شهوة الدم لا تعرف الإحساس بالذنب.. برأي وليد الرجيب

زاوية الكتاب

كتب 729 مشاهدات 0


الراي

أصبوحة  /  شهوة الدم

وليد الرجيب

 

تلقيت هدية من الصديق القديم والمثقف البحريني بدر عبد الملك، كتابه الضخم والقيّم المعنون بـ «استباحة دم الإنسان في عصر الصورة»، وهو دراسة في الدم والقتل والوحشية، وبدر عبد الملك هو أحد الكتاب والمثقفين المرموقين في البحرين.

وكما هي عادته لم يكتب إلاّ بعد تأمل في أحداث الواقع، فقد راودته كتابة هذا الكتاب منذ زمن طويل، لكن تفجيرات القتل والدموية الرهيبة في عملية العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 قدح زناد فكره، بيد أن حمام الدم اليومي في العراق كان المصدر الأساسي للمباشرة بتنفيذ الفكرة، حيث عملية قتل الأبرياء الرخيصة والجنونية أخذ يزداد حجمها ويتسع مجالها كما كتب في مقدمة الكتاب.

بدر عبد الملك كما عرفته لا يكتب أو يتناول الموضوع بسطحية عابرة، واهتماماته والتقاطاته تتعدى السائد من الأفكار كمبدع متفرد في الرؤية والتأمل، فهو في كتابه هذا يتحدث عن مفردة الدم كموضوع في الخطاب اليومي لوكالات الأنباء وللساسة ورجال الفكر والأدب، حتى بدا الدم مقولة أعمق من كونها حالة بيولوجية وتراثية مقدسة في حياة الإنسان البدائي.

يتناول بدر عبد الملك موضوع الدم وفلسفته وأصوله اللغوية وبعده التراثي والديني، بدءا من الدم الأول بين هابيل وقابيل إلى دم القرابين ودم المسيح ورأس الحسين والتطبير، ويلقي ضوءا على الدم المثيولوجي ودم الثأر والبكارة والاغتصاب ودم العذرية إلى دماء التمييز العنصري، وأيضاً ما يسمى بالدم الأزرق والدم الدلالي في الأدب، وصولاً إلى دماء عصر الفضائيات وما أسماه الدم المجاني وأخوة الدم.

هنا لا يتناول الكاتب الحدث السياسي والإرهاب والتفجيرات بشكل سطحي، بل يغوص في دلالات الدم ويتعمق فيها انطلاقاً واستشعاراً منه أن الدم المستباح أصبح حدثاً يومياً، لدرجة أنه أصبح عادياً ومألوفاً حتى للطفل، وليس أمراً جللاً وفظيعاً وبشعاً وشاذاً في عصرنا المتطور نسبياً.

رغم أن الكتاب قد صدر عام 2012، إلا أن أحداث اليوم تؤكد هذه النظرة العميقة، فللقتل أسباب وذرائع دينية وطائفية وعنف لم يتجاوز تفكير الإنسان البدائي، فالسلطة والأنظمة تقتل وتسيل الدماء تحت ذرائع الأمن والشغب والمعارضة الخطرة على مواقعها، والإسلاميون الجهاديون المتشددون يقتلون بذرائع الدين البريء منهم، والرجل يقتل زوجته وابنته بوحشية بذريعة الشرف، حتى غدا الدم وإسالته شهوة وشغفاً لدى الإنسان.

لم يعد الدم والقتل في ذهني مجرد حدث، بل جعلني بدر أتأمل أكثر في دلالته لأكتشف أبعاداً أعمق للعنف اليومي وللدم المجاني، الذي يتعدى مجرد الحدث والخبر إلى شهوة بشرية لرؤيته والولوغ فيه، فمن يسيل الدم سواء سلطة أو جماعة أو إنسان مرةً، تتشكل لديه عادة وإدمان لرؤية الدماء بشغف وعدم إحساس بالذنب.

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك