ذاكرتنا قصيرة لدرجة أننا ننسى 'رجال الدولة'.. وليد الرجيب مستنكراً

زاوية الكتاب

كتب 675 مشاهدات 0


الراي

أصبوحة  /  الرجال الذين بنوا الكويت

وليد الرجيب

 

لا أحد ينكر مدى التدهور الذي أصاب هذا البلد الشامخ، وهو الذي كان مضرب الأمثال لدى الشعوب الأخرى ليس بالحجم أو بعدد السكان، وليس بالجيوش الجرارة والأسلحة الفتاكة، ولكن في شيء أعظم بكثير وهو الثقافة.
كنت في حديث سريع مع الأكاديمي في قسم النقد المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية الدكتور علي العنزي، وتحدثنا عن هموم المسرح والمعهد الذي تعرض مثله مثل أي مؤسسة أخرى لمؤامرة ليس فقط ضد هذا الصرح ولكن ضد الثقافة التي كانت خيار الكويت الأول.
في السنوات العشر أو العشرين الأخيرة من حياة الفنان الراحل العم حمد الرجيب توثقت العلاقة بيننا، فقد كانت اهتماماتنا وهمومنا مشتركة، وخاصة أننا كنا نعمل لصالح الثقافة في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، كان هو في المجلس الأعلى (البورد) الذي يرسم سياسات المجلس وأنا كنت مديراً للثقافة والفنون، ودارت بيننا أحاديث لو كتبت لأصبحت كتباً وأسفارا.
قال لي ذات مرة: «ان المسرح فقد احترامه والموسيقى والأغاني فقدتا تميزهما الكويتي، وضرب أمثلة بدأها بحادثة نقلها عن الفنان المصري الراحل والعملاق نجيب الريحاني، قال ان الريحاني كان مستغرقاً في دوره على خشبة المسرح في العهد الملكي وإذا بأحد الوزراء الجالسين في الصف الأول يطلب عشاء من أحد المطاعم، وعندما فض الأكياس أصدرت صوتاً، فأوقف الريحاني العرض وتوجه للجمهور مخاطباً بغضب: «عشر دقايق استراحة عشان يتعشى سعادة الباشا... اقفلوا الستارة واختفى غاضباً».
ونقل لي الأستاذ حسين مسلم الذي كان عميداً لمعهد المسرح في فترة ما أنه دعا الأستاذ حمد الرجيب لحضور عرض لمشروعات تخرّج طلبة التمثيل، ولكنه لم يأت وبعد بدء العرض بفترة، جاء من يهمس في أذن المسلم: أن الأستاذ حمد جالس في الصفوف الخلفية، نهض الأستاذ حسين واتجه إلى حمد الرجيب وقال له انهم تركوا له مكاناً في الصف الأول طالباً منه مرافقته، فكان رد حمد الرجيب: «لا الخطأ خطأي أنا جئت متأخراً ولا يجب إرباك العرض، فدعني أتابع من مكاني هذا».
قال لي متحسراً ذات مرة: «كان المسرح محترماً... وكان الجمهور يذهب للمسرح وكأنه يذهب لمكان مقدس... أما الآن...»، وذكر لي حقائق تاريخية وشواهد على أهمية المسرح في الكويت، بأن أكثر من كان يحرص على حضور العروض المسرحية في الثلاثينات والأربعينات كانوا شيوخ الكويت، منهم الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح وصاحب السمو الأمير صباح الأحمد الصباح، وبالفعل هناك صورة أرشيفية في وزارة الإعلام تبين أنهما جالسان على كراسي المسرح وفي غاية الاستمتاع بالعرض.
قضينا معاً رحمة الله عليه سنوات بـ «الفضفضة» وبالحديث عن تاريخ المسرح والثقافة غير المكتوبين، وبعضه قاله لي لأول مرة في حياته، وأنا تركته يسترسل غير مصدق أنني أجلس مع قامة ثقافية بنت هذه الكويت التي أعشقها.
حمد الرجيب الذي أسس في مصر فرقة أم كلثوم بتبرع سخي من الأمير الراحل الشيخ صباح السالم الصباح، وأنا حضرت اجتماع التأسيس في بداية السبعينات، حمد الرجيب الذي أحضر كوكب الشرق أم كلثوم إلى الكويت، وهو الذي كانت أحد أحلامه تأسيس معهدي المسرح والموسيقى، والذي لون حياتنا بألحانه ثم نُسي هذا اليوم، لم يكن يتصور أن المسرح سيتدهور إلى هذا المستوى المتدني لولا وجود بقية من مخلصين مثل الأستاذ عبدالعزيز السريع وغيره من بقايا عمالقة هذا الفن.
ذاكرتنا قصيرة لدرجة أننا ننسى الرجال الذين قامت على أكتافهم نهضة الكويت التي أدهشت العالم أجمع بعبقريتها التنويرية وبرجالها الذين استحقوا عن جدارة لقب «رجال دولة»، وفي هذا الصدد وفي حمّى إطلاق أسماء نكرات أو غير معروفة أو ليس لهم دور في التاريخ الكويتي على الشوارع، أتذكر حادثة مؤسفة وهي أن الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله الصباح أمر بأن يسمّى الشارع الرئيسي في الشامية باسم حمد الرجيب، لكنهم لم ينفذوا هذا الأمر واكتفوا بإطلاق اسمه على مدرسة قديمة، وكأنهم يريدون أن يمحوا أسماء من بنى وصنع النهضة الكويتية الحديثة، والحديث يطول في هذا المجال.

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك