فعليا على أرض الواقع. ختاما أتمنى أن ينظر المسؤولون عن النظم الحكومية وهيئة مكافحة الفساد نظرة توازن بين الصلاحيات الممنوحة للمؤسسات الحكومية وبين مراقبة أدائها وقياس وتقييم مخرجاتها.
تعليقات