بنك التسليف وأسئلة المستقبل بقلم فهد العيلي

الاقتصاد الآن

1600 مشاهدات 0


هذا البنك الذي يوحي اسمه بأداء رتيب وارتباك في الهوية، يعيش في برج عاجي وبعيد عن هموم الناس ويكاد دوره يكون محصورا في برامج الإقراض الشحيحة للمتزوجين، أو طالبي ترميم المنازل، ولو سألت معظم الناس عن موقع هذا البنك، أو فروعه أو دوره الاجتماعي، لما عرفوا. وهم محقون بالطبع، فبنك التسليف والادخار الذي تجاوز عمره 43 عاما بأدائه الحالي ما زال بعيدا عن الواقع ولم يتهيأ له حتى الآن من يغير اسمه، ويطور أداءه، ويجعل منه نقطة تحول في تطبيق مفهوم التنمية الاجتماعية الشاملة بدلا من سياسة الإقراض التقليدية المحدودة وفق شروطها 'الماراثونية 'والمعقدة، التي تبدأ بالكفيل الغارم وتنتهي بتواقيع شيخ القبيلة وعمدة الحارة والرئيس في العمل، ودراسات الجدوى، ولجان التقييم والمقابلات، وغيرها، ومن ثم الصرف على مضض بدفعات متقطعة، ما يجعل عزوف المتقدمين عن برامج الصندوق والعودة في منتصف الطريق أمرا سائدا ومستمرا. ورغم قناعتي بعدم التوسع في برامج الإقراض المغرية شكلا والمرهقة على المدى البعيد إلا أنني أرى أن البنك يفترض أن يكون عونا لأصحاب الحاجات مهما كانت ظروفهم سواء أسرية، أو اجتماعية، أو معيشية ليحد من هذا الانجراف وراء بريق القروض البنكية الأخرى التي أرهقت المقترضين بالفوائد الضخمة، وأثرت بشكل واضح في الطبقة الوسطى، ولا أرى حاجة إلى أن يضع البنك سقفا أو حدودا دنيا للرواتب في ظل توافر الكثير من الضمانات الأخرى. أما الجانب الضعيف في أداء البنك فهو دعم المشروعات الصغيرة التي تشكل قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، ولم يحقق البنك فيها إلى الآن النجاح المتوقع رغم محاولاته إصدار لائحة خاصة بذلك، وضاع المستثمرون الشباب بين شروط البنك وشروط الجهات الأخرى. وبالتالي تقلص دور البنك الاجتماعي، وخسر المتقدمون فرصة دعم جيدة كان من الممكن أن تكون فرصة لتغيير واقعهم إلى الأفضل، وتصنع منهم روادا جددا في عالم الأعمال. وعلى سبيل المثال إحصائيات البنك تؤكد أنه دعم قرابة 365 مشروعا صغيرا، لكن هذا الرقم يعد متواضعا جدا قياسا بوجود مليون شاب وفتاة في قائمة العاطلين، وأيضا أعداد أخرى من الخريجين السنوية من الجامعات والكليات، ولو قارناه ببنوك الكويت، الإمارات، والبحرين، فقط لوجدنا فارقا هائلا في الإحصائيات. إنني لا أشك في إخلاص القائمين على البنك ولا حماسهم، لكن أذكرهم بمسؤوليتهم الكبيرة تجاه مجتمعهم، وبالدور الكبير الذي تلعبه بنوك التنمية الاجتماعية في معظم دول العالم، وهي من أهم الأدوار في بناء الإنسان، وتنمية المجتمعات من خلال آفاق متجددة وليس من خلال آليات محدودة 'وبيروقراطية' قاتلة. وإذا كانت الدولة تدعم بسخاء فمازلت أرى البنك متأخرا في ترجمة هذا الدعم إلى مشروعات اقتصادية واجتماعية على أرض الواقع، وعليه أن يبذل الكثير ليكون شريكا فاعلا في معالجة أزمات متعددة مثل الإسكان، البطالة، الفقر، والعنف الأسري، من خلال النزول إلى واقع الناس وتلمس احتياجاتهم، لا أن ينتظر البنك في أبراجه العاجية من يتجاوز 'ماراثون' الشروط التي تضعها لجان البنك ثم يمن عليه بالموافقة أو بالرفض. لماذا لا تذهب لجان الصندوق إلى الأحياء والمناطق العشوائية فتعين المحتاج، وتدعم الموهوب، وتساند المريض، وتشجع الباحث، بالمال والمشورة، والتواصل مع الجهات الأخرى؟ ولماذا لا يتبنى البنك ملتقيات سنوية ومؤتمرات دورية لمعرفة احتياجات ومواكبة المتغيرات؟ لماذا لا يكون للبنك نوافذ في الجامعات والكليات ومعاهد التقنية للبحث عن كل ما يسهم في تنمية الشباب والبنات، ويحقق لهم فرصة الوصول إلى أحلامهم؟ يا مسؤولي البنك بيدكم أن تغيروا واقع التنمية الاجتماعية وتنقلوها إلى مستوى رفيع يليق بتطلعات القيادة، وتطلعات أبناء الوطن، وفرصتكم الآن أن تسجلوا تاريخا جديدا في مسيرة البنك تحفظه لكم الأجيال، فنحن لا نريد شيئا خارقا، ولا فوق قدراتكم، نريد فقط أن تحققوا لنا ما تحققه كل بنوك التنمية الاجتماعية في دول العالم .. فماذا أنتم فاعلون؟

 

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك