الفساد العربي كما يراه ناصر المطيري صار 'عملاً مؤسسياً'
زاوية الكتابكتب نوفمبر 14, 2013, 12:17 ص 519 مشاهدات 0
النهار
خارج التغطية / الفساد عمل مؤسسي
ناصر المطيري
على غرار قائمة أغنى أثرياء العالم التي تنشرها سنويا مجلة «فوربس» المتخصصة في هذا المجال، كم أتمنى ان تقوم المجلة في المقابل بنشر قائمة موازية تضم أفسد الفاسدين ولصوص الأموال العامة في العالم، وذلك من ان أجل نباهي نحن العرب والخليجيين العالم بصدارة هذه القائمة فنحصد المراكز الأولى بجدارة واستحقاق.
أقول ذلك لأن الفساد وممارساته المكشوفة في عالمنا العربي أصبح ثقافة لها أدواتها ووسائلها ورموزها ومؤسساتها، بل لا غرابة في بعض الحالات العربية ان صار الفساد دولة بكامل هياكلها ومؤسساتها.. والدليل على ذلك ما ظهر مع ثورات الشعوب الأخيرة في بعض البلدان العربية حيث فاضت الشعوب بهمومها والفساد المنتشر في ربوع أوطانها فنطقت بعد طول قمع وصمت وفضحت مواقع الفساد وأهله من النخب الحاكمة والسياسية والاقتصادية.. فاكتشفنا ان الفساد العربي ما هو الا «عمل مؤسسي» يشكل سلسلة متشابكة تبدأ من كبار المتنفذين في السلطة وتنتهي بأصغر مواطن وذلك في اطار شبكة توزع الأدوار فيما بينها وتحمي بعضها بعضا.
فالموظف الصغير نجده عبداً لأوامر مديرين المتسلطين، والمديرون بدورهم ينفذون توجيهات وزراء فاسدين والوزراء يختلسون ويتجاوزون فيجدون من يحمي ظهورهم من بعض النواب في البرلمانات العربية ممن اشتروا مقاعدهم النيابية بأموال فاسدة للتمثيل على الشعب لا لتمثيله، فيقوم بعض هؤلاء النواب الفاسدين بالتشريع للناس فيقننون الفساد ويشرعنون أعمال الكبار ويحمونها من المحاسبة وهكذا تدور حلقة الفساد التي تتسع من نواتها المركزية لتنتشر بشكل متوالي.
وللفاسدين المتنفذين في عالمنا العربي وسائل اعلام مقروءة ومرئية تزيّن أعمالهم وتظهرهم للناس بأنهم رموز الوطنية وأيادي خير بيضاء، وسائل الاعلام تلك تمثل لهؤلاء الفاسدين المتنفذين محطات لغسيل أموالهم القذرة، بل أحيانا تجد ضمن مؤسسة أو شبكة الفساد في بعض الدول بعض رجال القضاء ممن يبيعون ضمائرهم بثمن بخس لأباطرة المال والسلطة، فيقدمون صكوك البراءة الزائفة لهؤلاء اللصوص الذين يمتصون دماء الشعوب وفي المقابل يلاحقون الأبرياء ويحبسونهم، وهكذا تدور آلية عمل «مؤسسة الفساد العربية المتحدة» فهي شبكة مؤسسية متآزرة مع بعضها متعاونة على الاثم والحرمنة المقننة.
ولو قارنا التعامل مع الفساد في الغرب مع ما يجري في عالمنا النامي لوجدنا الصورة مختلفة والشواهد على ذلك عديدة، ولعل من ابرز ما يميز الدول المتقدمة في استيعاب الفساد هو محاكمة المسؤولين اثناء توليهم مناصبهم، ففي السويد قررت السلطات القضائية اجراء تحقيق قضائي مع نائبة رئيس الوزراء «مونا ساهلين» لارتكابها مخالفة مالية. وفي فرنسا واجه ألان كارينيون وزير المواصلات السابق عقوبة السجن عشرة اعوام لاتهامه بالفساد.. وعاقبت فرنسا ايضا رئيس وزرائها السابق بتهمة استئجار شقة لابنه بتخفيض 30% «ولاحظ انه لم يقم بالاستيلاء عليها بل حصل على تخفيض».
ولا شك ان المناخ الديموقراطي الحقيقي وليس الصوري الذي تتمتع به هذه الدول هو ما أدى الى ذلك فلا يمكن لأى مسؤول ان يكون فوق القانون حتى لو كان رئيس الجمهورية وعليه فهو يخضع للمراقبة والمساءلة والعقاب فى حال ثبوت التهمة بل وتتمتع وسائل الاعلام بالمصداقية وعدم وجود أي آلية للضغط عليها، أما في الدول النامية فتأتي على النقيض تماما حتى بات الفساد ظاهرة طبيعية يتوقعها المواطن في جميع تعاملاته اليومية والأخطر من ذلك من المسؤولين الكبار من يكون أكبر من القانون، ان لم يكن هو ذاته القانون وهو الدستور، ألم يقل فرعون لقومه: «قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ اِلاَّمَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ اِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ».
تعليقات