عن أصولية 'جاناتا' الهندوسية!.. يكتب خليل حيدر
زاوية الكتابكتب أغسطس 2, 2014, 11:24 م 784 مشاهدات 0
الوطن
طرف الخيط / أصولية 'جاناتا'.. الهندوسية
خليل علي حيدر
من أقوال رئيسة وزراء الهند انديرا غاندي (1917 – 1984) في وصف بلادها، ان «الهند عالم في حد ذاتها. انها ضخمة جدا ومتنوعة جدا، لا يكتمل أي وصف لها.. الهند شبه قارة».
تشتهر الهند في «الفولكلور السياسي» الواسع الانتشار بثلاثة: الاول كثرة الآلهة والاديان، حيث كان عدد الهندوس عام 2001، 282 مليون هندي، %80 من السكان، والمسلمين 138 مليونا، %13، والمسيحيين 24 مليونا، والسيخ أو السيك 19 مليونا، والبوذيين 8 ملايين.. الخ. ولا تعد الهند الدولة الهندوسية الكبرى في العالم، بل هي كذلك ثالث اكبر الدول الاسلامية من ناحية السكان، بعد اندونيسيا وباكستان.
والثاني، كثرة اللغات التي يعترف الدستور بـ23 منها لغات رسمية، غير ان شعوب الهند تستخدم كذلك 1600 لهجة، كما ان التعليم المدرسي يتم بأكثر من اربعين لغة، تستخدم 14 ابجدية، وتصدر الصحف والمجلات بأكثر من مائة لغة ولهجة. ويقول مصدر موثوق ان عدد الصحف عام 2007 كان نحو 65 الفا، يزيد توزيعها عن 192 مليون نسخة.
(The Statesman''s Yearbook 2012, 613)
أما ثالث ما تشتهر به الهند، على كثرة ما بها من اديان وجماعات فهي العلمانية، أو عزل الدين عن الدولة، كضمان لاستمرار ديموقراطية الهند المستمرة منذ استقلالها، قبل اكثر من ستين عاما. غير ان علمانية الهند وديموقراطيتها اليوم مهددتان، كما تقول الصحف. (الحياة، 2014/5/26). فقد جاء الى رأس الحكم في نيودلهي، يكتب جميل مطر، «زعيم يجمع في شخصيته التطرف الديني والتطرف القومي في عقيدة واحدة».
انه الزعيم الشعبي الديني اليميني المحافظ، المبشر بالاصولية الهندوسية، «ناريندرا مودي»، على رأس حزب «بهاراتيا جاناتا»، الذي تأسس في عام 1980، وازدادت شعبيته صاعدا من مقعدين عام 1984، سنة اغتيال «انديرا غاندي»، الى 182 مقعدا عام 1999، وذلك من مجموع مقاعد البرلمان البالغة 543، فشكل ائتلافا حاكما بقيادته حتى انتخابات 2004، عندما فاز عليه «حزب المؤتمر» المعروف بتاريخه العلماني، وموضع ثقة اغلبية الشعب الهندي لسنوات طويلة منذ الاستقلال.
تزامن صعود الحزب الهندوسي المتزمت مع صعود موجة عالمية من التدين السياسي، كما يلاحظ بعض المحللين. وقد ضمت هذه الموجة «الاصولية الاسلامية بشقيها الاخواني السني منذ اواسط السبعينيات، والخميني الشيعي مع وصول آية الله الخميني للسلطة في فبراير 1979، فيما دخل الفاتيكان البابا يوحنا بولس الثاني، وهو محافظ ذو اتجاه لاهوتي يعادي الحداثة الغربية وفي صدام مع الشيوعية السوفييتية نم خلال رعايته حركة التضامن البولندية، صيف 1980، وكان التفجير البولندي هو الانذار الاول بقرب تداعي البناء السوفييتي».
مزج حزب جاناتا الوطنية الهندية مع رؤية ثقافية للديانة الهندوسية وجرت حالة تعبئة انتهت بتدمير المسجد البابري بدعوى انه مقام على موقع الإله الهندوسي رام، ثم باضطرابات عام 2002 في ولاية كجرات ضد المسلمين، حيث قتل 2000 وشُرد 150 الفا. وترافق توحيد الهندوسية والوطنية الهندية عند حزب «جاناتا»، مع نزعة من المحافظة الاخلاقية – الاجتماعية ومع عداء شديد لحركة التبشير المسيحية، التي لاقت رواجا بين الهندوس دون المسلمين والسيخ، وللقيم الثقافية الغربية. (الحياة، 2014/5/24).
كانت انحرافات وجوانب فساد بعض قيادات حزب المؤتمر، تقول التحليلات ضمن اسباب غضب القاعدة الشعبية في حزب جاناتا. فقد زاد عدد اصحاب البلايين في الهند من ستة افراد الى واحد وستين فردا، كما بدّد الفساد في عشر سنوات ما قيمته ثلاثة اضعاف ما انفقته حكومة الهند على برامج الرعاية الصحية والاجتماعية.
وتعددت صور الفساد في القمة حيث تتبادل عائلات كبار رجال الاعمال المنافع، وعلى مستوى الشارع حيث تبين ان ثلثي سكان الهند يتعاملون بالرشوة مع رجال الشرطة، وان %40 مارسوا الرشوة مع مأموري الضرائب و%45 تبادلوا منافع مشبوهة مع القضاة ورجال النيابة. ولم تسلم حتى «الجمعيات الخيرية» الهندية من الفساد، ولا ملاجئ الايتام ودور العجزة. فالذين يجمعون لها الاموال يختلسون منها ما يستطيعون، ويكشفون عن القليل المتبقي منها، ليرشوا به اجهزة الترخيص والرقابة والمراجعة. كما وشهدت الهند تظاهرات احتجاج شبابية ضد تفاقم التحرش الجنسي وانهيار الاخلاق العامة وانحسار الرعاية الاجتماعية.
وفيما كانت الاحوال تتردى في دلهي كانت ولاية غوجرات تتمتع بأوضاع جيدة ونمو اقتصادي مطرد تحت سيطرة حزب «بهاراتيا جاناتا» الهندوسي القومي المتطرف، الحزب الذي يقوده رجل يؤمن بكل ما يتعارض مع الديموقراطية، وبخاصة التسامح والعلمانية والتعددية بكافة اشكالها، حيث راح هذا القائد «مودي» يدعو لأصولية هندوسية تتحكم بصوغ ثقافة جديدة للهند.
على صعيد السياسة الخارجية تبنت اصولية مودي الهندوسية معاداة باكستان والصين وسياسة عدم الانحياز، والتقرب الى الولايات المتحدة واسرائيل.
توجد بالطبع «اصولية هندوسية»، وان كان من الصعب تصورها! فالمعروف عن هذه الديانة انها تجمع الكثير من العقائد والطقوس، وانها ربما تتقبل أي عقيدة. ويقول دارسوها بأنها تقبل حتى الاديان الاخرى. فليس لهذا الدين اركان أو عقائد صارمة، وليس لها تاريخ بداية دعوة ولا نبي أو رسول، ولا رجال دين أو مرجعية، وتتعايش داخلها الافكار الفلسفية وطقوس السحر والجنس وتعدد الآلهة والتصوف. صحيح ان للهندوسية ايمانا بالبراهمان، الواحد الكل المطلق الذي هو جوهر الاشياء الحية، ولكن هذه «الوحدانية» لا تلعب أي دور في «الهندوسية الشعبية»، حيث يعبد الجمهور اعدادا لا تحصى من الآلهة. كما وتؤمن الهندوسية بتناسخ الارواح، حيث تقدس كل ما هو حي وبخاصة البقر، كما يلتزم الكثيرون من اتباعها بالغذاء النباتي.
(The Concord Desk Encyclopedi, 1982)
وتضيف الموسوعة ان الهندوسية بدأت في القرن الثاني قبل الميلاد، وتأثرت عبر تاريخها وبخاصة في العصور الحديثة بالمسيحية والاسلام، فلعل هذه الاصولية الهندوسية مقتبسة من اديان أخرى!
لقد حمت الديموقراطية الهندية نفسها في ظروف بالغة القسوة منذ عام 1947، وقاومت مغريات الدولة الشمولية والاقتصاد الموجه والتعصب القومي والديني، حتى عندما هيمنت مثل هذه التوجهات على بلدان العالم الثالث.
فهل تسلم الهند من الاصولية الهندوسية كذلك.. في صعودها الثاني؟
تعليقات