أيتها العير إنكم لكاذبون
زاوية الكتابعبدالرحمن الفرحان: وظيفة المثقف العربي ضابط بلاط يحامي عن ظلم الملك
كتب نوفمبر 9, 2013, 9:24 م 2021 مشاهدات 0
أيتها العير إنكم لكاذبون
عبدالرحمن الفرحان
باحث دكتوراة في الأدب والنقد
١
في آخر فصول سكرية نجيب محفوظ التي ختم فيها ثلاثيته الشهيرة التي جاءت كأول أعماله بعد ثورة ١٩٥٢، يدور حوار بين مأمور السجن ممثلا السلطة ورجل اصلاحي قبض عليه بتهمة التآمر على بريطانيا الدولة الصديقة، ختم فيه المأمور التحقيق بعبارة 'انك مثقف ، وكان ينبغي أن تدرك أن للحرب ظروفا تبيح المحظورات ' . فالثورات في مصر حتى هذه الساعة لا زالت تنجب أحكام عسكرية من رحم خبيث دام ٦٠ عاما، و المشهد من الرواية يتكرر اليوم لكن بعد نصف قرن انحلت عقدة الرواية، فالمثقف أصبح جزء من السلطة لأنه أدرك أن الإنقلابات تبيح المحظورات. هنا نكست الأعلام لفقدان روح المبدأالانساني السامي الذي جمع فيما مضى المثقف الاخواني والشيوعي والعلماني في سجن واحد على اختلاف مشاربهم ، وبدأنا نعايش مرحلة ثقافة البلاط الذي لا تسع سجونه إلا اخواننا المسلمين.
٢
وظيفة الفن والأدب أن تخدم الأنسان، ولكنها في البلاد العربية تحمي هوى السلطان. لذلك لا تتعدى وظيفة المثقف العربي كونه ضابط بلاط يحامي عن ظلم الملك ويقتات على بيع المبادئ الانسانية التي أوهم الناس فيما مضى أنه يموت دفاعا عنها. والمثقف كما يصنفه الفيلسوف الايطالي غرامشي إما مثقف عضوي أو مثقف تقليدي، فالعضوي باختصار هو صاحب مشروع ثقافي يحمل فيه هم الدفاع عن القيم الإنسانية وتحقيق العدالة الاجتماعية وهو من يؤثر على المجتمع بالإيجاب ويتصدره في معارك الاصلاح ، والمثقف التقليدي هو العاجز عن حمل المسؤلية الاجتماعية التي تتعارض مع مصالحه الحياتية وهذا التعريف يشمل جميع مثقفي البلاط فهم تقليديون بمرتبة سامية ولا يصح وصفهم إلا كما قال علي حرب في كتابه أوهام النخبة أو نقد المثقف 'ان المثقفين هم أصحاب سلطة ومصلحة، وذو مواقع ومنافع، وهم يشكلون مجموعات لا تحسن سوى ممارسة نخبويتها ونرجسيتها. فلا تنخدع بالخطاب: إنه يسدد المعنى في جهة، لكي يخرقه من جهة أخرى، ويحارب أشياء على صعيد لكي يستعيدها على صعيد آخر. وكما يندر وجود المثقف العضوي في مجتمعاتنا، فإن الفن الإنساني يكاد يكون معدوم لأن أغلب الفنانين يريدون أن ينتموا إلى الجناح الفني في البلاط لاستكمال طريق الذلة مرددين كلمة السر للبواب كما حفظوها من زميلتهم ' لو عايزنا ملك اليمين يا سيسي ما نغلاش عليك والله
٣
لماذا وئدت الثورة ؟ السؤال الأكثر تداولا في الأوساط الثقافية عشية الانقلاب الدستوري كما يتناقل وصفه بين مثقفي البلاط وأعوانهم، لذلك لم ينفكوا عن امطارنا بإسهال ثقافي على مدار أسابيع ، وبدؤا بتلقين الشعب النشيد الوطني للجيش لا سلطة في الحكم تعلو سلطتي فالرأي رأيي .... والاجرام خياري وكعادة شعب بسيط تغلبه العاطفة وتحكمه البساطة استجاب جزء كبير منه للنداء ، ومشوا على ملة آبائهم الذين كبروا لزعيمهم عندما قال سنضرب أمريكا بالجزمة، فظلت الجزمة العسكرية طريقها لتضرب الشعب لمدة ستين عام، ورجعت مرة أخرى لكي يحيا الشعب حياة طيبة يصفق فيها للطغيان. وئدت الثورة لانه لم يتصدرها أو يأثر بها مثقفا شفافا، وإنما تسلق على ظهرها حاشية البلاط بأجمعه، فأحرقوها ونثروها بارودا لمدافع الانقلاب الدستوري. فالثورة الفرنسية الانسانية الخالدة امتدت ثقلها من آباء أورثوها المبادئ السامية على رأسهم فولتير الذي صدق الناس بقوله 'أخالفك الرأي، ولكني أقاتل دفاعا عن حريتك في التعبير عن رأيك'، والثورة المصرية وئدت لأن مثقفها الليبرالي مستعد أن يهدم عمارة يعقوبيان على رأسك ويقيم هلكوستا بشيكاغوا على أن لا تحكمه صناديق اقتراع تخالف هواه النتن. والثورة فور ولادتها أدخلت العناية المركزة لأن المثقف العلماني لا يستطيع أن يتنفس في هواء الأقليم الاسلامي العادل بينما يستطيع أن يقدم انتاجا أديبا وهو يحيا في الكراديب. وعظم الانقلاب الدستوري عندما تصدر المثقف الاسلامي الذي ملئ التلفاز ضجيجا بأن ثورة الحسين هي خروج على الظلم ليخبرنا أنه لا لذة تضاهي طعم الجزمة العسكرية العادلة.
٤
لا بأس أن يسقط من يسمى انسانا، لأنه لايزال يستطيع أن يقف حتى ولو على رجل واحدة وعكازة ليقدم اعتذاره فيمحو بعضا من عاره. لكن مثقف البلاط هفا عند أول اختبار قصير أي سقط ميتا فأصبح جيفة ثقافية لن تدفن حتى يهدم البلاط وتوضع كسرة منه شاهدا على رأسه. سيكفنون بكتباتهم الكاذبة ويحرقون بحبرها بعد أن يلفظهم التاريخ قطعة قطعة.
٥
لست من الاخوان المسلمين ولست مؤيدا لافكارهم، ن ولكني نذرت نفسي للإنسان وأسعى للحفاظ على ما تبقى من اسمه لعليّ أن أكون حصاة في بناء سقف يظلل الانسانية.
تعليقات