عن أسباب فشل العلمانية في العالم العربي!.. يكتب خليل حيدر
زاوية الكتابكتب يوليو 15, 2014, 11:14 م 2842 مشاهدات 0
الوطن
طرف الخيط / لماذا رفض العرب.. العلمانية؟
خليل علي حيدر
لماذا نجحت العلمانية في تركيا، وفشلت في ايران والعالم العربي؟ لماذا اصبحت العلمانية اساساً راسخاً حتى الآن للنظام السياسي التركي، بينما هيمن رجال الدين على السلطة في ايران، وضاعت العلمانية العربية.. بين الأرجل! لماذا أثمرت شجرة أتاتورك في أنقرة وأسطنبول، ولم يحالف التوفيق الفرس والعرب.. في هذا المجال؟
ربما كان سبب فشل «نظام بهلوي» في ايران بتبني العلمانية قوة ونفوذ رجال الدين، وسلطة المرجعية الشيعية، التي عارضت العلمانية بشدة، كسائر الهيئات الدينية في العالم الاسلامي، بما في ذلك العالم العربي.
غير أن من أفشل العلمانية في العالم العربي ومنع نجاحها وانتشارها لم يكن نفوذ رجال الدين وحدهم، بل الحركة القومية العربية كذلك!، يقول د.مجيد خدوري (2007-1908) احد كبار الباحثين العرب في الحركات والتيارات، موضحاً سبب انصراف العرب عن العلمانية، حتى قبل سقوط الدولة العثمانية.. بعكس «الشباب العثماني»، ما يلي:
« كان الفكر العلماني الذي استهوى الشباب العثماني يهيمن على بيئة اسطنبول الفكرية التي ترعرع فيها العديد من القوميين العرب. وكان معظم الزعماء الذين عارضوا سياسة السلطان عبدالحميد الاسلامية يحاولون ابقاء الحركة القومية منيعة في وجه المؤثرات الاسلامية. لكن غالبية القوميين العرب رفضوا وجهة نظر العثمانيين الجدد بصدد الاسلام لأنهم، اي القوميين العرب، اعتبروا الاسلام وليد التراث العربي، فلم يرغبوا في الانفصال عنه. وبالفعل، فقد اعتز معظمهم، بمن فيهم المسيحيون، بالاسلام لأنه أكد، بصورة خاصة، اللغة العربية والطابع العربي للقرآن.
وكان هذا العنصر الثقافي الخطير هو الذي دفع المفكرين العرب الى اعتبار الاسلام من مقومات القومية العربية، بينما اعتبره المفكرون الأتراك عنصراً غريباً عن تراثهم الثقافي. فالاسلام هبط في الجزيرة العربية، مهد العنصر العربي، ومحمد (صلى الله عليه وسلم) كان نبياً عربياً وبطلاً قومياً في نظر العرب. كما ان القرآن لم ينزل باللغة العربية دون سواها وحسب، بل فُرض على جميع المؤمنين، مما دفع المسلمين من غير العرب الى تبني اللغة العربية والاسهام في التراث الأدبي الاسلامي والعربي».
(الاتجاهات السياسية في العالم العربي، مجيد خدوري، بيروت، 1972، ص190).
اتجهت تركيا بعد زوال الدولة العثمانية نحو سلسلة متوالية من التغييرات القانونية والسياسية والثقافية. فما ان أمسك «أتاتورك» بنظام الحكم، كما تقول «الموسوعة العربية الميسرة» حتى «شرع في حزم ونشاط كبيرين في تنفيذ برنامج واسع النطاق من الاصلاح الداخلي واقتباس النظم الغربية، فغير معالم تركيا تغييراً كلياً دون أية معارضة، وكان بالغ الصرامة في تنفيذ أحكامه، فألغى الخلافة 1924، وفصل بين الدولة والدين، واستبدل بالحروف العربية اللاتينية، وألغى الامتيازات الأجنبية، واستعمال الطربوش والعمامة والحجاب، وجعل القانون المدني يقوم على اصول التشريعات الأوروبية، بدلاً من الشريعة الاسلامية».
من ناحية أخرى، حدث ما يدعم نفوذ الدين في العالم العربي في المرحلة الحديثة. يقول د.خدوري:
«واستمد المفكرون العرب، مسلمون ومسيحيون على السواء، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، الالهام من اللغة العربية والتراث العربي لتطوير الوعي القومي وللدعوة الى هوية عربية منفصلة عن الهوية العثمانية. ونظر هؤلاء المفكرون الى الاسلام، باعتباره ثمرة من ثمار التراث العربي، كقوة روحية وكمجموعة من القيم الأخلاقية الضرورية للحياة. لكن هذه النظرة الى الدين، باعتباره من مقومات القومية، تنسخ المفهوم التقليدي القائم على الاخلاص للدين وحده».
ويضيف: «وفي أوائل العشرينيات ارعبت النزعة العلمانية الأوساط الدينية، فما كان من الزعماء القوميين، بدافع حاجتهم الى دعم هذه الاوساط في نضالهم من اجل الاستقلال، إلا ان سعوا الى مسايرتها باعلان تأييدهم الظاهري للاسلام. وبالاضافة الى ذلك، فقد نجم عن الاهتمام المتزايد بالدراسات العربية والاسلامية في المعاهد الوطنية والأجنبية إدراك بأن الدين والثقافة متداخلان، وبأن للاسلام اهمية في الحركة القومية العربية. وما أن بدأ بعض الكتاب ينشر آثاراً عن بعض جوانب الاسلام حتى قوبلت بالترحاب، مما شجع آخرين على السير في هذا الاتجاه بدل الاستمرار على نشر الأفكار الليبرالية والعلمانية. وفي الثلاثينيات صدرت كميات من الكتب كان الاسلام مادتها الاساسية، تراوحت بين القصص التاريخية والكتب المدرسية». (ص193).
وبعد الحرب العالمية الثانية وبدء عصر الانقلابات في الخمسينيات والستينيات، تضاعفت حاجة الأنظمة العربية، الدستورية منها والانقلابية، الى ابراز توقير النظام للدين، والى ربط العروبة بالاسلام، بل وحتى اعتبار الوحدة العربية نفسها مجرد خطوة في اتجاه الوحدة الاسلامية الكبرى وربما الخلافة. ثم جاء «الاسلاميون».. وفي ركابهم «داعش»!.
تعليقات