الأمة العربية تدين نفسها بنفسها وترفض الاستئناف!.. خليل حيدر متعجباً

زاوية الكتاب

كتب 714 مشاهدات 0


الوطن

طرف الخيط  /  هل 'الجاهلية'.. مظلومة؟

خليل علي حيدر

 

بعكس الفرس واليونان، والرومان والهند والصين، وغيرها من الحضارات، التي تفتخر بماضيها القديم ولا تهاجمه ليل نهار على مدى سنين طويلة ولاتزال، نرى تاريخ ما قبل الاسلام في العالم العربي، وبخاصة الجزيرة العربية، موضع تهجم وانتقاد لا يكاد يهدأ في الثقافة العربية – الاسلامية، التي تجدد هجومها على «العصر الجاهلي» كلما برزت فيها حركة اصلاحية أو نهضوية.
لا يعادي الاتراك ثقافتهم الوثنية قبل الاسلام، ولا يجد الايرانيون في ايران ما قبل الاسلام الا اساس تكوين حضارتهم وتشكل لغتهم وتقاليدهم، ولا يجد المصريون بأسا في الحضارة الفرعونية العظيمة، ولا اللبنانيون في العصور الفينيقية، ولا العراقيون في حضارات آشور وأور وبابل، ولا اليونان أو الايطاليون في حضارتي الاغريق والرومان.
لا ينطبق كل هذا على ما نسميه في بلادنا بالعصر الجاهلي والجاهلية، فهي في ثقافتنا ظلام دامس، ومفاهيم متوحشة، وليل بهيم بلا نجوم!
وكانت «الجاهلية» تحظى ببعض الاهتمام الادبي والتاريخي قبل طغيان «المد الاسلامي»، وانتشار كتابات سيد قطب ومحمد قطب وأبو الأعلى المودودي وغيرهم، حيث لم تعد «الجاهلية» مرحلة تاريخية سابقة على الاسلام، بل صارت رمزا لكل ما هو معاد للاسلام ونقيض للدين.
«ان المجتمع الجاهلي هو كل مجتمع غير المجتمع المسلم»، كما يقول سيد قطب في كتاب المعالم، اما «الموسوعة الميسرة في الاديان والمذاهب والاحزاب المعاصرة»، التي اشرف عليها وخطط لها وراجعها الداعي السعودي المعروف د.مانع بن حماد الجهني واصدرتها «الندوة العالمية للشباب الاسلامي» في الرياض مع نهاية القرن العشرين في عام 2000، وهي دائرة معارف اسلامية حركية سلفية اخوانية في مجلدين، فتقول عن الجاهلية ما يلي: «الجاهلية تعني فكرا واوضاعا وحالات للفرد والمجتمع التي تشمل عقيدته وفكره ونظمه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخلقية، وكل ما ينظم امور حياته غير المنبثقة من كتاب الله وسنة نبيه، وبذلك فهي حالة ووصف يقابل وصف الاسلام، والجاهلية بمعناها الخاص غير مرتبطة بعصر من العصور او بحقبة تاريخية معينة او بلد ما، وانما هي حالة تنسحب على كل من تلبس بها سواء كان فردا او مجتمعا».
غير ان الموسوعة تحذر بانه «لا يصح تجهيل مجتمعات المسلمين واطلاق الحكم بتكفير افرادها لتلبسهم بخصلة من خصالها» (ص1035)، ولكن ما جاء في المقدمة، وفي كتب الكثير من الاسلاميين يكاد يبطل هذا التحذير الطوباوي!
ليس هذا فحسب، بل سودت صحائف تلك المرحلة التاريخية بمختلف الاخبار والروايات والحكايات والاساطير، وتم تحويل كل هذا التشهير الى جزء واسع التداول من الثقافة الدينية المتداولة في المناهج المدرسية والمساجد والمؤلفات التاريخية.
العرب في اعتقادي هم الامة الوحيدة التي تشتم نفسها وماضيها وجذورها واصولها، بهذه القوة والحماس والشمول والاستمرارية! في المكتبات كتب لا حصر لها في تسفيه «الجاهلية» ووصف عرب ما قبل الاسلام بكل النعوت.
على نفس الارفف كتب تهاجم «الشعوبية» التي هاجمت العرب كذلك! والارجح ان جل ما فعله هؤلاء انهم جمعوا اقوال المؤرخين والتراثيين العرب، وربما ما يقوله الإسلاميون اليوم عن عرب ما قبل الاسلام.. ولم يشعروا بأي حاجة للمزيد!
الاعجب من هذا ان المؤرخ العربي لا يحق له اطلاقا اعادة اكتشاف هذه «العصور الجاهلية» او النظر اليها بمنظار مختلف، او دراسة حقيقة علاقتها بالاسلام نفسه، رغم ما يقال من ان الدين اقر الكثير من عقائد وعادات العرب، الذين كانوا رغم شركهم يؤمنون بالله خالقا، فالمسلمون ينسون ان الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه كان اسمه «محمد بن عبدالله» وان الكثير من طقوس الحج وشرائع المجتمع الاسلامية كانت معروفة لهم.
ولا يسلم حتى المستشرق الذي يبحث في تاريخ العرب قبل الاسلام واحوال الجزيرة العربية وقبائلها قبل الاسلام، من الهجوم والقذف والاتهام بانه انما يريد التشكيك في منابع واصول الدعوة الاسلامية.
وحتى عندما تزايد الاهتمام بالآثار المصرية القديمة هوجم هذا البحث والحرص على حضارة الاصنام والنقوش والفراعنة، بان المراد من كل هذا النبش والبحث في مصر والعراق وبلاد الشام وفيما بعد الجزيرة العربية نفسها واليمن، انما هو زعزعة ايمان المسلمين.
ان الاوروبيين والآسيويين والافارقة يبحثون بحماس في اصولهم وتاريخهم والكثير مما يبحثون فيه «وثني» وربما معاد للمسيحية او البوذية، والايرانيون يرددون بحماس اشعار«الشاهنامة» التي خلد من خلالها الشاعر الفردوسي بلاد فارس ما قبل الاسلام، ويعتز اليونان بأشعار هوميروس وتراث فلاسفتهم من مؤمنين وملاحدة.
بينما لا نملك في العالم العربي الا ان نمجد كل ما قال لنا البعض او لا يزال آخرون.
انها الامة التي تدين نفسها بنفسها.. وترفض الاستئناف.

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك